الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والترمذي ، والنسائي وصححه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، والإسماعيلي في «صحيحه»، والحاكم وصححه، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : عدلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : عدلا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في قوله : جعلناكم أمة وسطا يقول : جعلناكم أمة عدلا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 17 ] وأخرج ابن سعد، عن القاسم بن عبد الرحمن قال : قال رجل لابن عمر : من أنتم؟ قال : ما تقولون؟ قال : نقول إنكم سبط، وتقول إنكم وسط . فقال : سبحان الله ! إنما السبط في بني إسرائيل، والأمة الوسط أمة محمد جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه، فيقال لهم : هل بلغكم؟ فيقولون : ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك؟ فيقول : محمد وأمته، فذلك قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ، وأشهد عليكم" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وأحمد ، والنسائي ، وابن ماجه ، والبيهقي في «الشعب» ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، وأكثر من ذلك، فيدعى قومه فيقال [ ص: 18 ] لهم : هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال له : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته . فيدعى محمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا ، فذلك قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال : عدلا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق ، وما من الناس أحد إلا ود أنه منا، وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه بلغ رسالة ربه" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي سعيد في قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس : بأن الرسل قد بلغوا ، ويكون الرسول عليكم شهيدا بما عملتم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، والحاكم وصححه ، عن جابر قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة، وكنت إلى جانبه، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان؛ لقد كان عفيفا مسلما، وكان . وأثنوا عليه خيرا ، فقال [ ص: 19 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنت الذي تقول ؟" فقال : يا رسول الله، ذاك الذي بدا لنا، والله أعلم بالسرائر . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وجبت" . قال : وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل ، فقال رجل : بئس المرء ما علمنا، إن كان لفظا غليظا، إن كان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنت الذي تقول ؟" فقال : يا رسول الله ، الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال : "وجبت" . ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطيالسي ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والنسائي ، والحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن أنس قال : مروا بجنازة، فأثني عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وجبت، وجبت، وجبت" . ومر بجنازة فأثني عليها شرا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وجبت، وجبت، وجبت" . فسأله عمر فقال : "من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض" . زاد الحكيم الترمذي : ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، عن عمر ، أنه مرت به جنازة فأثني على صاحبها خيرا . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شرا، فقال عمر : وجبت ، فقال أبو الأسود : وما وجبت ؟ قال : قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة" . فقلنا : وثلاثة ؟ فقال : "وثلاثة" . فقلنا : واثنان ؟ فقال : "واثنان" . ثم لم نسأله عن الواحد .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والطبراني ، والبغوي، والحاكم في «الكنى»، والدارقطني في «الأفراد»، والحاكم في «المستدرك»، والبيهقي في "سننه" عن أبي زهير الثقفي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : "يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم" . قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : "بالثناء الحسن والثناء السيئ، أنتم شهداء الله في الأرض" . [ ص: 21 ] وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة يصلي عليها ، فقال الناس : نعم الرجل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وجبت" ، وأتي بجنازة أخرى فقال الناس : بئس الرجل . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "وجبت" . قال أبي بن كعب : ما قولك؟ فقال : "قال تعالى : لتكونوا شهداء على الناس " .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد، وأبو يعلى ، وابن حبان ، والحاكم ، وأبو نعيم في «الحلية»، والبيهقي في «شعب الإيمان»، والضياء في «المختارة»، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من مسلم يموت فتشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا، إلا قال الله : قد قبلت شهادتكم فيه، وغفرت له ما لا تعلمون" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وهناد ، وابن جرير ، والطبراني ، عن سلمة بن الأكوع قال : مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة رجل من الأنصار، فأثني عليها خيرا ، فقال : "وجبت" ، ثم مر عليه بجنازة أخرى، فأثني عليها دون ذلك ، فقال : "وجبت" . فقالوا : يا رسول الله، وما وجبت ؟ قال : "الملائكة شهود الله في السماء، وأنتم شهود الله في الأرض" . [ ص: 22 ] وأخرج الخطيب في «تاريخه» عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مسلم يموت، فيشهد له رجلان من جيرانه الأدنين فيقولان : اللهم لا نعلم إلا خيرا . إلا قال الله للملائكة : اشهدوا أني قد قبلت شهادتهما، وغفرت ما لا يعلمان" .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن كعب قال : أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء ، كان النبي يقال له : بلغ ولا حرج، وأنت شهيد على قومك، وادع أجبك ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج ، وقال : لتكونوا شهداء على الناس ، وقال : ادعوني أستجب لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن زيد بن أسلم، أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء كلهم لما يرون الله أعطاهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المبارك في «الزهد» ، وابن جرير ، عن حبان بن أبي جبلة بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا جمع الله عباده يوم القيامة كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي ، هل بلغت عهدي؟ فيقول : نعم يا رب ، قد بلغته جبريل . فيدعى جبريل، فيقال : هل بلغك إسرافيل عهدي ؟ فيقول : نعم . فيخلى عن إسرافيل، ويقول لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل ، فتدعى الرسل، فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ [ ص: 23 ] فيقولون : نعم ، فيخلى عن جبريل . ثم يقال للرسل : هل بلغتم عهدي؟ فيقولون : نعم، بلغناه الأمم . فتدعى الأمم ، فيقال لهم : هل بلغتكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب، ومنهم المصدق ، فتقول الرسل : إن لنا عليهم شهداء . فيقول : من ؟ فيقولون : أمة محمد صلى الله عليه وسلم . فتدعى أمة محمد، فيقال لهم : أتشهدون أن الرسل قد بلغت الأمم ؟ فيقولون : نعم . فتقول الأمم : يا ربنا، كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول الله : كيف تشهدون عليهم ولم تدركوهم ؟ فيقولون : يا ربنا، أرسلت إلينا رسولا، وأنزلت علينا كتابا، وقصصت علينا فيه أن قد بلغوا ، فنشهد بما عهدت إلينا ، فيقول الرب : صدقوا ، فذلك قوله : وكذلك جعلناكم أمة وسطا والوسط العدل، لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي العالية ، عن أبي بن كعب في الآية قال : لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح، وعلى قوم هود، وعلى قوم صالح، وعلى قوم شعيب، وغيرهم، أن رسلهم بلغتهم، وأنهم كذبوا رسلهم ، قال أبو العالية : وهي في قراءة أبي : ( لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ) . [ ص: 24 ] وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله : ويكون الرسول عليكم شهيدا قال : يشهد أنهم قد آمنوا بالحق إذ جاءهم، وقبلوه، وصدقوا به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عبيد بن عمير قال : يأتي النبي يوم القيامة بأمته ليس معه أحد؛ فتشهد له أمة محمد أنه قد بلغهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن عكرمة قال : يقال : يا نوح قد بلغت ؟ قال : نعم يا رب . قال : فمن يشهد لك؟ قال : رب، أحمد وأمته ، قال : فكلما دعي نبي وكذبه قومه شهدت له هذه الأمة بالبلاغ ، فإذا سئل عن هذه الأمة لم يسأل عنها إلا نبيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن حبان بن أبي جبلة قال : بلغني أنه يرفع لأمة محمد على كوم بين يدي الله تعالى تشهد للرسل على أممها بالبلاغ ، فإنما يشهد منهم يومئذ من لم يكن في قلبه إحنة على أخيه المسلم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج مسلم، وأبو داود ، والحكيم الترمذي ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يكون اللعانون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة" .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية