الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال : ) وكذلك لو حلب اللبن من ثديها بعد موتها فأوجر الصبي تثبت به الحرمة عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى لا تثبت وهو بناء على أصلين : أحدهما أن اللبن لا يموت عندنا ; لأنه لا حياة فيه ، ألا ترى أنه يحلب في حالة الحياة من الحيوان فيكون طاهرا وما فيه الحياة إذا بان من الحي يكون ميتا ، فإذا لم يكن في اللبن حياة لا يتنجس بالموت بل عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى يبقى طاهرا وعندهما يتنجس بنجاسة الوعاء كما في إنفحة الميتة ، فكأنه حلب لبن امرأة في قارورة نجسة فأوجر الصبي به فيثبت به الحرمة ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى اللبن يموت فيكون نجس العين ، وثبوت حرمة الرضاع باعتبار معنى الكرامة ، فلا تثبت بما هو نجس العين ، والأصل الثاني أن عنده الفعل الذي هو حرام بعينه وهو الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة ; لأن ثبوتها بطريق الكرامة فكذلك إيجار لبن الميتة حرام ، فلا تثبت به الحرمة ، ثم قاس لبن الميتة بوطء الميتة ، ولكن عندنا ، وإن كان الفعل حراما تثبت به الحرمة إذا تحقق فيه المعنى الموجب للحرمة ، ولهذا أثبتنا الحرمة بالزنا ; لأن معنى البعضية لا ينعدم به حقيقة فكذا هنا ثبوت الحرمة باعتبار أن اللبن يغذي الصبي فيتقوى به ، ولو سلمنا له حرمة اللبن بالموت فبالحرمة لا يخرج من أن يكون مغذيا .

ألا ترى أن لحم الميتة مغذ فكذلك لبنها وبه فارق وطء الميتة ; لأن معنى البعضية ينعدم منه أصلا وهو معنى ما قال في الكتاب : الجماع بعد الموت ليس بجماع ، وإيجار لبن الميتة رضاع ، وشبه اللبن بالبيضة ، فإن بالموت لا تخرج البيضة أن تكون مغذية فكذا اللبن .

التالي السابق


الخدمات العلمية