الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1716 - مسألة : فإن كان الميت ترك زوجة وأبوين ، أو ماتت امرأة وتركت زوجا وأبوين : فللزوج النصف ، وللزوجة الربع ، وللأم الثلث من رأس المال كاملا - وللأب من ابنته السدس ، ومن ابنه الثلث ، وربع الثلث . [ ص: 274 ] وقالت طائفة : ليس للأم في كلتيهما إلا ثلث ما بقي بعد ميراث الزوج ، والزوجة - وهذا قول رويناه صحيحا عن عمر بن الخطاب ، وعثمان ، وابن مسعود في الزوجة والأبوين ، والزوج والأبوين - وصح عن زيد ، ورويناه عن علي ولم يصح عنه - وهو قول الحارث الأعور ، والحسن ، وسفيان الثوري ، ومالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم - وهو قول إبراهيم النخعي .

                                                                                                                                                                                          وها هنا قول آخر رويناه من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا أيوب السختياني : أن محمد بن سيرين قال في رجل ترك امرأته وأبويه : للمرأة الربع ، وللأم ثلث جميع المال ، وما بقي فللأب وقال في امرأة تركت زوجها وأبويها : للزوج النصف ، وللأم ثلث ما بقي ، وللأب ما بقي

                                                                                                                                                                                          - قال : إذا فضل الأب الأم بشيء فإن للأم الثلث .

                                                                                                                                                                                          وأما القول الذي قلنا به : فرويناه من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن عبد الله الأصبهاني عن عكرمة وعن ابن عباس : أنه قال في زوج وأبوين : للزوج النصف ، وللأم الثلث من جميع المال .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق الحجاج بن المنهال نا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم النخعي قال : قال علي بن أبي طالب : للأم ثلث جميع المال . في امرأة وأبوين ، وزوج وأبوين - وروي أيضا عن معاذ بن جبل - وهو قول شريح - وبه يقول أبو سليمان .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : احتج أهل القول بأن للأم ثلث ما بقي بما روينا من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبيه عن المسيب بن رافع قال قال ابن مسعود : ما كان الله ليراني أفضل أما على أب .

                                                                                                                                                                                          وبما روينا من طريق وكيع عن سفيان عن فضيل بن عمرو العقيمي عن إبراهيم النخعي قال : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج ، وأبوين .

                                                                                                                                                                                          وقالوا : معنى قول الله عز وجل : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } أي مما يرثه أبواه . ما نعلم لهم حجة غير هذا ، وكل هذا لا حجة لهم فيه . أما قول ابن مسعود ، فلا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكرة في تفضيل [ ص: 275 ] الأم على الأب : فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا سأله فقال : { يا رسول الله من أحق بحسن صحبتي ؟ فقال له رسول الله : أمك ، قال : ثم من يا رسول الله ؟ قال : أمك ، قال ثم من يا رسول الله ؟ قال : أمك ، قال : ثم من يا رسول الله ؟ قال : ثم أبوك } ففضل الأم عليه الصلاة والسلام على الأب في حسن الصحبة - وقد سوى الله تعالى بين الأب والأم بإجماعنا وإجماعهم في الميراث إذا كان للميت ولد ف { لأبويه لكل منهما السدس } فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب ذلك نص ؟ .

                                                                                                                                                                                          ثم إن هؤلاء المحتجين بقول ابن مسعود هذا أول مخالفين له في ذلك كما روينا من طريق عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم النخعي ، قال : كان عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود لا يفضلان أما على جد .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : والمموهون بقول ابن مسعود هذا يخالفونه ، ويخالفون عمر ، فيفضلون الأم على الجد ، وهم يفضلون الأنثى على الذكر في بعض المواريث . فيقولون في امرأة ماتت وتركت زوجها ، وأمها ، وأخوين شقيقين ، وأختها لأم : إن للأخت للأم السدس كاملا ، وللذكرين الأخوين الشقيقين السدس بينهما ، لكل واحد منهما نصف السدس . ويقولون بآرائهم في امرأة ماتت وتركت زوجها ، أو أختها شقيقتها وأخا لأب : إن الأخ لا يرث شيئا - فلو كان مكانه أخت : فلها السدس ، يعال لها به ، فهم لا ينكرون تفضيل الأنثى على الذكر

                                                                                                                                                                                          ثم يموهون بتشنيع تفضيل الأم على الأب حيث أوجبه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وأما قول إبراهيم : خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين ، فإن كان خلاف أهل الصلاة كفرا أو فسقا فلينظروا فيما يدخلون ؟ والمعرض بابن عباس في هذا أحق بهاتين الصفتين من ابن عباس .

                                                                                                                                                                                          والعجب من هذه الرواية كيف يجوز أن يقول هذا إبراهيم وهو يروي عن علي بن أبي طالب . موافقة ابن عباس في ذلك كما أوردنا ؟ [ ص: 276 ] وما وجدنا قول المخالفين يصح عن أحد إلا عن زيد وحده ، وروي عن علي ، وابن مسعود ولم يصح عنهما - وقد يمكن أن يخرج قول عمر ، وعثمان ، وابن مسعود على قول ابن سيرين - وليس يقال في إضعاف هذه الروايات : خالف أهل الصلاة - فبطل ما موهوا به من هذا - ولله تعالى الحمد .

                                                                                                                                                                                          وأما قولهم في قول الله تعالى : { وورثه أبواه فلأمه الثلث } أي مما يرثه أبواه : فباطل ، وزيادة في القرآن لا يجوز القول بها .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك ما رويناه من طريق محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي نا سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة ، قال : أرسلني ابن عباس إلى زيد بن ثابت أسأله عن زوج وأبوين ؟ فقال : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي ، فقال ابن عباس : أتقوله برأيك أم تجده في كتاب الله تعالى ؟ قال زيد : أقوله برأيي ، ولا أفضل أما على أب .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فلو كان لزيد بالآية متعلق ما قال : أقوله برأيي لا أفضل أما على أب ، ولقال : بل أقوله بكتاب الله عز وجل

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : ليس الرأي حجة ، ونص القرآن يوجب صحة قول ابن عباس بقوله تعالى : { فلأمه الثلث } فهذا عموم لا يجوز تخصيصه .

                                                                                                                                                                                          والعجب أنهم مجمعون معنا على قوله تعالى : { فإن كان له إخوة فلأمه السدس } أن ذلك من رأس المال ، لا مما يرثه الأبوان ، ثم يقولون هاهنا في قوله تعالى : { فلأمه الثلث } إن المراد به ما يرث الأبوان - وهذا تحكم في القرآن وإقدام على تقويل الله تعالى ما لم يقل - ونعوذ بالله من هذا .

                                                                                                                                                                                          وأما قول ابن سيرين : فأصاب في الواحدة وأخطأ في الأخرى ; لأنه فرق بين حكم النص في المسألتين ، وإنما جاء النص مجيئا واحدا على كل حال وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية