الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          5 - مسألة : وأن النفس مخلوقة . برهان هذا : أننا نجد الجسم في بعض أحواله لا يحس شيئا وأن المرء إذا فكر في شيء ما فإنه كلما تخلى عن الجسد كان أصح لفهمه وأقوى لإدراكه ، فعلمنا أن الحساس العالم الذاكر هو شيء غير الجسد ونجد الجسد إذا تخلى منه ذلك الشيء موجودا بكل أعضائه ولا حس له ولا فهم إما بموت وإما بإغماء وإما بنوم ، فصح أن الحساس الذاكر هو غير الجسد ، وهو المسمى في اللغة نفسا وروحا ، وقال الله تعالى ذكره : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } فكانت النفوس كما نص تعالى كثيرة ، وكذلك وجدناها نفسا خبيثة وأخرى طيبة ، ونفسا ذات شجاعة وأخرى ذات جبن ، وأخرى عالمة وأخرى جاهلة ، فصح يقينا أن لكل حي نفسا غير نفس غيره ، فإذا تيقن ذلك وكانت النفوس كثيرة مركبة من جوهرها وصفاتها ، فهي من جملة العالم ، وهي ما لم ينفك قط من زمان وعدد فهي محدثة مركبة ، وكل محدث مركب مخلوق . ومن جعل شيئا مما دون الله تعالى غير مخلوق فقد خالف الله تعالى في قوله : { خلق كل شيء } وخالف ما جاءت به النبوة وما أجمع عليه المسلمون وما قام به البرهان العقلي .

                                                                                                                                                                                          6 - مسألة : وهي الروح نفسه ، برهان ذلك : أنه قد قام البرهان كما ذكرنا بأن ههنا شيئا مدبرا للجسد هي الحي الحساس المخاطب ، ولم يقم برهان قط بأنهما شيئان ، فكان من زعم بأن الروح غير النفس قد زعم بأنهما شيئان وقال ما لا برهان له [ ص: 25 ] بصحته ، وهذا باطل . قال تعالى : { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فمن لا برهان له فليس صادقا ، فصح أن النفس والروح اسمان لمسمى واحد . حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود السجستاني نا أحمد بن صالح نا عبد الله بن وهب أخبرني يونس هو ابن زيد - عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة - في حديث ذكره { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال : اكلأ لنا الليل فغلبت بلالا عيناه فلم يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا فقال : يا بلال فقال : أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله } وذكر الحديث . وقال الله تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها } إلى قوله { أجل مسمى } . وحدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا علي بن نصر هو الجهضمي ثنا وهب بن جرير نا الأسود بن شيبان نا خالد بن سمير نا عبد الله بن رباح حدثني أبو قتادة الأنصاري في حديث ذكر فيه نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلعت الشمس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ألا إنا نحمد الله أنا لم نكن في شيء من أمر الدنيا يشغلنا عن صلاتنا ، ولكن أرواحنا كانت بيد الله عز وجل فأرسلها أنى شاء } فعبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنفس وبالأرواح عن شيء واحد ، ولا يثبت عنه عليه السلام [ ص: 26 ] في هذا الباب خلاف لهذا أصلا . وبالله تعالى نتأيد .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية