الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : واختار موسى قومه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : واختار موسى قومه الآية . قال : كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلا ، فاختار سبعين رجلا ، فبرز بهم ليدعوا ربهم ، فكان فيما دعوا الله أن قالوا : اللهم أعطنا ما لم تعطه أحدا من قبلنا ولا تعطه أحدا بعدنا . فكره الله ذلك من دعائهم ، فأخذتهم الرجفة ، قال موسى : رب ، لو شئت أهلكتهم من قبل ، إن هي إلا فتنتك يقول : إن هو إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء . [ ص: 598 ] وأخرج عبد بن حميد ، عن قتادة : واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا قال : اختارهم ليقوموا مع هارون على قومه بأمر الله فلما أخذتهم الرجفة تناولتهم الصاعقة حين أخذت قومهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد من طريق أبي سعد ، عن مجاهد : واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة [174ظ] بعد أن خرج موسى بالسبعين من قومه يدعون الله ويسألونه أن يكشف عنهم البلاء ، فلم يستجب لهم - علم موسى أنهم قد أصابوا من المعصية ما أصاب قومهم . قال أبو سعد : فحدثني محمد بن كعب القرظي قال : لم يستجب لهم من أجل أنهم لم ينهوهم عن المنكر ، ولم يأمروهم بالمعروف ، فأخذتهم الرجفة فماتوا ، ثم أحياهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، عن الفضل بن عيسى ، ابن أخي الرقاشي ، أن بني إسرائيل قالوا ذات يوم لموسى : ألست ابن عمنا ومنا ، وتزعم أنك كلمت رب العزة ؟ فإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة . فلما أن أبوا إلا ذلك أوحى الله إلى موسى : أن اختر من قومك سبعين رجلا ، فاختار موسى من قومه سبعين رجلا خيرة ، ثم قال لهم : اخرجوا ، فلما برزوا جاءهم ما لا قبل لهم به ، فأخذتهم الرجفة قالوا : يا موسى ردنا ، فقال لهم موسى : ليس لي من الأمر شيء ، سألتم شيئا فقد جاءكم . فماتوا جميعا . قيل : يا موسى ارجع ، قال : رب إلى أين الرجعة ، رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا [ ص: 599 ] إلى قوله : فسأكتبها للذين يتقون الآية ، قال عكرمة : كتبت الرحمة يومئذ لهذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت "، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن علي رضي الله عنه قال : لما حضر أجل هارون أوحى الله إلى موسى : أن انطلق أنت وهارون وابن هارون إلى غار في الجبل ، فأنا قابض روحه ، فانطلق موسى وهارون وابن هارون ، فلما انتهوا إلى الغار دخلوا فإذا سرير فاضطجع عليه موسى ثم قام عنه فقال : ما أحسن هذا المكان يا هارون ! فاضطجع هارون فقبض روحه ، فرجع موسى وابن هارون إلى بني إسرائيل حزينين ، فقالوا له : أين هارون ؟ قال : مات ، قالوا : بل قتلته ، كنت تعلم أنا نحبه ، فقال لهم موسى : ويلكم أقتل أخي وقد سألته الله وزيرا ! ولو أني أردت قتله أكان ابنه يدعني ! قالوا له : بلى قتلته حسدتناه ، قال : فاختاروا سبعين رجلا فانطلق بهم فمرض رجلان في الطريق فخط عليهما خطا ، فانطلق موسى وابن هارون وبنو إسرائيل حتى انتهوا إلى هارون فقال : يا هارون ، من قتلك ؟ قال : لم يقتلني أحد ولكني مت . قالوا : ما نقضي يا موسى ؟ ادع لنا ربك يجعلنا أنبياء ، قال : فأخذتهم الرجفة فصعقوا ، وصعق الرجلان اللذان خلفوا ، وقام موسى يدعو ربه : لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا . فأحياهم الله ، فرجعوا إلى قومهم أنبياء . [ ص: 600 ] وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن نوف الحميري قال : لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه ، قال الله لموسى : أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا ، وأجعل لكم السكينة معكم في بيوتكم ، وأجعلكم تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم ، فيقرؤها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير ، فقال موسى : إن الله قد جعل لكم الأرض مسجدا وطهورا ، قالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، قال : ويجعل السكينة معكم في بيوتكم ، قالوا : لا نريد إلا كما كانت في التابوت ، قال : ويجعلكم تقرءون التوراة عن ظهور قلوبكم ، فيقرؤها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير ، قالوا : لا نريد أن نقرأها إلا نظرا ، قال الله : فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى قوله : المفلحون . قال موسى : أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم ، اجعلني نبي هذه الأمة ، قال : إن نبيهم منهم ، قال : اجعلني من هذه الأمة ، قال : إنك لن تدركهم ، قال : رب أتيتك بوفد قومي فجعلت وفادتهم لغيرهم ، قال : فأوحى الله إليه : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون

                                                                                                                                                                                                                                      قال : فرضي موسى ، قال نوف : ألا تحمدون ربا شهد غيبتكم ، وأخذ لكم بسمعكم ، وجعل وفادة غيركم لكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن نوف البكالي ، أن موسى لما [ ص: 601 ] اختار من قومه سبعين رجلا قال لهم : فدوا إلى الله وسلوه . فكانت لموسى مسألة ولهم مسألة ، فلما انتهى إلى الطور - المكان الذي وعده الله به - قال لهم موسى : سلوا الله ، قالوا : أرنا الله جهرة . قال : ويحكم ، تسألون الله هذا ! مرتين ، قالوا : هي مسألتنا ، أرنا الله جهرة . فأخذتهم الرجفة فصعقوا ، فقال موسى : أي رب ، جئتك بسبعين من خيار بني إسرائيل ، فأرجع إليهم وليس معي منهم أحد ؟ فكيف أصنع ببني إسرائيل ؟ أليس يقتلوني ؟ فقيل له : سل مسألتك ، قال : أي رب إني أسألك أن تبعثهم ، فبعثهم الله فذهبت مسألتهم ومسألته ، وجعلت تلك الدعوة لهذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن أبي سعيد الرقاشي في قوله : واختار موسى قومه سبعين رجلا قال : كانوا قد جاوزوا الثلاثين ولم يبلغوا الأربعين ، وذلك أن من جاوز الثلاثين فقد ذهب جهله وصباه ، ومن بلغ الأربعين لم يفقد من عقله شيئا .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا قال : لتمام الموعد ، وفي قوله : فلما أخذتهم الرجفة قال : ماتوا ثم أحياهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن أبي العالية في قوله : [ ص: 602 ] إن هي إلا فتنتك قال : بليتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : إن هي إلا فتنتك قال : مشيئتك .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن السدي قال : قال موسى : يا رب ، هذا السامري أمرهم أن يتخذوا العجل ، أرأيت الروح من نفخها فيه ؟ قال الرب : أنا ، قال : رب فأنت إذن أضللتهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم ، عن راشد بن سعد ، أن موسى لما أتى ربه لموعده قال : يا موسى إن قومك افتتنوا من بعدك ، قال : يا رب وكيف يفتنون وقد أنجيتهم من فرعون ونجيتهم من البحر ، وأنعمت عليهم ؟ قال : يا موسى إنهم اتخذوا من بعدك عجلا جسدا له خوار ، قال : يا رب فمن جعل فيه الروح ؟ قال : أنا ، قال : فأنت أضللتهم يا رب ، قال : يا موسى يا رأس النبيين ، يا أبا الحكماء ، إني رأيت ذلك في قلوبهم فيسرته لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد ، وابن أبي عمر العدني في مسنده ، وابن جرير وأبو الشيخ ، عن ابن عباس قال : إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه ، إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا بالعجل ولم ينهوا عنه .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن قتادة قال : ذكر لنا أن أولئك السبعين كانوا يلبسون ثياب الطهرة ؛ ثياب يغزله وينسجه العذارى ، ثم يتبرزون [ ص: 603 ] صبيحة ليلة المطر إلى البرية فيدعون الله فيها ، فوالله ما سأل القوم يومئذ شيئا إلا أعطاه الله هذه الأمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج أبو الشيخ ، عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن ، أن السبعين الذين اختار موسى من قومه كانوا يعرفون بخضاب السواد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية