الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فاصبر أي إذا علمت حالهم، وطبع الله تعالى على قلوبهم فاصبر على مكارههم من الأقوال الباطلة والأفعال السيئة، إن وعد الله حق وقد وعدك عز وجل بالنصرة وإظهار الدين وإعلاء كلمة الحق، ولا بد من إنجازه والوفاء به لا محالة، ولا يستخفنك لا يحملنك على الخفة والقلق، الذين لا يوقنون بما تتلو عليهم من الآيات البينة بتكذيبهم إياها، وإيذائهم لك بأباطيلهم التي من جملتها قولهم: إن أنتم إلا مبطلون فإنهم شاكون ضالون ولا يستبدع أمثال ذلك منهم، وقيل: أي لا يوقنون بأن وعد الله حق، وهو كما ترى، والحمل وإن كان لغيره صلى الله تعالى عليه وسلم لكن النهي راجع إليه عليه الصلاة والسلام، فهو من باب لا أرينك ها هنا، وقد مر تحقيقه، فكأنه قيل: لا تخف لهم جزعا، وفي الآية من إرشاده تعالى لنبيه صلى الله تعالى عليه وسلم وتعليمه سبحانه له كيف يتلقى المكاره بصدر رحيب ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي إسحاق ويعقوب: «ولا يستحقنك» بحاء مهملة وقاف من الاستحقاق، والمعنى لا يفتننك الذين لا يوقنون، ويكونوا أحق بك من المؤمنين على أنه مجاز عن ذلك، لأن من فتن أحدا استماله إليه حتى يكون أحق به من غيره، والنهي على هذه القراءة راجع إلى أمته عليه الصلاة والسلام دونه صلى الله تعالى عليه وسلم لمكان العصمة، وقد تقدم نظائر ذلك، وما للعلماء من الكلام فيها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور بتشديد النون، وخففها ابن أبي عبلة، ويعقوب، ومن لطيف ما يروى ما أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم، والبيهقي في سننه عن علي كرم الله تعالى وجهه: أن رجلا من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأجابه كرم الله تعالى وجهه وهو في الصلاة: فاصبر إن وعد الله [ ص: 63 ] حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون

                                                                                                                                                                                                                                      ولا بدع في هذا الجواب من باب مدينة العلم وأخي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية