الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فروع الأول ) قال ابن فرحون في تبصرته ، قال المازري : أما الارتزاق من بيت المال فإن من تعين عليه القضاء وهو غني عن الارتزاق فإنه ينهى عن أخذ العوض على القضاء ; لأن ذلك أبلغ في المهابة وأدعى للنفوس على اعتقاد التعظيم والجلالة وإن كان القضاء لم يتعين عليه وهو محتاج إلى طلب الرزق من بيت المال ساغ له أخذ ذلك ( الثاني ) ، قال في معين الحكام ، قال أصبغ : ولا ينبغي له أن يأخذ رزقه إلا من الخمس والجزية وعشور أهل الذمة ، انتهى من ابن فرحون .

                                                                                                                            وقال ابن رشد في آخر سماع سحنون من كتاب الشهادات : وأما القضاة والحكام والأجناد فلهم أن يأخذوا أرزاقهم من العمال المضروب على أيديهم ، أعني العمال الذين فوض إليهم النظر في ذلك وضرب على أيديهم فيما سوى ذلك من إعطاء مال الله لمن يرونه بوجه اجتهادهم وأطال الكلام في ذلك فراجعه ، وسيأتي من كلامه في باب الشهادات عند قول المصنف ولا إن أخذ من العمال ، والله أعلم . ( الثالث ) قال في التوضيح ، قال ابن حبيب : ويأخذ الإمام من قضاته وعماله ما وجده في أيديهم زائدا على ما ارتزقوه من بيت المال ويحصي ما عند القاضي حين ولايته ويأخذ ما اكتسبه زائدا على رزقه وقدر أن هذا المكتسب إنما اكتسبه بجاه القضاء وتأول أن مقاسمة عمر رضي الله عنه ومشاطرته لعماله كأبي موسى وأبي هريرة وغيرهما إنما فعل ذلك لما أشكل عليه مقدار ما اكتسبوه من القضاء والعمالة ، انتهى . ونقله ابن عبد السلام وابن عرفة ونصه ابن حبيب : للإمام أخذ ما أفاده العمال ويضمه [ ص: 121 ] إلى ما جبوه ، قال : وكل ما أفاده الوالي من مال سوى رزقه في عمله أو قاض في قضائه أو متول أمر المسلمين فللإمام أخذه للمسلمين ، وكان عمر إذا ولى أحدا أحصى ماله لينظر ما يزيد ولذا شاطر العمال أموالهم حيث كثرت وعجز عن تمييز ما زادوه بعد الولاية ، قاله مالك وشاطر أبا هريرة وأبا موسى وغيرهما ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله في الذخيرة ، ثم قال إثره : تمهيد الزائد قد يكون من التجارة والزراعة لا من الهدية ولا تظن الهدايا بأبي هريرة وغيره من الصحابة إلا ما لا يقتضي أخذا ومع ذلك فالتشطير حسن ; لأن التجارة لا بد أن ينميها جاه العمل فيصير جاه المسلمين كالعامل والقاضي وغيره رب المال فأعطى العامل النصف عدلا بين الفريقين ولذلك لما انتفع عبد الله وعبيد الله بالمال الذي أخذاه من الكوفة سلفا في القصة المشهورة ، قال عبد الرحمن بن عوف لعمر رضي الله عنهما عنهما اجعله قراضا يا أمير المؤمنين فجعله قراضا ولولا هذه القاعدة كيف يصير القرض قراضا ، انتهى . فتأمل ذلك وتقدم الكلام على قصتهما في أول باب القراض فراجعه ، والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية