الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وللبيع ثلاثة أركان : الأول الصيغة الثاني العاقد والمراد به البائع والمشتري الثالث المعقود عليه والمراد به الثمن والمثمن فهي في الحقيقة خمسة ، ولكن لما كان البائع والمشتري يشتركان في الشروط عبر عنهما بلفظ العاقد وكذا الثمن والمثمن ، وبدأ المصنف بالكلام على الركن الأول فقال :

                                                                                                                            ص ( ينعقد البيع بما يدل على الرضا ، وإن بمعاطاة )

                                                                                                                            ش : وإنما بدأ بالكلام عليه لقلته أو ; لأنه أول الأركان في الوجود ثم بعده يحصل تقابض العوضين ، ولا يقال : العاقد سابق عليه ; لأن الصيغة كلام أو فعل يصدر منه وهما صفة له وصفة الشيء متأخرة عنه ; لأنا نقول إذا أمعنت النظر وجدت العاقد محل الركن ومحل الماهية أو محل ركنها كما يكون ركنا قاله ابن عبد السلام ، فالعاقد إنما يصح وصفه بذلك بعد صدور العقد منه فتأمله والله أعلم ، ويعني أن الركن الأول الذي هو الصيغة التي ينعقد بها البيع هو ما يدل على الرضا من البائع ويسمى الإيجاب ، وما يدل على الرضا من المشتري ويسمى القبول ، وسواء كان الدال قولا كقول البائع بعتك وأعطيتك وملكتك بكذا وشبه ذلك ، وقول المشتري اشتريت وتملكت وابتعت وقبلت وشبه ذلك ، أو كان فعلا كالمعاطاة وهي المناولة ، قاله في الصحاح وقال الشيخ زروق هي أن يعطيه الثمن فيعطيه المثمن من غير إيجاب ، ولا استيجاب ، انتهى . لأن الفعل يدل على الرضا عرفا والمقصود من البيع إنما هو أخذ ما في يد غيرك بعوض ترضاه ، فلا يشترط القول ويكفي الفعل كالمعاطاة .

                                                                                                                            والدليل على أن حصول الرضا ركن في البيع قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } فعلم من هذا أن الدال على الرضا المسمى بالإيجاب والقبول تارة يكون قولا فلا كلام في انعقاد البيع به كما إذا قال البائع : بعتك بكذا ، وقال المشتري اشتريت منك بكذا ، فلا اختلاف أن ذلك لازم لكل واحد منهما إن أجابه صاحبه بالإمضاء والقبول في المجلس قبل التفرق ، قاله ابن رشد في أول رسم من سماع أشهب من كتاب العيوب ونقله ابن عرفة ، وتارة يكون فعلا واختلف فيه فذهب مالك رحمه الله وجماعة إلى الاكتفاء بذلك ، وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا ينعقد إلا بالقول ، قال ابن رشد في المذهب واتفق الفقهاء على انعقاده باللفظ الدال على الرضا واختلفوا في انعقاده بالمعاطاة ، فذهب مالك إلى انعقاده بها مطلقا ومنعه الشافعي مطلقا ، وقال أبو حنيفة ينعقد بها في المحقرات خاصة وإليه مال الغزالي ، انتهى .

                                                                                                                            واحتج الشافعية بأن الفعل لا دلالة له بالوضع ، فلا ينعقد به البيع ، واحتج المالكية بما تقدم من أن الأفعال ، وإن انتفت منها الدلالة الوضعية ففيها دلالة عرفية ، وهي كافية إذ المقصود من التجارة إنما هو أخذ ما في يد غيرك بدفع عوض عن طيب نفس منكما فتكفي دلالة العرف [ ص: 229 ] في ذلك على طيب النفس والرضا بقول أو فعل ، وإن كان ذلك الفعل معاطاة ولما كان الفعل مختلفا في انعقاد البيع به نبه على ذلك المصنف بقوله ، وإن بمعاطاة يعني أن الدلالة على الرضا يكفي فيها الفعل ; لأنه يدل على الرضا في كثير من الأمور دلالة عرفية ، وإن كان ذلك الفعل معاطاة وعلم من هذا أن بيع المعاطاة المحضة العاري عن القول من الجانبين لا بد فيه من حضور الثمن والمثمن ، ولذا ، قال ابن عرفة أثناء كلامه في بيعتين في بيعة وبياعات زماننا في الأسواق إنما هي بالمعاطاة فهي منحلة قبل قبض المبيع ، انتهى . وعلم من المبالغة بقوله ، وإن بمعاطاة أن البيع ينعقد بالمعاطاة من جهة والقول من الجهة الأخرى من باب أحرى وسيصرح بذلك وعلم أيضا أنه ينعقد بكل قول يدل على الرضا وبالإشارة الدالة على ذلك ، وهي أولى بالجواز من المعاطاة ; لأنها يطلق عليها أنها كلام .

                                                                                                                            قال الله تعالى { آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا } والرمز الإشارة ، وقال ابن عرفة الصيغة ما دل عليه ، ولو معاطاة في حمالتها ما فهم أن الأخرس فهمه من كفالة أو غيرها لزمه الباجي كل إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم منها البيع ، انتهى .

                                                                                                                            ( قلت : ) وغير الأخرس كالأخرس ، قاله أبو الحسن في شرح مسألة المدونة المذكور ونصه وكذا غير الأخرس إذا فهم عنه بالإشارة ، وإنما ذكر الأخرس ; لأنه لا يتأتى منه غيرها ، انتهى . وكلام الباجي الذي ذكره ابن عرفة دال على ذلك ونصه في المنتقى وكل لفظ أو إشارة فهم منها الإيجاب والقبول لزم بها البيع وسائر العقود ، انتهى . وسيأتي كلامه هذا عند قول المصنف وببعني

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية