الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : فوسوس لهما الشيطان الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، عن محمد بن قيس قال : نهى الله آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة ، فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية ، فكلم حواء ، ووسوس إلى آدم فقال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فقطعت حواء الشجرة ، فدميت الشجرة ، وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما ، [ ص: 342 ] وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين لم أكلتها وقد نهيتك عنها ؟ قال : يا رب أطعمتني حواء ، قال لحواء : لم أطعمتيه ؟ قالت : أمرتني الحية ، قال للحية : لم أمرتيها ؟ قالت : أمرني إبليس ، قال : ملعون مدحور ، أما أنت يا حواء ، فكما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال ، وأما أنت يا حية ، فأقطع قوائمك ، فتمشين جرا على وجهك ، وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر ، اهبطوا بعضكم لبعض عدو .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، عن أبي غنيم سعيد بن حدير الحضرمي قال : لما أسكن الله آدم وحواء الجنة ، خرج آدم يطوف في الجنة ، فاغتنم إبليس غيبته ، فأقبل حتى بلغ المكان الذي فيه حواء ، فصفر بقصبة معه صفيرا سمعته حواء ، وبينها وبينه سبعون قبة ، بعضها في جوف بعض ، فأشرفت حواء عليه ، فجعل يصفر صفيرا لم يسمع السامعون بمثله من اللذة والشهوة والسماع ، حتى ما بقي من حواء عضو مع آخر إلا تخلج ، فقالت : أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني ، فإنك قد أهلكتني ، فنزع القصبة ثم قلبها ، فصفر صفيرا آخر ، فجاش البكاء والنوح والحزن بشيء لم يسمع السامعون بمثله ، حتى قطع فؤادها بالحزن والبكاء ، فقالت : أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني ، ففعل ، فقالت له : ما [ ص: 343 ] هذا الذي جئت به ، أخذتني بأمر الفرح ، وأخذتني بأمر الحزن ، قال : ذكرت منزلتكما من الجنة ، وكرامة الله إياكما ، ففرحت لكما بمكانكما ، وذكرت أنكما تخرجان منها ، فبكيت لكما وحزنت عليكما ، ألم يقل لكما ربكما : متى تأكلان من هذه الشجرة تموتان وتخرجان منها ، انظري يا حواء إلي ، فإذا أنا أكلتها ، فإن أنا مت أو تغير من خلقي شيء فلا تأكلا منها ، أقسم لكما بالله ما نهاكما ربكما عن أكل هذه الشجرة إلا لكيما لا تخلدان في الجنة ، وأقسم بالله إني لكما لمن الناصحين ، فانطلق إبليس حتى تناول من تلك الشجرة ، فأكل منها ، وجعل يقول : يا حواء انظري هل تغير من خلقي شيء أم هل مت ؟ قد أخبرتك ما أخبرتك ، ثم أدبر منطلقا ، وأقبل آدم من مكانه الذي كان يطوف به من الجنة ، فوجدها منكبة على وجهها حزينة ، فقال لها آدم : ما شأنك ، قالت : أتاني الناصح المشفق قال : ويحك ، لعله إبليس الذي حذرناه الله . قالت : يا آدم والله لقد مضى إلى الشجرة فأكل منها وأنا أنظر ، فما مات ولا تغير من جسده شيء ، فلم تزل به تدليه بالغرور ، حتى مضى آدم وحواء إلى الشجرة فأهوى آدم بيده إلى الثمرة ليأخذها من الشجرة ، فناداه جميع شجر الجنة : يا آدم لا تأكلها ، فإنك إن أكلتها تخرج منها ، فعزم آدم على المعصية ، فأخذ ليتناول الشجرة ، فجعلت الشجرة تتطاول ، ثم جعل يمد يده ليأخذها ، فلما وضع يده على الثمرة اشتدت ، فلما رأى الله منه العزم على المعصية ، أخذها وأكل منها ، وناول حواء فأكلت ، فسقط منها لباس [ ص: 344 ] الجمال الذي كان عليهما في الجنة ، بدت لهما سوآتهما وابتدرا يستكنان بورق الجنة ؛ يخصفان عليهما من ورق الجنة ويعلم أن الله ينظر إليهما ، فأقبل الرب في الجنة فقال : يا آدم أين أنت ؟ اخرج . قال : يا رب أنا ذا أستحي أخرج إليك ، قال : فلعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها . قال : يا رب هذه التي جعلتها معي أغوتني ، قال : فمني تختبئ يا آدم ؟! أولم تعلم أن كل شيء لي يا آدم ؟ وأنه لا يخفى علي شيء في ظلمة ولا في نهار ؟ قال : فبعث إليهما ملائكة يدفعان في رقابهما حتى أخرجوهما من الجنة ، فأوقفا عريانين ، إبليس معهما بين يدي الله ، فعند ذلك قضى عليهما وعلى إبليس ما قضى ، وعند ذلك أهبط إبليس معهما ، وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ، وأهبطوا جميعا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن عساكر ، عن وهب بن منبه في قوله : ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما قال : كان على كل واحد منهما نور ، لا يبصر كل واحد منهما عورة صاحبه ، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في الآية قال : ليهتك لباسهما ، وكان قد علم أن لهما سوأة ، لما كان يقرأ من كتب الملائكة ، ولم يكن آدم يعلم ذلك ، [ ص: 345 ] وكان لباسهما الظفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : أتاهما إبليس قال : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين : تكونا مثله ، يعني مثل الله عز وجل ، فلم يصدقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس أنه كان يقرأ : ( " إلا أن تكونا ملكين " ) بكسر اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مجاهد أنه كان يقرأ إلا أن تكونا ملكين بنصب اللام من الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن الحسن في قوله : إلا أن تكونا ملكين قال : ذكر تفضيل الملائكة ، فضلوا بالصور ، وفضلوا بالأجنحة ، وفضلوا بالكرامة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه قال : إن في الجنة شجرة لها غصنان ؛ أحدهما تطوف به الملائكة ، والآخر قوله : ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين يعني : من الملائكة الذين [ ص: 346 ] يطوفون بذلك الغصن .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ هذه الآية : ( ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين ) فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا ، وقاسمهما قال : حلف لهما إني لكما لمن الناصحين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : أو تكونا من الخالدين يقول : لا تموتون أبدا ، وفي قوله : وقاسمهما قال : حلف لهما بالله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن قتادة في قوله : وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين قال : حلف لهما بالله حتى خدعهما ، وقد يخدع المؤمن بالله ، قال لهما : إني خلقت قبلكما ، وأنا أعلم منكما ، فاتبعاني أرشدكما . قال قتادة : وكان بعض أهل العلم يقول : من خادعنا بالله خدعنا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ ، عن الربيع بن أنس قال : في بعض القراءة : ( " وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين " ) .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب في قوله : فدلاهما بغرور قال : مناهما بغرور .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 347 ] وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن قتادة في قوله : فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وكان قبل ذلك لا يراها .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، عن عكرمة قال : لباس كل دابة منها ولباس الإنسان الظفر ، فأدركت آدم التوبة عند ظفره .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" ، وابن عساكر في تاريخه ، عن ابن عباس قال : كان لباس آدم وحواء كالظفر ، فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر ، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال : ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوآتهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس قال : لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر ، فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال ، فبقي في أطراف أصابعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : كان لباس آدم الظفر بمنزلة الريش على الطير ، فلما عصى سقط عنه لباسه ، وتركت الأظفار زينة ومنافع .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن أنس بن مالك قال : كان لباس آدم في الجنة [ ص: 348 ] الياقوت ، فلما عصى قلص فصار الظفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : كان آدم طوله ستون ذراعا ، فكساه الله هذا الجلد ، وأعانه بالظفر يحتك به .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : وطفقا يخصفان قال : يرقعان كهيئة الثوب .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي في قوله : وطفقا يخصفان عليهما قال : أقبلا يغطيان عليهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة في قوله : يخصفان عليهما من ورق الجنة قال : يوصلان عليهما من ورق الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة قال : يأخذان ما يواريان به عورتهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي : وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة قال آدم : رب إنه خلف لي بك ، ولم أكن أظن أن أحدا من خلقك [ ص: 349 ] يحلف بك إلا صادقا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : قالا قال : آدم وحواء ، ربنا ظلمنا أنفسنا يعني : ذنبا أذنبناه ، فغفره لهما .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الحسن : قالا ربنا ظلمنا أنفسنا الآية ، قال : هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك ، مثله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ ، عن قتادة قال : إن المؤمن ليستحي ربه من الذنب إذا وقع به ، ثم يعلم بحمد الله أين المخرج ؛ يعلم أن المخرج في الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل ، فلا يحتشمن رجل من التوبة ، فإنه لولا التوبة لم يخلص أحد من عباد الله ، وبالتوبة أدرك الله أباكم الرئيس في الخير من الذنب حين وقع فيه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن كريب قال : دعاني ابن عباس فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله إلى فلان حبر تيماء ، حدثني عن قوله : ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين فقال : هو مستقره فوق الأرض ، ومستقره في الرحم ، ومستقره تحت الأرض ، ومستقره حيث يصير إلى الجنة أو إلى النار .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية