الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة . هي فرض كفاية كالقضاء فيأتي فيها أقسامه الآتية من الطلب والقبول وعقب البغاة لكون الكتاب عقد لهم والإمامة لم تذكر إلا تبعا [ ص: 75 ] بهذا ؛ لأن البغي خروج على الإمام الأعظم القائم بخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ومن ثم اشترط فيه ما شرط في القاضي وزيادة كما قال ( شرط الإمام كونه مسلما ) ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين ( مكلفا ) ؛ لأن غيره في ولاية غيره وحجره فكيف يلي أمر الأمة وروى أحمد خبر { نعوذ بالله من إمارة الصبيان } ( حرا ) ؛ لأن من فيه رق لا يهاب وخبر { اسمعوا وأطيعوا ، وإن ولي عليكم عبد حبشي } محمول على غير الإمامة العظمى أو للمبالغة فقط ( ذكرا ) لضعف عقل الأنثى وعدم مخالطتها للرجال وصح خبر { لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة } وألحق بها الخنثى احتياطا فلا تصح ولايته ، وإن بان ذكرا كالقاضي بل أولى ( قرشيا ) لخبر { الأئمة من قريش } إسناده جيد لا هاشميا اتفاقا

                                                                                                                              فإن فقد قرشي جامع للشروط فكناني فرجل من ولد إسماعيل صلى الله على نبينا وعليه وسلم ومر في ذلك كلام في الفيء والكفاءة فعجمي كذا في التهذيب وفي التتمة بعد ولد إسماعيل فجرهمي ؛ لأن جرهما أصل العرب ومنهم تزوج إسماعيل فمن ولد إسحاق صلى الله على نبينا وعليه وسلم ( مجتهدا ) كالقاضي بل أولى بل حكي فيه الإجماع ولا ينافيه قول القاضي عدل جاهل أولى من فاسق عالم ؛ لأن الأول يمكنه التفويض للعلماء فيما يفتقر للاجتهاد ؛ لأن محله عند فقد المجتهدين [ ص: 76 ] وكون أكثر من ولي أمر الأمة بعد الخلفاء الراشدين غير مجتهدين إنما ، هو لتغلبهم فلا يرد ( شجاعا ) ليغزو بنفسه ويدبر الجيوش ويفتح الحصون ويقهر الأعداء ( ذا رأي ) يسوس به الرعية ويدبر مصالحهم الدينية والدنيوية

                                                                                                                              قال الهروي وأدناه أن يعرف أقدار الناس ( وسمع ) ، وإن قل ( وبصر ) ، وإن ضعف بحيث لم يمنع التمييز بين الأشخاص أو كان أعور أو أعشى ( ونطق ) يفهم ، وإن فقد الذوق والشم وذلك ليتأتى منه فصل الأمور وعدلا كالقاضي بل أولى فلو اضطر لولاية فاسق جاز ومن ثم قال ابن عبد السلام لو تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا قال الأذرعي ، وهو متعين إذ لا سبيل إلى جعل الناس فوضى ويلحق بها الشهود فإذا تعذرت العدالة في أهل قطر قدم أقلهم فسقا على ما يأتي وسليما من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض وتعتبر هذه الشروط في الدوام أيضا إلا العدالة فقد مر في الوصايا أنه لا ينعزل بالفسق ، وإلا الجنون إذا كان زمن الإفاقة أكثر وتمكن فيه من أموره وإلا قطع يد أو رجل فيغتفر دواما لا ابتداء بخلاف قطع اليدين أو الرجلين لا يغتفر مطلقا

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل [ ص: 75 ] شرط الإمام كونه مسلما مكلفا إلخ ) ( قوله : وفي التتمة بعد ولد إسماعيل إلخ ) جزم في الروض بما في التتمة قال في شرحه والترجيح من زيادته قال الرافعي ولك أن تقول قريش من ولد النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة فكما قالوا إذا فقد قرشي ولي كناني هلا قالوا إذا فقد كناني ولي خزيمي وهكذا يرتقي إلى أب أب بعد حتى ينتهي إلى إسماعيل قال ابن الرفعة ، وهو قضية كلام القاضي فما ذكروه مثال يقاس عليه قال الأذرعي وفي كلام الرافعي الأخير وقفة ظاهرة إذ من المعلوم أن من فوق عدنان لا يصح فيه شيء ولا يمكن حفظ النسب فيه منه إلى إسماعيل ا هـ كلام شرح الروض ( قوله : ؛ لأن محله إلخ ) فيه حزازة ؛ لأن أولوية أحد الأمرين على الآخر تقتضي وجودهما إذ مع فقد أحدهما لا معنى لأولية الآخر إلا أن يقال المراد بالعالم غير المجتهد لكن قوله ؛ لأن الأول إلى فيما يفتقر للاجتهاد يقتضي وجود المجتهدين فينافي قوله ؛ لأن محله إلخ إلا أن يقال [ ص: 76 ] المراد فقد المجتهدين المتصفين ببقية شروط الإمامة



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل في شروط الإمام الأعظم )

                                                                                                                              ( قوله : في شروط الإمام ) إلى قول المتن مجتهدا في المغني إلا قوله ويأتي إلى وعقب وقوله ومن ثم إلى المتن وقوله أو للمبالغة فقط وقوله لضعف عقل الأنثى وقوله ومر إلى وفي التتمة وإلى قول المتن وتنعقد في النهاية إلا قوله لكون الكتاب إلى ؛ لأن البغي وقوله إسناده إلى فكناني وقوله ومر إلى فعجمي وقوله قال الأذرعي إلى وسليما وقوله وتمكن فيه من أموره ( قوله : وبيان طرق الإمامة ) أي وما يتبع ذلك مما لو ادعى دفع الزكاة إلى البغاة ا هـ ع ش ( قوله : هي فرض كفاية ) إذ لا بد للأمة من إمام يقيم الدين وينصر السنة وينصف المظلوم من الظالم ويستوفي الحقوق ويضعها موضعها مغني وأسنى

                                                                                                                              ( قوله : وعقب البغاة ) أي بهذا ا هـ نهاية ومغني وقدما في الشارح والروضة الكلام على الإمامة على أحكام البغاة وما في الكتاب أولى لأن الأول [ ص: 75 ] هو المقصود بالذات ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بهذا ) أي بالكلام على البغاة ا هـ نهاية ( قوله : ؛ لأن البغي إلخ ) علة للتبعية ( قوله : القائم بخلافة النبوة ) يشعر التعبير بخلافة النبوة أنه إنما يقال للإمام خليفة رسول الله أو نبيه ، وهو موافق لما في الدميري أنه قيل لأبي بكر يا خليفة الله فقال لست بخليفة الله بل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوز بعضهم ذلك لقوله تعالى { ، هو الذي جعلكم خلائف في الأرض } ا هـ

                                                                                                                              والأصح عدم الجواز كما في العباب وسم على المنهج ا هـ ع ش عبارة المغني والروض مع شرحه ويجوز تسمية الإمام خليفة وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمير المؤمنين قال البغوي ، وإن كان فاسقا وأول من سمي به عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ولا يجوز تسميته بخليفة الله تعالى ؛ لأنه إنما يستخلف من يغيب ويموت والله تعالى منزه عن ذلك قال المصنف في شرح مسلم ولا يسمى أحد خليفة الله بعد آدم وداود عليهما السلام وعن أبي مليكة أن رجلا قال لأبي بكر رضي الله تعالى عنه يا خليفة الله فقال أنا خليفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنا راض بذلك ا هـ

                                                                                                                              ( قول المتن شرط الإمام ) ، وهو مفرد مضاف فيعم كل شرط أي شروطه حال عقد الإمامة أو العهد بها أمور أحدها ( كونه مسلما ) فلا تصح تولية كافر ولو على كفار ثانيهما كونه مكلفا فلا تصح إمامة صبي ومجنون بالإجماع ا هـ مغني عبارة المصنف في شرح مسلم قال القاضي عياض أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها قال وكذلك عند جمهورهم البدعة قال وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له ؛ لأنه متأول قال القاضي فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحققوا العجز لم يجب القيام ويهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه ا هـ

                                                                                                                              ( قوله : خبر نعوذ بالله إلخ ) من إضافة الأعم إلى الأخص ( قوله : أو للمبالغة ) أي في وجوب بذل الطاعة للإمام قال ع ش والبجيرمي أو محمول على المتغلب الآتي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وإن بان ذكرا ) هل هذا على إطلاقه أو محله إذا تولى ، وهو خنثى ثم اتضح ذكرا محل تأمل فليراجع والظاهر أن الثاني ، هو المراد ا هـ سيد عمر أقول ويصرح بالثاني قول الرشيدي أي فيحتاج إلى توليته بعد التبين كما ، هو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : لا هاشميا اتفاقا ) فإن الصديق وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم لم يكونوا من بني هاشم ا هـ مغني ( قوله : فإن فقد إلخ ) أي بأن لم يوجد ، وإن بعدت مسافته جدا ا هـ ع ش ( قوله : فرجل من ولد إسماعيل إلخ ) شمل ذلك جميع العرب بعد كنانة فهم في مرتبة واحدة ا هـ ع ش ( قوله : من ولد إسماعيل ) وهم العرب كما في الروض ا هـ رشيدي ( قوله : فعجمي كذا إلخ ) عبارة المغني فإن عدم فرجل جرهمي كما في التتمة وجرهم أصل العرب إلخ وإن عدم فرجل من ولد إسحاق صلى الله عليه وسلم ثم غيرهم ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وفي التتمة إلخ ) وهذا ، هو الراجح ؛ لأن جرهما من العرب في الجملة ا هـ ع ش ( قول المتن مجتهدا ) أي ولو فاسقا أخذا من قول الشارح ؛ لأن محله إلخ ا هـ ع ش ( قوله : ولا ينافيه ) أي قول المتن مجتهدا ( قوله : لأن محله ) قد يقال ينافي هذا الحمل قوله : أي القاضي فيما يفتقر للاجتهاد فليتأمل ثم رأيت الفاضل المحشي نبه على ذلك ا هـ سيد عمر ثم قال أي المحشي إلا أن يقال المراد فقد المجتهدين المتصفين ببقية شروط [ ص: 76 ] الإمامة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وكون أكثر من ولي إلخ ) جواب سؤال ظاهر البيان ( قوله : فلا يرد ) أي على اشتراط الاجتهاد ( قول المتن شجاعا ) بتثليث المعجمة والشجاعة قوة القلب عند البأس مغني وع ش ( قوله : يسوس ) على وزن يصون أي يحكم به ا هـ كردي ( قوله : أن يعرف أقدار الناس ) أي بأن يعرف من يستحق الرعاية ومن لا يستحقها ويعاملهم بذلك إذا ورد عليه ا هـ ع ش ( قوله : يفهم ) ببناء الفاعل ويجوز كونه للمفعول ( قوله : وإن فقد الذوق إلخ ) عبارة المغني وفهم من اقتصاره على ما ذكر أنه لا يؤثر فقد شم وذوق ، وهو كذلك كما جزم به في زوائد الروضة ولا يشترط كونه معصوما ؛ لأن العصمة للأنبياء ولا يضر قطع ذكر وأنثيين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وذلك ) أي اشتراط سمع وما بعده ( قوله : وعدلا ) عطف على مسلما في المتن ( قوله : لو تعذرت العدالة في الأئمة ) يعني بأن لم يوجد رجل عدل ا هـ رشيدي ( قوله : ويلحق بها الشهود ) ضعيف ا هـ ع ش عبارة النهاية وألحق بهم الشهود ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : من نقص يمنع إلخ ) كالنقص في اليد والرجل ا هـ مغني ( قوله : أنه لا ينعزل بالفسق ) أي في الأصح ا هـ مغني ( قوله : وإلا الجنون إلخ ) أي عدمه ( قوله : وتمكن فيه من أموره ) أي فلا ينعزل به ا هـ ع ش ( قوله : وإلا قطع يد أو رجل إلخ ) وعلم من ذلك أنه ينعزل بالعمى والصمم والخرس والمرض الذي ينسيه العلوم ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : فيغتفر دواما ) أي فلا ينعزل به ا هـ ع ش ( قوله : مطلقا ) أي لا ابتداء ولا دواما




                                                                                                                              الخدمات العلمية