الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الخبيثات الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، عن ابن عباس [ ص: 713 ] في قوله : الخبيثات قال : من الكلام : للخبيثين قال : من الرجال : والخبيثون من الرجال : للخبيثات من الكلام : والطيبات من الكلام : للطيبين من الناس : والطيبون من الناس : للطيبات من الكلام ، نزلت في الذين قالوا في زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا من البهتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن مجاهد في قوله : الخبيثات قال : من الكلام للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس : للخبيثات من الكلام والطيبات من الكلام : للطيبين من الناس : والطيبون من الناس للطيبات من الكلام أولئك مبرءون مما يقولون قال : من كان طيبا فهو مبرأ من كل قول خبيث، يقول : يغفر الله له ، ومن كان خبيثا فهو مبرأ من كل قول صالح يقول : يرده الله عليه، لا يقبله منه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، والطبراني ، عن قتادة في قوله : الخبيثات قال : من القول والعمل للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس : للخبيثات من القول والعمل والطيبات من القول والعمل للطيبين من الناس ، والطيبون . [ ص: 714 ] من الناس : للطيبات من القول والعمل ، ( أولئك مبرءون مما يقولون ) قال : من القول والعمل ، لهم مغفرة لذنوبهم : ورزق كريم هو الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن الحسن : الخبيثات قال : من الكلام : للخبيثين من الناس والخبيثون من الناس : للخبيثات من الكلام : والطيبات من الكلام للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلام وهؤلاء مبرءون مما يقال لهم من السوء؛ يعني عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير ، والضحاك ، وإبراهيم ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عطاء : الخبيثات قال : من القول للخبيثين من الناس : والخبيثون من الناس : للخبيثات من القول : والطيبات من القول : للطيبين من الناس : والطيبون من الناس : للطيبات من القول ، ألا ترى أنك تسمع بالكلمة الخبيثة من الرجل الصالح فتقول : غفر الله لفلان، ما هذا من خلقه، ولا من شيمه، ولا مما يقول ، قال الله : أولئك مبرءون مما يقولون [ ص: 715 ] أن يكون ذلك من شيمهم وأخلاقهم، ولكن الزلل قد يكون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى الجزار قال : جاء أسير بن جابر إلى عبد الله فقال : قد سمعت الوليد بن عقبة اليوم تكلم بكلام أعجبني، فقال عبد الله : إن الرجل المؤمن يكون في قلبه الكلمة غير طائل تتجلجل في صدره حتى يخرجها فيسمعها رجل عنده مثلها فيضمها إليه ، وإن الرجل الفاجر تكون في قلبه الكلمة الخبيثة تتجلجل في صدره ما تستقر حتى يلفظها، فيسمعها الرجل الذي عنده مثلها فيضمها إليه ، ثم قرأ عبد الله : الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، عن ابن زيد في قوله : الخبيثات للخبيثين الآية قال : نزلت في عائشة حين رماها المنافق بالبهتان والفرية فبرأها الله من ذلك؛ وكان عبد الله بن أبي هو الخبيث، فكان هو أولى بأن تكون له الخبيثه ويكون لها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيبا، وكان أولى أن تكون له الطيبة، وكانت عائشة الطيبة، وكانت أولى أن يكون لها الطيب وفي قوله : أولئك مبرءون مما يقولون قال : ههنا برئت عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 716 ] وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت : لقد نزل عذري من السماء ولقد خلقت طيبة وعند طيب، ولقد وعدت مغفرة وأجرا عظيما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني عن ذكوان حاجب عائشة قال : دخل ابن عباس على عائشة فقال : أبشري ما بينك وبين أن تلقى محمدا والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله، ولم يكن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا طيبا، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء، فأنزل الله أن تيمموا صعيدا طيبا ، وكان ذلك في سببك وما أنزل الله لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين فأصبح وليس مسجد من مساجد الله يذكر الله فيه إلا هي تتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، قالت : دعني منك يا ابن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسيا منسيا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطبراني ، عن ابن عباس مرفوعا قال : إذا كان يوم القيامة حد الله الذين شتموا عائشة ثمانين ثمانين على رءوس الخلائق، فيستوهب ربي المهاجرين منهم، فأستأمرك يا عائشة . فسمعت عائشة الكلام وهي في البيت، ثم قالت : والذي بعثك بالحق نبيا لسرورك أحب إلي من سروري . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا، وقال : إنها ابنة أبيها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، [ ص: 717 ] والنسائي ، وابن ماجه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن الزهري قال : لو جمع علم الناس كلهم، ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، لكانت عائشة أوسعهم علما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن عروة قال : ما رأيت أحدا أعلم بالحلال والحرام، والعلم والشعر والطب من عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن موسى بن طلحة قال : ما رأيت أحدا أفصح من عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في " الزهد " ، والحاكم عن الأحنف قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء هلم جرا، فما سمعت الكلام من فم [ ص: 718 ] مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، والحاكم عن مسروق، أنه سئل أكانت عائشة تحسن الفرائض؟ فقال : لقد رأيت الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحاكم عن عطاء قال : كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن مسلم البطين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عائشة زوجتي في الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة قالت : خلال في سبع لم تكن في أحد من الناس إلا ما أتى الله مريم ابنة عمران ، والله ما أقول هذا أني أفتخر على صواحبي . قيل : وما هن؟ قالت : نزل الملك بصورتي وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبع سنين، وأهديت إليه لتسع سنين، وتزوجني بكرا لم يشركه في أحد من الناس، وأتاه الوحي وأنا وإياه في لحاف واحد، وكنت من أحب الناس إليه، ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيهن، ورأيت جبريل ولم يره [ ص: 719 ] أحد من نسائه غيري، وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك وأنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة عن عائشة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إن جبريل يقرأ عليك السلام . قالت عائشة : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن النجار في " تاريخ بغداد " من طريق أبي بكر محمد بن عمر البغدادي الحنبلي، عن أبيه ثنا محمد بن الحسن الكاراني، حدثني إبراهيم الحربي قال : ضاق بي شيء من أمور الدنيا، فدعوت بدعوات يقال لها : دعاء الفرج، فقلت : وما هي؟ فقال لي : هو الدعاء الذي دعت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عند كربها فأنزل الله براءتها ، فقلت : وما هي؟ فقال : حدثني أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني سفيان بن عيينة ثنا محمد بن واصل الأنصاري، عن أبيه عن جده، عن أنس بن مالك قال : كنت جالسا عند أم المؤمنين عائشة لأقر عينيها بالبراءة وهي تبكي، فقالت : والله لقد هجرني القريب والبعيد حتى هجرتني الهرة وما عرض علي طعام ولا شراب فكنت أرقد وأنا جائعة ظامئة، فرأيت في منامي فتى فقال لي : ما لك . فقلت : حزينة مما ذكر الناس . فقال : ادعي بهذه يفرج الله عنك . فقلت : وما هي؟ فقال : قولي : يا سابغ النعم ويا دافع النقم، ويا فارج الغمم ويا كاشف [ ص: 720 ] الظلم، يا أعدل من حكم، يا حسيب من ظلم، يا ولي من ظلم، يا أول بلا بداية، ويا آخر بلا نهاية، يا من له اسم بلا كنية، اللهم اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا . قالت : فانتبهت وأنا ريانة شبعانة، وقد أنزل الله منه فرجي، قال ابن النجار : خبر غريب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية