الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : إن اليهود قالوا : إن أبناءنا قد توفوا، وهم لنا قربة عند الله، ويستشفعون لنا ويزكوننا . فقال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : كانت اليهود يقدمون صبيانهم يصلون بهم ويقربون قربانهم، ويزعمون أنهم لا خطايا لهم ولا ذنوب، وكذبوا، قال الله : إني لا أطهر ذا ذنب بآخر لا ذنب له، ثم أنزل الله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : يعني يهود؛ كانوا يقدمون صبيانهم أمامهم في الصلاة، فيؤمونهم؛ يزعمون أنهم لا ذنوب لهم . قال : [ ص: 477 ] فتلك التزكية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن أبي مالك في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : نزلت في اليهود، كانوا يقدمون صبيانهم يقولون : ليست لهم ذنوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن عكرمة قال : كان أهل الكتاب يقدمون الغلمان الذين لم يبلغوا الحنث يصلون بهم، يقولون : ليس لهم ذنوب، فأنزل الله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : هم اليهود والنصارى؛ قالوا : نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم قال : نزلت في اليهود، قالوا : إنا نعلم أبناءنا التوراة صغارا فلا تكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن مسعود قال : إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما [ ص: 478 ] معه منه شيء يلقى الرجل ليس يملك له نفعا ولا ضرا فيقول : والله إنك لذيت وذيت، ولعله أن يرجع ولم يحل من حاجته بشيء، وقد أسخط الله عليه . ثم قرأ : ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق مجاهد ، عن ابن عباس في قوله : ولا يظلمون فتيلا قال : الفتيل : ما خرج من بين الأصبعين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، من طرق عن ابن عباس قال : الفتيل، هم أن تدلك بين أصبعيك، فما خرج منهما فهو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عن ابن عباس قال : النقير : النقرة تكون في النواة التي تنبت منها النخلة، والفتيل : الذي يكون على شق النواة، والقطمير : القشر الذي يكون على النواة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الفتيل : الذي في [ ص: 479 ] الشق الذي في بطن النواة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الطستي، وابن الأنباري في "الوقف والابتداء" عن ابن عباس ، أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : ولا يظلمون فتيلا قال : لا ينقصون من الخير والشر مثل الفتيل، هو الذي يكون في شق النواة، قال : وهل تعرف العرب ذلك؟ قال : نعم، أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول :

                                                                                                                                                                                                                                      يجمع الجيش ذا الألوف ويغزو ثم لا يرزأ الأعادي فتيلا

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الأول أيضا :

                                                                                                                                                                                                                                      أعاذل بعض لومك لا تلحي     فإن اللوم لا يغني فتيلا



                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال : النقير : الذي يكون في وسط النواة في ظهرها، والفتيل : الذي يكون في جوف النواة، ويقولون : ما يدلك فيخرج من وسخها، والقطمير : لفافة النواة، أو سحاة البيضة، أو سحاة القصبة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد عن عطية الجدلي : هي ثلاث في النواة : القطمير؛ وهي قشرة النواة، والنقير الذي رأيت في وسطها، والفتيل الذي [ ص: 480 ] رأيت في وسطها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن الضحاك قال : قالت يهود : ليس لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوب فإن لنا ذنوبا، فإنما نحن مثلهم، قال الله : انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية