الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون

                                                                                                                                                                                                                                        (47) يخبر تعالى عن حالة الظالمين، ممن في قلبه مرض وضعف إيمان، أو نفاق وريب وضعف علم، أنهم يقولون بألسنتهم، ويلتزمون الإيمان بالله والطاعة، ثم لا يقومون بما قالوا، ويتولى فريق منهم عن الطاعة توليا عظيما، بدليل قوله: وهم معرضون فإن المتولي قد يكون له نية عود ورجوع إلى ما تولى عنه، وهذا المتولي معرض، لا التفات له، ولا نظر لما تولى عنه، وتجد هذه الحالة مطابقة لحال كثير ممن يدعي الإيمان والطاعة لله وهو ضعيف الإيمان، وتجده لا يقوم بكثير من العبادات، خصوصا العبادات التي تشق على كثير من النفوس، كالزكوات، والنفقات الواجبة والمستحبة، والجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        (48) وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أي: إذا صار بينهم وبين أحد حكومة، ودعوا إلى حكم الله ورسوله إذا فريق منهم معرضون يريدون أحكام الجاهلية، ويفضلون أحكام القوانين غير الشرعية على الأحكام الشرعية؛ لعلمهم أن الحق عليهم، وأن الشرع لا يحكم إلا بما يطابق الواقع. (49) وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه أي: إلى حكم الشرع مذعنين وليس ذلك لأجل أنه حكم شرعي، وإنما ذلك لأجل موافقة أهوائهم، فليسوا ممدوحين في هذه الحال، ولو أتوا إليه مذعنين؛ لأن العبد حقيقة من يتبع الحق فيما يحب ويكره، وفيما يسره ويحزنه، وأما الذي يتبع الشرع عند موافقة هواه وينبذه عند مخالفته ويقدم الهوى على الشرع فليس بعبد على الحقيقة. (50) قال الله في لومهم على الإعراض عن الحكم الشرعي: أفي قلوبهم مرض أي: علة أخرجت القلب عن صحته وأزالت حاسته، فصار بمنزلة المريض، [ ص: 1175 ] الذي يعرض عما ينفعه ويقبل على ما يضره، أم ارتابوا أي: شكوا، وقلقت قلوبهم من حكم الله ورسوله، واتهموه أنه لا يحكم بالحق، أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله أي: يحكم عليهم حكما ظالما جائرا، وإنما هذا وصفهم بل أولئك هم الظالمون ، وأما حكم الله ورسوله ففي غاية العدالة والقسط، وموافقة الحكمة، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون . وفي هذه الآيات دليل على أن الإيمان ليس هو مجرد القول حتى يقترن به العمل، ولهذا نفى الإيمان عمن تولى عن الطاعة ووجوب الانقياد لحكم الله ورسوله في كل حال، وأن من لم ينقد له دل على مرض في قلبه، وريب في إيمانه، وأنه يحرم إساءة الظن بأحكام الشريعة، وأن يظن بها خلاف العدل والحكمة.

                                                                                                                                                                                                                                        ولما ذكر حالة المعرضين عن الحكم الشرعي ذكر حالة المؤمنين الممدوحين، فقال:

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية