الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو قال لخياط : انظر إلى هذا الثوب فإن كفاني قميصا فاقطعه بدرهم وخطه فقال : نعم ، ثم قال بعد ما قطعه : إنه لا يكفيك فالخياط ضامن لقيمة الثوب ; لأنه علق الإذن بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبل الشرط فإذا لم يكفه قميصا فإنما قطعه بغير إذنه ومن قطع ثوب الغير بغير إذنه فهو ضامن لقيمته ولو قال له : انظر أيكفيني قميصا فقال : نعم ، فقال : اقطعه فإذا هو لا يكفيه لم يضمن ; لأنه قطعه بإذنه فإن قوله اقطعه إذن مطلق ولا يقال قد غره بقوله يكفيك ; لأن الغرور بمجرد الخبر إذا لم يكن في ضمن عقد ضمان لا يوجب الضمان على الغار كما لو قال : هذا الطريق آمن فسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه بخلاف الأول فانعدام الإذن هناك بما صرح في لفظه من الشرط حتى لو [ ص: 99 ] كان في لفظه هنا ما يدل على الشرط بأن يقول : فاقطعه ، أو اقطعه إذا فهو ضامن إذا لم يكفه ; لأن الفاء للوصل فبذكره تبين أنه شارط للكفاية في الإذن وقوله إذا إشارة إلى ما سبق فكأنه قال : اقطعه إذا كان يكفيني ; لأن هذا شرط إلا أنه أوجز كلامه ، ولو سلم ثوبا إلى خياط فقطعه له قباء فقال : بطنه من عندك واحشه على أن لك من الأجر كذا ، وكذا فهو مثل الخف الذي أمره أن يبطنه وينعله في القياس ، ولكن لا أجيز هذا استحسانا ; لأن ذلك مستحسن في القياس بالتعامل وهذا لا تعامل فيه فيستحسن العود إلى أصل القياس فيه

ويقال إنه مشترى لمعدوم ، أو لمجهول فلا يجوز ولأن هذا ليس في معنى ذلك ; لأن الخف بدون النعل والبطانة يسمى خفا ولكن بالنعل والبطانة يصير أحكم فما شرط عليه يمكن أن يجعل تبعا للعمل ، فأما القباء والجبة لا تكون بدون البطانة والحشو وإذا كان ما التمس منه لا ينطلق عليه الاسم إلا بما شرط عليه لم يكن ذلك تبعا للعمل وإنما هو استصناع لا تعامل فيه فلا يجوز ذلك فإن أتاه بالقباء مبطنا محشوا فللخياط قيمة بطانته وحشوه وأجر خياطته ولا تجاوز به ما سمى له في أجر خياطته خاصة ; لأنه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد ، فكذلك استوفى غير ملكه بحكم عقد فاسد وتعذر عليه رده فيلزمه قيمة المشترى بالغا ما بلغ وأجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمي له وبهذا اللفظ يستدل بعض أصحابنا رحمهم الله ممن يقول في الفصول المتقدمة إن قوله لا يجاوز به ما سمي له من الأجر خاصة دون قيمة ما زاد فيه والأصح هو الفرق ; لأن الحشو والبطانة هنا لم تكن في العقد تبعا في العمل ولذلك فسد العقد في الأصل وإذا وجب اعتبارهما مقصودا بقيمتها بالغة ما بلغت وفيما سبق النعل والبطانة في الخف ، والحشو والبطانة في القلنسوة جعل تبعا للعمل في العقد ولذلك جاز العقد فكما أن في أصل العمل لا يجاوز بالبدل ما سمي له ، فكذلك فيما هو تبع له .

التالي السابق


الخدمات العلمية