الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا كفل الرجل عن رجل بمال فللطالب أن يأخذ به أيهما شاء وبمطالبة أحدهما لا يسقط حقه في مطالبة الآخر بخلاف الغاصب مع غاصب الغاصب وقد بينا نوع فرق بينهما . ونوع آخر وهو أن هناك الحق قبل أحدهما فيعين من عليه الحق [ ص: 29 ] باختياره وهنا أصل الدين بعد الكفالة على الأصيل كما كان قبله .

( ألا ترى ) أنه يكتب في الصكوك : لفلان على فلان كذا وفلان به كفيل وموجب الكفالة : زيادة الحق للطالب في المطالبة . وإنما يتحقق ذلك إذا توجهت المطالبة له عليهما ، فلا تكون مطالبة أحدهما مسقطة حقه في مطالبته الآخر فإذا أخذ الكفيل به كان للكفيل أن يأخذ المكفول به فيعامله بحسب ما يعامل ، وليس له أن يأخذ المال من الأصيل حتى يؤديه ; لأنه قبل الأداء مقرض للذمة فلا يرجع بالمال حتى يؤديه فحينئذ يصير به متملكا ما في ذمة الأصيل ولكن إن قضاه الأصيل فهو جائز ; لأن أصل الوجوب ثبت للكفيل على الأصيل ، وإن كان حق الاستيفاء متأخرا إلى أدائه - وتعجل الدين المؤجل صحيح - فإذا قبضه الكفيل وتصرف فيه ; كان ما ربح حلالا له ; لأنه ملك المقبوض ملكا صحيحا فالربح الحاصل لديه يكون له ولو هلك منه كان ضامنا ; لأنه قبضه على وجه اقتضاء الدين الذي له على الأصيل ، وعلى وجه الاقتضاء يكون مضمونا على المقتضي ولو اقتضاه الطالب من الذي عليه وهو الأصيل ; فله أن يرجع على الكفيل بما أعطاه لأنه إنما أعطاه ذلك ليسلم له به ما في ذمته بأن يؤديه الكفيل عنه فإذا لم يسلم له ; كان له أن يرجع عليه بما أعطاه ، ولو لم يكن دفعه إلى الكفيل في الابتداء على طريق القضاء ، ولكن قال : أنت رسولي بها إلى فلان الطالب فهلك من الكفيل ; كان مؤتمنا في ذلك ; لأنه استعمله حين بعث بالمال على يده إلى الطالب ولو استعمل في ذلك غيره كان أمينا فيه فكذلك إذا استعمل الكفيل حتى إذا أداه المطلوب إلى الطالب بعد ذلك ; لا يرجع على الكفيل بشيء ، وإن أدى الكفيل إلى الطالب رجع به على الأصيل . فهلاك الأمانة في يده كهلاكها في يد صاحبها . ولو لم يهلك منه ولكنه عمل به وربح أو وضع كانت الوضيعة عليه ; لأنه مخالف بما صنع . والربح له يتصدق به في قول أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - . وفي قول أبي يوسف - رحمه الله - يطيب له بمنزلة المودع إذا تصرف في الوديعة وربح .

ولو كان الدين طعاما فأرسل به الأصيل مع الكفيل إلى الطالب فتصرف فيه الكفيل فربح ; فهذا والأول سواء . ولو أعطاه الطعام اقتضاء عما كفل به فباعه وربح فيه فإن أبا حنيفة - رحمه الله - يقول : الربح له ولو تصدق به كان أحب إلي وعلى قول أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - يطيب له الربح . فالحاصل أن الكفيل إن قضى الطالب طعامه ; فالربح يطيب له ; لأنه استربح على ملك صحيح له . وإن قضى المطلوب طعامه حتى رجع على الكفيل بالطعام الذي أعطاه فالربح يطيب للكفيل في رواية كتاب البيوع ; لأن أصل ملكه كان صحيحا فبأن وجب عليه الرد بعد [ ص: 30 ] ذلك لا يمكن خبث في الربح ، وفي الجامع الصغير يقول : يرد الأصل ، والربح على الأصيل عند أبي حنيفة - رحمه الله - ; لأنه إنما رضي بتسليمه إليه بشرط ولم يسلم له ذلك الشرط ولكن مراده : أن يفتي برد الربح عليه من غير أن يجبر عليه في الحكم . وهنا قال : يتصدق بالربح ; لأنه يمكن فيه نوع خبث حين كان قبضه بشرط ولم يسلم ذلك الشرط للمعطي فيؤمر بالتصدق به على سبيل الفتوى بخلاف ما تقدم من الدراهم ; فإنها لا تتعين في العقد فلم يكن ربحه حاصلا على عين المال المقبوض . فأما الطعام يتعين ; فإنما ربح على غير المقبوض فيتمكن فيه الخبث من هذا الوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية