الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا

                                                                                                                                                                                                "شاهدا " على من بعثت إليهم ، وعلى تكذيبهم وتصديقهم ، أي : مقبولا قولك عند الله لهم وعليهم ، كمل يقبل قول الشاهد العدل في الحكم . فإن قلت : وكيف كان شاهدا وقت الإرسال ، وإنما يكون شاهدا عند تحمل الشهادة أو عند أدائها ؟ قلت : هي حال مقدرة ، كمسألة الكتاب ، مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، أي : مقدرا به الصيد غدا ، فإن قلت : قد فهم من قوله : إنا أرسلناك داعيا : أنه مأذون له في الدعاء ، فما فائدة قوله : "بإذنه " ؟ قلت : لم يرد به حقيقة الإذن . وإنما جعل الإذن مستعارا للتسهيل والتيسير ; لأن الدخول في حق المالك متعذر ، فإذا صودف الإذن تسهل وتيسر ، فلما كان الإذن تسهيلا لما تعذر من ذلك ، وضع موضعه ، وذلك أن دعاء أهل الشرك والجاهلية إلى التوحيد والشرائع أمر في غاية الصعوبة والتعذر ، فقيل : بإذنه للإيذان بأن الأمر صعب لا يتأتى ولا يستطاع إلا إذا سهله الله ويسره ، ومنه قولهم في الشحيح : أنه غير مأذون له في الإنفاق ، أي : غير مسهل له الإنفاق لكونه شاقا عليه داخلا في حكم التعذر . جلى به ظلمات الشرك واهتدى به الضالون ، كما يجلى ظلام الليل بالسراج المنير ويهتدى به . أو أمد الله بنور نبوته نور البصائر ، كما يمد بنور السراج نور الأبصار ، وصفه بالإناءة لأن من السراج ما لا يضيء إذا قل سليطه ودقت فتيلته . وفى كلام بعضهم : ثلاثة تضني : رسول بطيء وسراج لا يضيء ، ومائدة ينتظر لها من يجيء . وسئل بعضهم عن الموحشين ؟ فقال : ظلام ساتر ، وسراج فاتر . وقيل : وذا سراج منير . أو وتاليا سراجا منيرا . ويجوز على هذا التفسير أن يعطف على كاف "أرسلناك " .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية