الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم

                                                                                                                                                                                                                                        هذا تزهيد منه لعباده في الحياة الدنيا بإخبارهم عن حقيقة أمرها، بأنها لعب ولهو، لعب في الأبدان ولهو في القلوب، فلا يزال العبد لاهيا في ماله، وأولاده، وزينته، ولذاته من النساء، والمآكل والمشارب، والمساكن والمجالس، والمناظر والرياسات، لاعبا في كل عمل لا فائدة فيه، بل هو دائر بين البطالة والغفلة والمعاصي، حتى تستكمل دنياه، ويحضره أجله، فإذا هذه الأمور قد ولت وفارقت، ولم يحصل العبد منها على طائل، بل قد تبين له خسرانه وحرمانه، وحضر عذابه، فهذا موجب للعاقل الزهد فيها، وعدم الرغبة فيها، والاهتمام بشأنها، وإنما الذي ينبغي أن يهتم به ما ذكره بقوله: وإن تؤمنوا وتتقوا بأن تؤمنوا بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتقوموا بتقواه التي هي من لوازم الإيمان ومقتضياته، وهي العمل بمرضاته على الدوام، مع ترك معاصيه، فهذا الذي ينفع العبد، وهو الذي ينبغي أن يتنافس فيه، وتبذل الهمم والأعمال في طلبه، وهو [ ص: 1666 ] مقصود الله من عباده رحمة بهم ولطفا، ليثيبهم الثواب الجزيل، ولهذا قال: وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم أي: لا يريد تعالى أن يكلفكم ما يشق عليكم، ويعنتكم من أخذ أموالكم، وبقائكم بلا مال، أو ينقصكم نقصا يضركم، ولهذا قال: إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم

                                                                                                                                                                                                                                        أي: ما في قلوبكم من الضغن، إذا طلب منكم ما تكرهون بذله.

                                                                                                                                                                                                                                        والدليل على أن الله لو طلب منكم أموالكم وأحفاكم بسؤالها، أنكم تمتنعون منها، أنكم تدعون لتنفقوا في سبيل الله على هذا الوجه، الذي فيه مصلحتكم الدينية والدنيوية.

                                                                                                                                                                                                                                        فمنكم من يبخل أي: فكيف لو سألكم، وطلب منكم أموالكم في غير أمر ترونه مصلحة عاجلة؟ أليس من باب أولى وأحرى امتناعكم من ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        ثم قال: ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه لأنه حرم نفسه ثواب الله تعالى، وفاته خير كثير، ولن يضر الله بترك الإنفاق شيئا.

                                                                                                                                                                                                                                        فإن الله هو الغني وأنتم الفقراء تحتاجون إليه في جميع أوقاتكم، لجميع أموركم.

                                                                                                                                                                                                                                        وإن تتولوا عن الإيمان بالله، وامتثال ما يأمركم به يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم في التولي، بل يطيعون الله ورسوله، ويحبون الله ورسوله، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه

                                                                                                                                                                                                                                        تم تفسير سورة القتال، والحمد لله رب العالمين.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية