الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير

                                                                                                                                                                                                لا جناح عليكم : لا تبعة عليكم من إيجاب مهر، إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن : ما لم تجامعوهن أو تفرضوا لهن فريضة : إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى تفرضوا، وفرض الفريضة: تسمية المهر، وذلك أن المطلقة غير المدخول بها إن سمي لها مهر فلها نصف المسمى، وإن لم يسم لها فليس لها نصف مهر المثل، ولكن المتعة، والدليل على أن الجناح تبعة المهر قوله: وإن طلقتموهن إلى قوله: فنصف ما فرضتم فقوله: فنصف ما فرضتم : إثبات للجناح المنفي ثمة.

                                                                                                                                                                                                والمتعة: درع، وملحفة، وخمار، على حسب الحال عند أبي حنيفة ، إلا أن يكون مهر مثلها أقل من ذلك، فلها الأقل من نصف مهر المثل ومن المتعة، ولا ينقص عن خمسة دراهم; لأن أقل المهر عشرة دراهم فلا ينقص من نصفها، و"الموسع": الذي له سعة، و"المقتر": الضيق الحال، و"قدره": مقداره الذي يطيقه; لأن ما يطيقه هو الذي يختص به، وقرئ بفتح الدال، والقدر والقدر لغتان، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه قال لرجل من الأنصار تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا، ثم طلقها قبل أن يمسها: "أمتعتها"؟ قال: لم يكن عندي شيء، قال: "متعها بقلنسوتك".

                                                                                                                                                                                                [ ص: 463 ] وعند أصحابنا: لا تجب المتعة إلا لهذه وحدها، وتستحب لسائر المطلقات ولا تجب، "متاعا": تأكيد لـ "متعوهن" بمعنى تمتيعا "بالمعروف": بالوجه الذي يحسن في الشرع والمروءة، "حقا": صفة لـ(متاعا) أي: متاعا واجبا عليهم، أو حق ذلك حقا على المحسنين : على الذين يحسنون إلى المطلقات بالتمتيع، وسماهم قبل الفعل محسنين كما قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل قتيلا فله سلبه" إلا أن يعفون : يريد: المطلقات.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: أي فرق بين قولك: الرجال يعفون، والنساء يعفون؟ قلت: الواو في الأول ضميرهم، والنون علم الرفع، والواو في الثاني لام الفعل والنون ضميرهن، والفعل مبني لا أثر في لفظه للعامل وهو في محل النصب، و(يعفو): عطف على محله، و الذي بيده عقدة النكاح : الولي، يعني: إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا [ ص: 464 ] يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة: ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئا، أو يعفو الولي الذي يلي عقد نكاحهن، وهو مذهب الشافعي ، وقيل: هو الزوج، وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا، وهو مذهب أبي حنيفة ، والأول ظاهر الصحة، وتسمية الزيادة على الحق عفوا فيها نظر، إلا أن يقال: كان الغالب عندهم أن يسوق إليها المهر عند التزوج، فإذا طلقها، استحق أن يطالبها بنصف ما ساق إليها، فإذا ترك المطالبة فقد عفا عنها، أو سماه عفوا على طريق المشاكلة.

                                                                                                                                                                                                وعن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة، وطلقها قبل أن يدخل بها، فأكمل لها الصداق، وقال: أنا أحق بالعفو، وعنه: أنه دخل على سعد بن أبي وقاص ، فعرض عليه بنتا له فتزوجها، فلما خرج، طلقها وبعث إليها بالصداق كاملا، فقيل له: لم تزوجتها؟ فقال: عرضها علي فكرهت رده، قيل: فلم بعثت بالصداق؟ قال: فأين الفضل؟!

                                                                                                                                                                                                و"الفضل": التفضل، أي: ولا تنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض وتتمروا ولا تستقصوا.

                                                                                                                                                                                                وقرأ الحسن: (أو يعفو الذي) بسكون [ ص: 465 ] الواو، وإسكان الواو والياء في موضع النصب تشبيها لهما بالألف; تشبيه لأنهما أختاها، وقرأ أبو نهيك: (وأن يعفو) بالياء، وقرئ: (ولا تنسو الفضل) بكسر الواو.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية