الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون

                                                                                                                                                                                                                                      وما يتبع أكثرهم كلام مبتدأ غير داخل في حيز الأمر، مسوق من قبله تعالى لبيان عدم فهمهم لمضمون ما أفحمهم وألقمهم الحجر من البرهان النير الموجب لاتباع الهادي إلى الحق، الناعي عليهم بطلان حكمهم، وعدم تأثرهم من ذلك لعدم اهتدائهم إلى طريق العلم أصلا أن ما يتبع أكثرهم في معتقداتهم ومحاوراتهم (إلا ظنا) واهيا من غير التفات إلى فرد من أفراد العلم فضلا عن أن يسلكوا مسالك الأدلة الصحيحة الهادية إلى الحق المبنية على المقدمات اليقينية الحقة، فيفهموا مضمونها ويقفوا على صحتها وبطلان ما يخالفها من أحكامهم الباطلة، فيحصل التبكيت والإلزام، فالمراد بالاتباع مطلق الاعتقاد الشامل لما يقارن القبول والانقياد وما لا [ ص: 145 ] يقارنه، وبالقصر ما أشير إليه من أن لا يكون لهم في أثنائه اتباع لفرد من أفراد العلم والتفات إليه، ووجه تخصيص هذا الاتباع بأكثرهم الإشعار بأن بعضهم قد يتبعون العلم فيقفون على حقية التوحيد وبطلان الشرك، لكن لا يقبلونه مكابرة وعنادا فيحصل بالنسبة إليهم التأثر من البرهان المزبور، وإن لم يظهروه، وكونهم أشد كفرا وأكثر من الفريق الأول لا يقدح فيما يفهم من فحوى الكلام عرفا من كون أولئك أسوأ حالا من غيرهم، إذ المعتبر سوء الحال من حيث الفهم والإدراك لا من حيث الكفر والعذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      أو ما يتبع أكثرهم مدة عمرهم إلا ظنا، ولا يتركونه أبدا فإن حرف النفي الداخل على المضارع يفيد استمرار النفي بحسب المقام، فالمراد بالاتباع حينئذ هو الإذعان والانقياد، والقصر باعتبار الزمان، ووجه تخصيص هذا الاتباع بأكثرهم - مع مشاركة المعاندين لهم في ذلك - التلويح بما سيكون من بعضهم من اتباع الحق والتوبة كما سيأتي هذا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قيل: المعنى: وما يتبع أكثرهم في إقرارهم بالله تعالى إلا ظنا غير مستند إلى برهان عندهم، وقيل: وما يتبع أكثرهم في قولهم للأصنام أنها آلهة إلا ظنا، والمراد بالأكثر الجميع، فتأمل، وقيل: الضمير في (أكثرهم) للناس فلا حاجة إلى التكليف.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الظن لا يغني من الحق من العلم اليقيني والاعتقاد الصحيح المطابق للواقع شيئا من الإغناء، ويجوز أن يكون مفعولا به و(من الحق) حالا منه، والجملة استئناف ببيان شأن الظن وبطلانه، وفيه دلالة على وجوب العلم في الأصول وعدم جواز الاكتفاء بالتقليد إن الله عليم بما يفعلون وعيد لهم على أفعالهم القبيحة، فيندرج تحتها ما حكي عنهم من الإعراض عن البراهين القاطعة والاتباع للظنون الفاسدة اندراجا أوليا، وقرئ (تفعلون) بالالتفات إلى الخطاب لتشديد الوعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية