الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
إذا عرفنا هذا فنقول : النذر إما أن يكون بالصدقة أو بالصوم أو الصلاة أو الاعتكاف فنبدأ بالنذر بالصدقة فنقول : إما أن يعين الوقت بنذره فيقول : لله علي أن أتصدق بدرهم غدا أو يعين المكان فيقول : في مكان كذا أو يعين المتصدق عليه فيقول : على فلان المسكين أو يعين الدرهم فيقول : لله علي أن أتصدق بهذا الدرهم وفي الوجوه كلها يلزمه التصدق بالمنذور عندنا ، ويلغو اعتبار ذلك التقييد حتى لو تصدق به قبل مجيء ذلك الوقت أو في غير ذلك المكان أو على غير ذلك المسكين أو بدرهم غير الذي عينه خرج عن موجب نذره وعلى قول زفر لا يخرج عن موجب نذره إلا بالأداء كما التزمه قال : لأن في ألفاظ العباد يعتبر اللفظ ولا يعتبر المعنى ألا ترى أن من قال : لغيره طلق امرأتي للسنة فطلقها لغير السنة لم يقع ولو أمره أن يتصدق بدرهم على فلان الفقير فتصدق على غيره كان مخالفا وهذا ; لأن أوامر العباد قد تكون خالية عن فائدة حميدة فلا يمكن اعتبار المعنى فيها وإنما يعتبر اللفظ فلا يحصل الوفاء إلا بالتصدق على الوجه الذي التزمه وعلماؤنا رحمهم الله قالوا ما يوجبه المرء على نفسه معتبر بما أوجب الله تعالى عليه ألا ترى أن ما لله تعالى من جنسه واجبا على عباده صح التزامه بالنذر وما ليس لله تعالى من جنسه واجبا على عباده لا يصح التزامه بالنذر ثم ما أوجب الله تعالى من التصدق بالمال مضافا إلى وقت يجوز تعجيله قبل ذلك الوقت كالزكاة بعد كمال النصاب قبل حولان الحول وصدقة الفطر قبل مجيء يوم الفطر فكذلك ما يوجبه العبد على نفسه وهذا ; لأن صحة النذر باعتبار معنى القربة وذلك في التزام الصدقة لا في تعيين المكان والزمان والمسكين والدرهم .

وإنما يعتبر من التعيين ما يكون مفيدا فيما هو المقصود لا ما ليس بمفيد ومعنى العبادة في التصدق باعتبار سد خلة المحتاج إذ أخرج المتصدق ما يجري فيه الشح والضنة عن ملكه ابتغاء مرضاة الله تعالى وهذا المعنى حاصل بدون مراعاة تعيين المكان والزمان ، وبهذا يتبين الجواب عما اعتمد عليه من اعتبار اللفظ فإن صحة النذر لم تكن باعتبار اللفظ [ ص: 130 ] بل باعتبار معنى القربة كما بينا وبه فارق الوصية فإن صحة الوصية لم يكن باعتبار معنى القربة فلهذا اعتبرنا تعيين المصروف إليه فصار فلان موصى له بما سمي فإذا دفعه إلى غيره كان مخالفا أمر الموصي ، وهذا بخلاف ما إذا قال : إذا قدم فلان فلله علي أن أتصدق بدرهم فتصدق به قبل قدوم فلان لم يجزه وكذلك لو قال : إذا جاء غد ; لأن هناك علق النذر بالشرط والمعلق بالشرط معدوم قبل وجود الشرط ، وإنما يجوز الأداء بعد وجود السبب والسبب هو النذر فإذا علقه بالشرط كان معدوما قبله ، وهنا أضاف النذر إلى وقت والإضافة إلى وقت لا يخرجه من أن يكون سببا في الحال فيجوز التعجيل بمنزلة أداء الزكاة قبل كمال الحول وعلى قول الشافعي رضي الله عنه يجوز التعجيل قبل قدوم فلان بناء على مذهبه في جواز التكفير بالمال بعد اليمين قبل الحنث وقد بينا المسألة في كتاب الأيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية