الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( والرشد صلاح الدين والمال ) معا كما فسر به ابن عباس وغيره الآية السابقة ووجه العموم فيه مع أنه نكرة مثبتة وقوعه في سياق الشرط قالوا ولا يضر إطباق الناس على معاملة من لا يعرف حاله مع غلبة الفسق ؛ لأن الغالب عروض التوبة في بعض الأوقات التي يحصل فيها الندم فيرتفع الحجز بها ثم لا يعود بعود الفسق ويعتبر في ولد الكافر ما هو صلاح عندهم دينا ومالا .

                                                                                                                              قال ابن الصلاح ولا يلزم شاهد الرشد معرفة عدالة المشهود له باطنا فلا يكفي معرفتها ظاهرا ولو بالاستفاضة وإذا شرطنا صلاح الدين ( فلا يفعل محرما ما يبطل العدالة ) [ ص: 167 ] بارتكاب كبيرة مطلقا أو صغيرة ولم تغلب طاعاته معاصيه وخرج بالمحرم خارم المروءة فلا يؤثر في الرشد وإن حرم ارتكابه لكونه تحمل شهادة ؛ لأن الحرمة فيه لأمر خارج ( و ) إذا شرطنا صلاح المال لم يحصل إلا إن كان بحيث ( لا يبذر بأن يضيع المال ) أي : جنسه ( باحتمال غبن فاحش ) وسيأتي في الوكالة بخلاف اليسير ( في المعاملة ) كبيع ما يساوي عشرة بتسعة ؛ لأنه يدل على قلة عقله ومن ثم لو أراد به المحاباة والإحسان لم يؤثر ؛ لأنه ليس بتضييع ولا غبن ولو كان بغبن في بعض التصرفات لم يحجر عليه كما رجحه القمولي لبعد اجتماع الحجر وعدمه لكن الذي مال إليه الأذرعي اعتبار الأغلب ( أو رميه ) ولو فلسا وظاهر كلامهم أنه لا يلحق به الاختصاص في هذا وهو محتمل ويحتمل خلافه ( في بحر ) لقلة عقله ( أو إنفاقه ) ولو فلسا أيضا ( في محرم ) في اعتقاده ولو في صغيره والإنفاق هنا مجاز عن خسر أو غرم أو ضيع إذ هذا هو الذي يقال في المخرج في المعصية .

                                                                                                                              ( والأصح أن صرفه في الصدقة ووجوه الخير ) عام بعد خاص ( والمطاعم والملابس ) والهدايا ( التي لا تليق ) به ( ليس بتبذير ) ؛ لأن له [ ص: 168 ] فيه غرضا صحيحا هو الثواب أو التلذذ ومن ثم قالوا لا سرف في الخير كما لا خير في السرف وفرق الماوردي بين التبذير والسرف بأن الأول الجهل بمواقع الحقوق والثاني الجهل بمقاديرها وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما ويوافقه قول غيره حقيقة السرف ما لا يقتضي حمدا عاجلا ولا أجرا آجلا ولا ينافي ما هنا عد الإسراف في النفقة معصية ؛ لأنه مفروض فيمن يقترض لذلك من غير رجاء وفاء من جهة ظاهرة مع جهل المقرض بحاله .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وقوعه في سياق الشرط ) قد يشكل على العموم هنا أن دلالة العام كلية بمعنى أن الحكم متعلق بكل فرد فرد ولكل من صلاح المال وصلاح الدين أفراد كثيرة فإن تعلق الحكم بكل واحد اقتضى الاكتفاء في دفع الأموال إليهم بوجود أي فرد من أفراد الصلاحين وهو خلاف [ ص: 167 ] مذهبهم وإن تعلق بالمجموع على خلاف الأصل في العام اقتضى أن لا بد من غاية كل من الصلاحين ؛ لأنها من الأفراد فليتأمل ( قوله بارتكاب كبيرة ) .

                                                                                                                              ( فرع ) المتجه أنه لو ادعى أنه بلغ مصليا قبل قوله وامتنع الحكم بسفهه من حيث ترك الصلاة ؛ لأنه أمين على صلاته والمتجه أنه لا يجب تحليفه ولو طلبت المرأة مثلا تمكين وليها إياها من المماكسة ليظهر رشدها فيتوصل إلى إثباته بالبينة فالوجه أنه يلزمه إجابتها م ر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله خارم المروءة ) ؛ لأن الإخلال بالمروءة ليس بمحرم على المشهور م ر .

                                                                                                                              ( قول المصنف بأن يضيع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة ) قد يشكل عليه قصة { حبان بن منقذ وأنه كان يخدع في البيوع وأنه صلى الله عليه وسلم قال له من بايعت فقل لا خلابة } إلخ فإنها صريحة في أنه كان يغبن وفي صحة بيعه مع ذلك ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لم يمنعه من ذلك بل أقره وأرشده إلى اشتراط الخيار إلا أن يجاب بأنه من أين كان يغبن غبنا فاحشا فلعله إنما كان يغبن غبنا يسيرا ولو سلم فمن أين أن كونه كان يغبن كان عند بلوغه فلعله عرض له بعد بلوغه رشيدا ولم يحجر عليه فيكون سفيها مهملا وهو يصح تصرفه لكن قد يشكل على الجواب بما ذكر أن ترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة العموم في المقال وقد أقره صلى الله عليه وسلم على المبايعة وأرشده إلى اشتراط الخيار ولم يستفصل عن حاله هل طرأ له بعد بلوغه رشيدا أو لا ؟ وهل كان الغبن فاحشا أو يسيرا فليتأمل ( قوله على قلة عقله ) [ ص: 168 ] فمحل ذلك كما قال شيخنا الشهاب الرملي عند جهله بحال المعاملة ( قوله وفرق الماوردي ) قد يناقش في هذا الفرق بإمكان صرف ما لا يليق صرفه مع عدم الجهل المذكور .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله معا ) إلى قوله قالوا في المغني والنهاية ( قوله مع أنه نكرة مثبتة ) أي فلا يعم ولذلك مال ابن عبد السلام إلى الوجه القائل بأنه صلاح المال فقط ا هـ مغني أي : وفاقا للأئمة الثلاثة بجيرمي ( قوله وقوعه إلخ ) خبر ووجه العموم وهنا إشكال لسم أجاب عنه ع ش راجعه .

                                                                                                                              ( قوله قالوا إلخ ) فيه لإتيانه بصيغة التبري إشعار باستشكاله وإن كان منقولا وهو كذلك ؛ إذ كيف يحكم بمجرد ندم محتمل مع أنه قد يعم الفسق أو يغلب في بعض النواحي بمظالم العباد كغيبة أهل العلم ومنع مواريث النساء أو غير ذلك وأحسن ما يوجه به أن يقال إذا ضاق الأمر اتسع وإلا لأدى إلى بطلان معظم معاملات العامة وكان هذا هو الحامل لابن عبد السلام على اختياره أن الرشد صلاح المال فقط ا هـ سيد عمر .

                                                                                                                              ( قوله ولا يضر ) أي : في اعتبار صلاح الدين في الرشد ( قوله : لأن الغالب إلخ ) علة عدم المضرة ( قوله فيرتفع الحجر بها ) أي : بالتوبة ( قوله ثم لا يعود ) أي الحجر ( قوله ويعتبر إلخ ) أي : كما نقله في [ ص: 167 ] زيادة الروضة عن القاضي أبي الطيب وغيره وأقره مغني ونهاية قول المتن ( فلا يفعل محرما إلخ ) أي عند البلوغ بدليل ما سيأتي في المتن أنه لو فسق إلخ وعليه فلا يتحقق السفه إلا بمن أتى بالمفسق مقارنا للبلوغ وحينئذ فالبلوغ على السفه أي : بفقد صلاح الدين في غاية الندور كما لا يخفى فلينظر هذا الاقتضاء مراد أم لا ا هـ رشيدي ويأتي في هامش قول المصنف وإن بلغ رشيدا إلخ عن ع ش ما يفيد خلافه .

                                                                                                                              ( قوله بارتكاب ) إلى قوله مع جهل المقرض في المغني وكذا في النهاية إلا قوله وإن حرم إلى المتن ( قوله بارتكاب إلخ ) عبارة النهاية والمغني من ارتكاب إلخ بمن وهي أحسن وفي سم .

                                                                                                                              فرع : المتجه أنه لو ادعى أنه بلغ مصليا قبل قوله وامتنع الحكم بسفهه من حيث ترك الصلاة ولو طلبت المرأة مثلا تمكين وليها إياها من المماكسة ليظهر رشدها فتتوصل إلى إثباته بالبينة فالوجه أنه يلزمه إجابتها م ر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله مطلقا ) أي غلبت الطاعات أو لا ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله أو صغيرة إلخ ) عبارة النهاية والمغني والمحلى وشرح المنهج أو إصرار على صغيرة إلخ ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فلا يؤثر في الرشد ) ؛ لأن الإخلال بالمروءة ليس بحرام على المشهور نهاية ومغني أي ما لم يكن متحملا للشهادة ومن الإخلال المحافظة على ترك الرواتب أو بعضها فترد بها الشهادة وليست محرمة ع ش قال النهاية والمغني ولو شرب النبيذ المختلف فيه ففي التحرير والاستذكار إن كان يعتقد حله لم يؤثر أو تحريمه فوجهان أوجههما التأثير ا هـ قال ع ش قوله ففي التحرير للجرجاني والاستذكار للدارمي وقوله إن كان يعتقد حله كالحنفي وقوله أو تحريمه كالشافعي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله أي جنسه ) أي : وإن لم يكن متمولا ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله وسيأتي في الوكالة ) أي أنه ما لا يحتمل غالبا نهاية ومغني ( قوله في المعاملة ) أي ونحوها نهاية ومغني ( قوله كبيع إلخ ) مثال الغبن اليسير ( قوله عشرة بتسعة ) أي من الدراهم وخرج بها الدنانير فلا يحتمل ذلك فيها ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : لأنه يدل على قلة عقله إلخ ) ومحل ذلك كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى عند جهله بحال المعاملة فإن كان عالما وأعطى أكثر من ثمنها كان الزائد صدقة خفية محمودة نهاية ومغني وسم ( قوله كما رجحه القمولي ) جزم به النهاية والمغني قول المتن ( أو رميه ) عطف على الاحتمال ( قوله ولو فلسا ) إلى المتن في النهاية ( قوله ويحتمل خلافه ) وهو المعتمد أي : فيلحق بالمال فيحرم إضاعة ما يعد منتفعا به منه عرفا ويحجر بسببه ا هـ ع ش قول المتن ( في بحر ) أو نار أو نحوهما نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله ولو في صغيرة ) الأولى بإسقاط في كما في النهاية والمغني أي : كإعطائه أجرة لصوغ إناء نقد أو لمنجم أو لرشوة على باطل شوبري ا هـ بجيرمي ( قوله عن خسر إلخ ) بصيغ المضي المبنية للفاعل عبارة النهاية والمغني ومراد المصنف بالإنفاق الإضاعة ؛ لأنه يقال في المخرج في الطاعة إنفاق وفي المكروه والمحرم إضاعة وخسران وغرم ا هـ وهي أنسب قال ع ش قوله في الطاعة لعله أراد بها ما يشمل المباح ا هـ .

                                                                                                                              قول المتن ( إن صرفه ) أي : المال وإن كثر نهاية ومغني قول المتن ( ووجوه الخير ) كالعتق [ ص: 168 ] نهاية ومغني ( قوله فيه ) أي في الصرف المذكور ( قوله وفرق الماوردي ) قد يناقش في هذا الفرق بإمكان صرف ما لا يليق صرفه مع عدم الجهل ا هـ سم ( قوله ما هنا ) أي : من أن الصرف في المطاعم إلخ ليس بتبذير عبارة المغني والنهاية .

                                                                                                                              تنبيه قضية كون الصرف في المطاعم والملابس التي لا تليق به ليس تبذيرا أنه ليس بحرام وهو كذلك فإن قيل قال الشيخان في الكلام على الغارم وإذا كان غرمه في معصية كالخمر والإسراف في النفقة لم يعط قبل التوبة وجعله في المهمات تناقضا أجيب بأنهما مسألتان فالمذكور هنا في الإنفاق من خالص ماله فلا يحرم والمذكور هناك في الاقتراض من الناس إلخ ا هـ .

                                                                                                                              قال ع ش قوله قضية إلخ وهل يكره نعم قاله المؤلف م ر وهو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لأنه ) أي : العقد ( قوله لذلك ) أي : للتبسط والإسراف في المطاعم والملابس التي لا تليق به .




                                                                                                                              الخدمات العلمية