الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا شروع في الجواب عن السؤال ببيان عجزه عن علمها ، إثر بيان عجز الكل عنه ، وإبطال زعمهم الذي بنوا عليه سؤالهم من كونه صلى الله عليه وسلم ممن يعلمها ، وإعادة الأمر لإظهار كمال العناية بشأن الجواب ، والتنبيه على استقلاله ومغايرته للأول ، والتعرض لبيان عجزه عما ذكر من النفع والضر لإثبات عجزه عن علمها بالطريق البرهاني .

                                                                                                                                                                                                                                      واللام إما متعلق بأملك ، أو بمحذوف وقع حالا من نفعا ; أي : لا أقدر لأجل نفسي على جلب نفع ما ولا على دفع ضر ما .

                                                                                                                                                                                                                                      إلا ما شاء الله أن أملكه من ذلك بأن يلهمنيه فيمكنني منه ويقدرني عليه ، أو لكن ما شاء الله من ذلك كائن ; فالاستثناء منقطع ، وهذا أبلغ في إظهار العجز .

                                                                                                                                                                                                                                      ولو كنت أعلم الغيب ; أي : جنس الغيب الذي من جملته ما بين الأشياء من المناسبات المصححة عادة للسببية والمسببية ، ومن المباينات المستتبعة للممانعة والمدافعة .

                                                                                                                                                                                                                                      لاستكثرت من الخير ; أي : لحصلت كثيرا من الخير الذي نيط تحصيله بالأفعال الاختيارية للبشر بترتيب أسبابه ودفع موانعه .

                                                                                                                                                                                                                                      وما مسني السوء ; أي : السوء الذي يمكن التفصي عنه بالتوقي عن موجباته ، والمدافعة بموانعه لا سوء ما ، فإن منه ما لا مدفع له .

                                                                                                                                                                                                                                      إن أنا إلا نذير وبشير ; أي : ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ، شأني حيازة ما يتعلق بهما من العلوم الدينية والدنيوية ، لا الوقوف على الغيوب التي لا علاقة بينها وبين الأحكام والشرائع ، وقد كشفت من أمر الساعة ما يتعلق به الإنذار من مجيئها لا محالة واقترابها ، وأما تعيين وقتها فليس ما يستدعيه الإنذار ، بل هو مما يقدح فيه ، لما مر من أن إيهامه أدعى إلى الانزجار عن المعاصي ، وتقديم النذير على البشير لما أن المقام مقام الإنذار .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى : لقوم يؤمنون إما متعلق بهما جميعا ; لأنهم ينتفعون بالإنذار كما ينتفعون بالبشارة ، وإما بالبشير فقط ، وما يتعلق بالنذير محذوف ; أي : نذير للكافرين ; أي : الباقين على الكفر ، وبشير لقوم يؤمنون ; أي : في أي وقت كان ; ففيه ترغيب للكفرة في إحداث الإيمان ، وتحذير عن الإصرار على الكفر والطغيان .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية