الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وإن ادعى ) وديع لم يضمن الوديعة بتفريط ، أو تعد ( ردها على من ائتمنه ) وهو أهل للقبض حال الرد مالكا كان ، أو وليه ، أو وكيله ، أو قيما ، أو حاكما ( صدق بيمينه ) ؛ لأنه رضي بأمانته فلم يحتج لإشهاد عليه به وأفتى ابن الصلاح بتصديق جاب ادعى تسليم ما جباه استأجره على الجباية كوكيل بجعل ادعى تسليم الثمن لموكله ( أو ) ادعى الوديع الرد ( على غيره ) أي غير من ائتمنه ( كوارثه ، أو ادعى وارث المودع ) بفتح الدال ( الرد ) منه ( على المالك ) للوديعة ( أو أودع ) الوديع ( عند سفره أمينا ) لم يعينه المالك ( فادعى الأمين الرد على المالك طولب ) كل ممن ذكر ( ببينة ) كما لو ادعى من طيرت الريح ثوبا لنحو داره وملتقط الرد على المالك ؛ لأن الأصل عدم الرد ولم يأتمنه أما لو ادعى وارث الوديع أن مورثه ردها على المودع ، أو أنها تلفت في يد مورثه ، أو يده قبل التمكن من الرد من غير تفريط فيصدق بيمينه كما مر ؛ لأن الأصل عدم حصولها في يد الوارث وعدم تعديهما وأفهم المتن تصديق الأمين في الأخيرة في ردها على الوديع وهو كذلك ؛ لأنه ائتمنه بناء على أن للوديع أخذها منه بعد عوده من السفر كما مر ( وجحودها بعد طلب المالك ) لها بأن قال لم تودعني يمنع قبول دعواه الرد ، أو التلف المسقط للضمان قبل ذلك للتناقض [ ص: 127 ] لا طلبه تحليف المالك ولا البينة بأحدهما لاحتمال نسيانه .

                                                                                                                              وقضيته أنه لا تقبل دعواه النسيان حيث لا بينة وقد يوجه بأن التناقض من متكلم واحد أقبح فغلظ فيه أكثر وفارق ما هنا ما مر في المرابحة بأن التناقض ثم صريح لا يقبل تأويلا بخلافه هنا لاحتمال أن يريد بلم تودعني لم يقع منك إيداع لي بعد التلف ، أو الرد بخلاف نحو قوله لا وديعة لك عندي يقبل منه الكل إذ لا تناقض هذا كله حيث تلفت وإلا فهو بقسميه ( مضمن ) وإذا ادعى غلطا ، أو نسيانا لم يصدقه فيه المالك ؛ لأنه خيانة ، نعم : إن طلبها منه بحضرة ظالم خشي عليها منه فجحدها دفعا للظالم لم يضمن ؛ لأنه محسن بالجحد حينئذ وخرج بطلب المالك قوله ابتداء أو جوابا لسؤال غير المالك ، ولو بحضرته ، أو لقول المالك لي عندك وديعة لا وديعة لأحد عندي ؛ لأن إخفاءها أبلغ في حفظها ، ولو أنكر أصل الإيداع الثابت بنحو بينة حبس وهل يكفي جوابه بلا تستحق علي شيئا لتضمنه دعوى تلفها ، أو ردها ، أو لا فيه تردد والظاهر منه على ما قاله الزركشي الأول ( تنبيه )

                                                                                                                              ما ذكر من التفصيل في التلف والرد يجري في كل أمين إلا المرتهن والمستأجر فإنهما لا يصدقان في الرد وسيعلم مما يأتي في الدعاوى أن نحو الغاصب يصدق في دعوى التلف أيضا لئلا يخلد حبسه ثم يغرم البدل وأفتى ابن عبد السلام فيمن عنده وديعة أيس من مالكها بعد البحث التام ويظهر أن يلحق بها فيما يأتي لقطة الحرم بأنه يصرفها في أهم المصالح إن عرف وإلا سأل عارفا ويقدم الأحوج ولا يبني بها مسجدا .

                                                                                                                              قال الأذرعي وكلام غيره يقتضي أنه يدفعها لقاض أمين ولعله إنما قال ذلك لفساد الزمان قال كالجواهر وينبغي أن يعرفها كاللقطة فلعل صاحبها نسيها فإن لم يظهر صرفها فيما ذكر ا هـ والحاصل أن هذا مال ضائع فمتى لم ييأس من مالكه أمسكه له أبدا مع التعريف ندبا ، أو أعطاه للقاضي الأمين فيحفظه له كذلك ومتى أيس منه أي بأن يبعد في العادة وجوده فيما يظهر صار من جملة أموال بيت المال كما مر في باب إحياء الموات [ ص: 128 ] فيصرفه في مصارفها من هو تحت يده ، ولو لبناء نحو مسجد ، وقوله : ولا يبني بها مسجدا لعله باعتبار الأفضل وأن غيره أهم منه وإلا فقد صرحوا في مال من لا وارث له بأن له بناءه ، أو يدفعه للأم ما لم يكن جائزا فيما يظهر

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله مالكا كان إلخ ) تفصيل لمن ائتمنه فهم مودعون ( قوله وأفتى ابن الصلاح بتصديق جاب ادعى إلخ ) بخلاف جابي وقف أقامه غير ناظره كواقفه ادعى تسليم ما جباه لناظره لا يصدق عليه ؛ لأنه لم يأتمنه م ر ( قوله ادعى تسليم الثمن لموكله ) هذا لا يخالف أنه لو قال الوكيل أتيت بالتصرف المأذون فيه وأنكر الموكل صدق الموكل ( قوله قبل ذلك ) يتعلق [ ص: 127 ] بالرد والتلف فخرج به ما لو ادعى الرد والتلف بعد ذلك أي بعد الجحود فإنه يصدق في دعوى التلف لكن يضمن ولا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة كما يستفاد مما يأتي عن شرح الروض ( قوله بأن التناقض إلخ ) قد يقال التناقض المذكور حاصل مع البينة أيضا ضرورة أنه فرع الدعوى ( قوله لا يقبل تأويلا ) قد يقال لو كان كذلك ما فصلوا هناك بين أن يذكر لغلطه وجها محتملا فتسمع بينته وإلا فلا فليتأمل ( قوله يقبل منه الكل ) قال في شرح الروض نعم إن اعترف بعد الجحود بأنها كانت باقية يومه لم يصدق في دعواه إلا ببينة الرد انتهى أي وأما دعواه التلف فيصدق فيها بيمينه ويضمن كما يستفاد من قول الروض وشرحه بعد ذلك ، وإن ادعى التلف بعده أي الجحود صدق بيمينه وضمن البدل لخيانته بالجحود كالغاصب سواء قال في جحوده لا شيء لك عندي أم قال لم تودعني وإن ادعى الرد بعده لم يقبل إلا ببينة انتهى ( قوله وإلا فهو ) أي الجحود بقسميه أي لم تودعني ولا وديعة لك عندي ( قوله وهل يكفي جوابه ) وإن كان المراد جوابه بعد إنكار أصل الإيداع المذكور فمشكل ؛ لأنه [ ص: 128 ] تقدم أن إنكار أصل الإيداع يمنع قبول دعوى الرد والتلف فكيف يقبل دعوى ما يتضمن ذلك إن كان المراد جوابه لدعوى الإيداع الثابت فواضح ، ويكون وجه التردد عدم الصراحة في دعوى الرد أو التلف



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله لم يضمن الوديعة إلخ ) أي لم يسبق له تفريط أو تعد يقتضي دخول الوديعة في ضمانه ( قوله لم يضمن الوديعة بتفريط إلخ ) لا يخفى أن مثله يتأتى فيما مر في دعوى التلف لكنه إنما خص هذا بالتقييد ؛ لأن الرد مبرئ دون التلف فربما يتوهم أن دعوى الرد كالرد فدفعه بما ذكر ا هـ رشيدي أقول وقد أشار الشارح كغيره إليه بقوله نعم يلزمه الحلف إلخ ( قوله مالكا كان إلخ ) تفصيل لمن ائتمنه فهم مودعون ا هـ سم ( قوله ؛ لأنه رضي ) أي من ائتمنه وكذا ضمير عليه ( قوله به ) أي الرد ( قوله بتصديق جاب إلخ ) بخلاف جابي وقف أقامه غير ناظره كواقفه ادعى تسليم ما جباه لناظره لا يصدق عليه ؛ لأنه لم يأتمنه سم على حج وأفهم قوله غير ناظره أنه لو استأجره ناظره للجباية قبل دعواه التسليم ا هـ ع ش ( قوله لمستأجره إلخ ) ليس بقيد فمثله ما لو أذن لشخص في ذلك من غير ذكر عوض ا هـ ع ش ( قول المتن كوارثه ) أي المالك ا هـ مغني أي ووكيل المودع كما مر عن الروض والمغني .

                                                                                                                              ( قول المتن وارث المودع ) ومثله وارث الوكيل أخذا من قوله الآتي وما ذكره من التفصيل إلخ ا هـ ع ش ( قوله منه ) أي من الوارث لا من مورثه فإنه يأتي حكمه ( قوله لم يعينه ) إلخ لم يبين محترزه ا هـ سيد عمر أقول قد يتبين مما مر عن الروض والمغني في حاشية قوله فلا يقبل قول الوديع إلخ أنه لا مفهوم له راجع وتأمل . ولعل هذا لم يذكر المغني ذلك القيد ( قوله وملتقط ) عطف على من طيرت إلخ وقوله الرد مفعول ادعى ( قوله كما مر ) أي قبيل قول المصنف منها إذا نقلها إلخ ا هـ كردي في خلاف قوله أو يده قبل التمكن إلخ راجعه ( قوله على أن للوديع أخذها إلخ ) معتمد ا هـ ع ش ( قوله كما مر ) أي في شرح فإن فقده فأمين ( قوله بأن قال ) إلى الكتاب في النهاية إلا قوله المسقط للضمان وقوله وفارق إلى بخلاف نحو ( قوله يمنع قبول إلخ ) خبر وجحودها ( قوله المسقط إلخ ) نعت التلف ( قوله قبل ذلك ) متعلق بالرد أو التلف فخرج به ما لو [ ص: 127 ] ادعى الرد أو التلف بعد ذلك أي بعد الجحود فإنه يصدق في دعوى التلف لكن يضمن أي البدل ولا يصدق في دعوى الرد إلا ببينة كما يستفاد مما يأتي عن شرح الروض ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله لا طلبه ) أي الوديع وقوله ولا البينة معطوفان على قبول إلخ ( قوله بأحدهما ) أي الرد والتلف ( قوله لاحتمال نسيانه ) أي نسيان الوديع أصل الإيداع ( قوله وقضيته ) أي التعليل ( قوله أنه لا يقبل دعواه النسيان ) أي في الأول نهاية أي في دعواه الرد ( قوله لا يقبل تأويلا ) قد يقال لو كان كذلك ما فصلوا هناك بين أن يذكر لغلطه وجها محتملا فتسمع بينته وإن لا فلا فليتأمل ا هـ سم ( قوله بخلاف نحو قوله إلخ ) حال من لم تودعني من قوله بأن قال لم تودعني ( قوله يقبل منه الكل ) أي دعوى الرد أو التلف والبينة ا هـ ع ش أي وطلب تحليف المالك ( قوله يقبل منه الكل ) قال في شرح الروض نعم إن اعترف بعد الجحود بأنها كانت باقية يومه لم يصدق في دعواه الرد إلا ببينة انتهى أي وأما دعواه التلف فيصدق فيها بيمينه ويضمن كما يستفاد من قول الروض وشرحه بعد ذلك وإن ادعى التلف بعده أي الجحود صدق بيمينه وضمن البدل لخيانته بالجحود كالغاصب سواء قال في جحوده لا شيء لك عندي أم قال لم تودعني وإن ادعى الرد بعده لم يقبل إلا ببينة انتهى ا هـ سم .

                                                                                                                              ( قوله فهو ) أي الجحود بقسميه أي لم تودعني ولا وديعة له عندي ا هـ سم وع ش وكردي ( قوله وإن ادعى إلخ ) غاية ثم هذا إلى قوله وخرج في المغني ( قوله لم يصدقه فيه إلخ ) صفة قوله غلطا أو نسيانا ( قوله ؛ لأنه ) أي الجحود ( قوله إن طلبها منه إلخ ) سواء طالب الظالم المالك بها أم لا ا هـ مغني ( قوله أو لقول المالك إلخ ) عطف على قوله لسؤال إلخ وقوله ولا وديعة لأحد إلخ مقول للقول ابتداء إلخ ( قوله وهل يكفي جوابه ) أي لدعوى الإيداع الثابت ا هـ سم عبارة الرشيدي أي من قامت عليه البينة بأصل الإيداع كما هو ظاهر السياق فليراجع ا هـ أي ويعلم منه كفايته جوابا عن غير الثابت بالأولى ( قوله ما ذكر من التفصيل ) إلى قوله قال الأذرعي في المغني إلا قوله وسيعلم إلى وأفتى وقوله ويظهر إلى بأنه ( قوله إلا المرتهن والمستأجر ) والضابط أن يقال كل من ادعى التلف صدق ولو غاصبا ، ومن ادعى الرد فإن كانت يده يد ضمان كالمستلم لا يقبل قوله إلا ببينة ، وإن كان أمينا فإن ادعى الرد على غير من ائتمنه فكذلك أو على من ائتمنه صدق بيمينه إلا المكتري والمرتهن ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله لا يصدقان في الرد ) أي ويصدقان في التلف ا هـ مغني ( قوله أن نحو الغاصب ) أي من يده يد ضمان كالمستلم ( قوله ويظهر ) أي للشارح ( قوله لقطة الحرم ) أي حرم مكة لا المدينة لجواز تملك لقطته بخلاف الأول ا هـ ع ش ( قوله ولعله ) أي ابن عبد السلام ا هـ كردي ( قوله قال ) أي الأذرعي ( قوله بأن يبعد في العادة ) إن كان [ ص: 128 ] مراده ما مر في الفرائض في المفقود فواضح وإلا فاللائق اعتبار ما ذكر ثم فيه فيما يظهر وعليه فلو خشي من اطلاع القاضي تلفها فينبغي اغتفار عدم الحكم ثم يبقى النظر فيما لو لم يعلم من حاله شيئا ا هـ سيد عمر ( قوله فيصرفه في مصارفها ) أي ولا يأخذ منها شيئا لنفسه لاتحاد القابض والمقبض ا هـ ع ش وقد مر خلافه وسيأتي أيضا عنه في أوائل كتاب قسم الفيء خلافه ( قوله بأن له إلخ ) أي لمن تحت يده مال من لا وارث له .

                                                                                                                              ( قوله أو يدفعه للإمام إلخ ) مقابل قوله فيصرفه في مصارفها من هو تحت إلخ ا هـ رشيدي ( قوله فيما يظهر ) وحيث فرض الإمام غير جائز فلم لا يتعين الدفع إليه إذ التصرف فيما ذكر حينئذ له فليراجع ا هـ سيد عمر ( خاتمة )

                                                                                                                              لو تنازع الوديعة اثنان بأن ادعى كل منهما أنها ملكه فصدق الوديع أحدهما بعينه فللآخر تحليفه فإن حلف سقطت دعوى الآخر ، وإن نكل حلف الآخر وغرم له الوديع القيمة وإن صدقهما فاليد لهما والخصومة بينهما وإن قال هي لأحدكما وأنسيته فكذباه في النسيان ضمن كالغاصب والغاصب إذا قال المغصوب لأحدكما وأنسيته فحلف لأحدهما على البت أنه لم يغصبه تعين المغصوب للآخر بلا يمين ولو ادعى الوارث علم الوديع بموت المالك وطلب منه الوديعة فله تحليفه على نفي العلم بذلك فإن نكل حلف الوارث وأخذها وإن قال الوديع حبستها عندي لأنظر هل أوصى بها مالكها أو لا فهو متعد ضامن ، ولو أودعه ورقة مكتوب فيها الحق المقر به أي مثلا وتلفت بتقصيره ضمن قيمتها مكتوبة وأجرة الكتابة ا هـ مغني زاد النهاية ومن نظائر مسألتنا ما لو أعار أرضا للدفن فحفر فيها المستعير ثم رجع المعير قبل الدفن فمؤنة الحفر عليه لولي الميت وما لو وطئ زوجته أو نقض وضوءها باللمس فإنه يلزمه ثمن ماء الغسل والوضوء ، وما لو حمى الوطيس أي الفرن ليخبز فيه فجاء آخر وبرده فإنه يلزمه أجرة ما يخبز فيه ا هـ قال ع ش قوله ضمن كالغاصب وحكمه يفهم من قوله والغاصب لو قال إلخ وقوله وأجرة الكاتب أي المعتادة ومن ذلك الحجج المعروفة والتذاكر الديوانية ونحوها ولا نظر بما يغرم على مثلها حين أخذها لتعدي آخذيه وقوله أو نقض وضوءها إلخ وبقي ما لو علت على زوجها أو نقضت وضوءه ، والقياس أنها تضمن ماء غسله ووضوئه بل لو نقض وضوء أجنبية أو نقضت وضوءه كان الحكم كذلك فليراجع من النفقات ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية