الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء فيمن نزل فيه ذلك قولان: أحدهما: أنه مسيلمة الكذاب ، قاله عكرمة . والثاني: مسيلمة والعنسي ، قاله قتادة . وقد روى معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم كأن [ ص: 144 ] في يدي سوارين من ذهب ، فكبر علي ، فأوحي إلي أن أنفخهما فنفختهما فطارا ، فأولت ذلك كذاب اليمامة وكذاب صنعاء العنسي . ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: من تقدم ذكره من مدعي الوحي والنبوة. والثاني: أنه عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، قاله السدي ، قال الفراء : كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال النبي: غفور رحيم كتب سميع عليم و عزيز حكيم فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: (هما سواء حتى أملى عليه ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله: خلقا آخر فقال ابن أبي السرح: فتبارك الله أحسن الخالقين تعجبا من تفصيل خلق الإنسان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هكذا نزلت فشك وارتد). والثالث: ما حكاه الحكم عن عكرمة : أنها نزلت في النضر بن الحارث ، لأنه عارض القرآن ، لأنه قال: والطاحنات طحنا ، والعاجنات عجنا ، والخابزات خبزا ، فاللاقمات لقما. وفي قوله: والملائكة باسطو أيديهم قولان: أحدهما: باسطو أيديهم بالعذاب ، قاله الحسن ، والضحاك . والثاني: باسطو أيديهم لقبض الأرواح من الأجساد ، قاله الفراء . ويحتمل ثالثا: باسطو أيديهم بصحائف الأعمال. أخرجوا أنفسكم فيه قولان: أحدهما: من أجسادكم عند معاينة الموت إرهاقا لهم وتغليظا عليهم ، وإن كان إخراجها من فعل غيرهم. [ ص: 145 ] والثاني: أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم ، تقريعا لهم وتوبيخا بظلم أنفسهم ، قاله الحسن . ويحتمل ثالثا: أن يكون معناه خلصوا أنفسكم بالاحتجاج عنها فيما فعلتم. اليوم تجزون عذاب الهون والهون بالضم الهوان ، قاله ذو الأصبع العدواني


                                                                                                                                                                                                                                        أذهب إليك أمي براعية ترعى المخاض ولا أغضي على الهون



                                                                                                                                                                                                                                        وأما الهون بالفتح فهو الرفق ومنه قوله تعالى: الذين يمشون على الأرض هونا يعني برفق وسكينة ، قال الراجز


                                                                                                                                                                                                                                        هونكما لا يرد الدهر ما فاتا     لا تهلكن أسى في أثر من ماتا



                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة الفرادى الوحدان ، ويحتمل وجهين: أحدهما: فرادى من الأعوان. والثاني: فرادى من الأموال. وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم يعني ما ملكناكم من الأموال ، والتخويل تمليك المال ، قال أبو النجم:


                                                                                                                                                                                                                                        أعطى فلم يبخل ولم يبخل     كوم الذرى من خول المخول



                                                                                                                                                                                                                                        وما نرى معكم شفعاءكم فيه وجهان: أحدهما: آلهتهم التي كانوا يعبدونها ، قاله الكلبي . والثاني: الملائكة الذين كانوا يعتقدون شفاعتهم ، قاله مقاتل . [ ص: 146 ] الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء فيه وجهان: أحدهما: يعني شفعاء ، قاله الكلبي . والثاني: أي متحملين عنكم تحمل الشركاء عن الشركاء. لقد تقطع بينكم فيه وجهان: أحدهما: تفرق جمعكم في الآخرة. والثاني: ذهب تواصلكم في الدنيا ، قاله مجاهد . ومن قرأ بينكم بالفتح ، فمعناه تقطع الأمر بينكم. وضل عنكم ما كنتم تزعمون فيه وجهان: أحدهما: من عدم البعث والجزاء. والثاني: من شفعائكم عند الله. فإن قيل: فقوله: ولقد جئتمونا خبر عن ماض ، والمقصود منه الاستقبال؟ فعن ذلك جوابان. أحدهما: أنه يقال لهم ذلك في الآخرة فهو على الظاهر إخبار. والثاني: أنه لتحققه بمنزلة ما كان ، فجاز ، وإن كان مستقبلا أن يعبر عنه بالماضي.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية