الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ومن شرط الجماعة : أن ينوي الإمام والمأموم حالهما ) بأن ينوي الإمام : الإمامة وينوي المأموم الائتمام ( فرضا ونفلا ) لقوله صلى الله عليه وسلم { وإنما لكل امرئ ما نوى } ( فينوي الإمام : أنه مقتدى به ، وينوي المأموم : أنه مقتد ) كالجمعة ، لأن الجماعة تتعلق بها أحكام وجوب الاتباع وسقوط السهو عن المأموم وفساد صلاته بفساد صلاة إمامه وإنما يتميز الإمام عن المأموم بالنية فكانت شرطا لصحة انعقاد الجماعة .

                                                                                                                      ( فلو نوى أحدهما دون صاحبه ) بأن نوى الإمام دون المأموم أو بالعكس ( أو نوى كل واحد منهما أنه إمام الآخر أو ) أنه ( مأمومه ) لم يصح لهما لأنه أم من لم يأتم به ، أو ائتم بمن ليس إماما ( أو نوى إمامة من لا يصح أن يؤمه كأمي ) نوى أن يؤم قارئا ( أو ) ( كامرأة ) نوت أن ( تؤم رجلا ونحوه ) كعاجز عن شرط الصلاة ، نوى أن يؤم قادرا عليه ، لم تصح صلاتهما لأن كلا من الإمامة والائتمام فاسدان ( أو نوى الائتمام بأحد الإمامين لا بعينه ) لم [ ص: 319 ] تصح صلاته لعدم تعيينه ( أو ) نوى الائتمام ( بهما ) أي بالإمامين ، لم تصح صلاته .

                                                                                                                      لأنه لا يمكنه الاقتداء بهما ( أو ) نوى الائتمام ( بالمأموم ، أو ) ب ( المنفرد ) لم تصح صلاته لأنه ائتم بغير إمام ( أو شك في الصلاة ، أنه إمام أو مأموم ) لم تصح صلاته ( لعدم الجزم بالنية ) أي : نية الإمامة أو الائتمام ( أو أحرم بحاضر ، فانصرف ) الحاضر ( قبل إحرامه ) معه ، ولم يعد ، ولم يدخل غيره معه قبل رفعه من ركوعه ، لم تصح صلاته لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به ( أو عين إماما ) بأن نوى أنه يصلي خلف زيد فأخطأ لم تصح صلاته ( أو ) عين ( مأموما وقلنا : لا يجب تعيينهما ) أي : الإمام والمأموم ( وهو ) أي : القول بعدم وجوب تعيينهما .

                                                                                                                      ( الأصح ) قاله في الفروع وغيره ( فأخطأ ) لم تصح صلاته قدمه في الفروع وغيره وعلم من قوله : عين إماما أو مأموما : أنه لو وصفه في غير تعيين له لصحت صلاته وهو الصحيح وعلم أيضا من قوله : وقلنا لا يجب تعيينهما : أنا إذا قلنا يجب تعيينهما فعينهما وأخطأ صحت صلاته " تتمة " وعلم من قوله : عين إماما إلخ أنه لو ظنه ولم يعينه ، لصحت صلاته وهو الصحيح لأنه معذور في التعيين ، لصحة صلاته والخطأ معفو له عنه ( أو نوى الإمامة وهو لا يرجو مجيء أحد ) يأتم به ( لم تصح ) صلاته ، ولو حضر من ائتم به ، لأن الأصل عدم مجيئه .

                                                                                                                      ( وإن نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ) بأن يغلب على ظنه حضور من يأتم به ( صح ) ذلك ، كما لو علمه و ( لا ) تصح نية الإمامة ( مع الشك ) في حضور من يأتم به ، كما لو علم عدم مجيئه لأنه الأصل ( فإن ) نوى الإمامة ظانا حضور مأموم ( فلم يحضر ، لم تصح ) صلاته ، لأنه نوى الإمامة بمن لم يأتم به ، وكذا لو حضر ولم يدخل معه ، لا إن دخل ثم انصرف قبل إتمامه صلاته فإن صلاة الإمام لا تبطل ويتمها منفردا ( وإن أحرم منفردا ، ثم نوى الائتمام ) في أثناء الصلاة ( أو ) أحرم منفردا ، ثم نوى ( الإمامة لم يصح فرضا كانت ) الصلاة ( أو نفلا ) كالتراويح والوتر ، لما تقدم .

                                                                                                                      قال في الإنصاف : هذا المذهب عليه الجمهور قال في الفروع : اختاره الأكثر قال المجد : اختاره القاضي وأكثر أصحابنا ( والمنصوص صحة الإمامة ) ممن أحرم منفردا ( في النفل وهو الصحيح ) عند الموفق ومن تابعه لحديث ابن عباس قال { بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني عن يمينه } متفق عليه .

                                                                                                                      وروى مسلم معناه من حديث [ ص: 320 ] أنس وجابر بن عبد الله قلت : ولا دليل في ذلك لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة ابتداء لظنه حضورهم ( وإن أحرم مأموما ثم نوى الانفراد لعذر يبيح ترك الجماعة ، كتطويل إمام و ) ( كمرض ، و ) ك ( غلبة نعاس أو ) غلبة ( شيء يفسد صلاته ) كمدافعة أحد الأخبثين ( أو خوف على أهل أو مال أو ) خوف ( فوت رفقة أو خرج من الصف مغلوبا ) لشدة زحام .

                                                                                                                      ( ولم يجد من يقف معه ونحوه ) أي : نحو ما ذكر من الأعذار ( صح ) انفراده فيتم صلاته منفردا لحديث جابر { قال : صلى معاذ بقومه فقرأ سورة البقرة ، فتأخر رجل فصلى وحده فقيل له : نافقت : قال ما نافقت ، ولكن لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال : أفتان أنت يا معاذ مرتين } متفق عليه وكذا لو نوى الإمام الانفراد لعذر ومحل إباحة المفارقة لعذر ( إن استفاد ) من فارق لتدارك شيء يخشى فوته ، أو غلبة نعاس ، أو خوف ضرر ، ونحوه ( بمفارقته ) إمامه ( تعجيل لحوقه قبل فراغ إمامه ) من صلاته ، ليحصل مقصوده من المفارقة ( فإن كان الإمام يعجل ولا يتميز انفراده عنه بنوع تعجيل لم يجز ) له الانفراد ، لعدم الفائدة فيه وأما من عذره الخروج من الصف فله المفارقة مطلقا .

                                                                                                                      لأن عذره خوف الفساد بالفدية وذلك يتدارك بالسرعة ( فإن زال العذر وهو ) أي : المأموم ( في الصلاة ، فله الدخول مع الإمام ) فيما بقي من صلاته ، ويتمه معه ولا يلزمه الدخول معه ( فإن فارقه ) أي : فارق المأموم الإمام لعذر مما تقدم ( في قيام قبل قراءته ) أي : الإمام ( الفاتحة قرأ ) المأموم لنفسه ، لصيرورته منفردا قبل سقوط فرض القراءة عنه بقراءة الإمام ( و ) إن فارقه المأموم ( بعدها ) أي : بعد قراءة الفاتحة ف ( له الركوع في الحال ) لأن قراءة الإمام قراءة للمأموم .

                                                                                                                      ( و ) إن فارقه ( في أثنائها ) أي : القراءة ( يكمل ما بقي ) من الفاتحة لما تقدم ( وإن كان في صلاة سر ) كظهر وعصر ، أو في الأخيرتين من العشاء مثلا وفارق الإمام لعذر بعد قيامه .

                                                                                                                      ( وظن أن إمامه قرأ لم يقرأ ) أي : لم تلزمه القراءة ، إقامة للظن مقام اليقين قلت والاحتياط القراءة ( وإن فارقه ) لعذر ( في ثانية الجمعة ) وقد أدرك الأولى معه ( أتم جمعة ) لأن الجمعة تدرك بركعة وقد أدركها مع الإمام ( فإن فارقه في ) الركعة ( الأولى ) من الجمعة ( فكمزحوم فيها حتى تفوته الركعتان ) [ ص: 321 ] فيتمها نفلا ، ثم يصلي الظهر .

                                                                                                                      ( وإن كان ) انفراد المأموم عن الإمام ( لغير عذر لم يصح ) لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تختلفوا على أئمتكم " ولأنه ترك متابعة إمامه وانتقل من الأعلى إلى الأدنى بغير عذر أشبه ما لو نقلها إلى النفل ، أو ترك المتابعة من غير نية الانفراد ( وإن أحرم إمام ثم صار منفردا لعذر ، مثل أن سبق المأموم الحدث ، أو فسدت صلاته لعذر أو غيره فنوى الانفراد ) قلت : أو لم ينوه ( صح ) ويتم صلاته منفردا .

                                                                                                                      قال في الفروع : وإذا بطلت صلاة المأموم أتمها إمامه منفردا قطع به جماعة لأنها لا ضمنها ولا متعلقة بها بدليل سهوه وعلمه بحدثه وعنه تبطل وذكره في المغني : قياس المذهب .

                                                                                                                      ( وتبطل صلاة مأموم ببطلان صلاة إمامه ) لارتباطها بها ( لا عكسه ) أي : لا تبطل صلاة إمام ببطلان صلاة مأموم لما تقدم ( سواء كان ) بطلان صلاة الإمام ( لعذر ، كأن سبقه الحدث ) والمرض ، أو حصر عن القراءة الواجبة ونحو ذلك ، ( أو لغير عذر كأن تعمد الحدث أو غيره من المبطلات ) للصلاة لحديث علي بن طلق مرفوعا { إذا فسا أحدكم في صلاته ، فلينصرف ، فليتوضأ وليعد الصلاة } رواه أبو داود بإسناد جيد .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية