الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 544 ] (37) أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذبا بنسبة الشريك له، أو النقص له والتقول عليه ما لم يقل، أو كذب بآياته الواضحة المبينة للحق المبين، الهادية إلى الصراط المستقيم، فهؤلاء وإن تمتعوا بالدنيا، ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ، فليس ذلك بمغن عنهم شيئا، يتمتعون قليلا ثم يعذبون طويلا حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم أي: الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم واستيفاء آجالهم.

                                                                                                                                                                                                                                        قالوا لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا أين ما كنتم تدعون من دون الله من الأصنام والأوثان، فقد جاء وقت الحاجة إن كان فيها منفعة لكم أو دفع مضرة. قالوا ضلوا عنا أي: اضمحلوا وبطلوا، وليسوا مغنين عنا من عذاب الله من شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين مستحقين للعذاب المهين الدائم.

                                                                                                                                                                                                                                        (38- 39) فقالت لهم الملائكة ادخلوا في أمم أي: في جملة أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس أي: مضوا على ما مضيتم عليه من الكفر والاستكبار، فاستحق الجميع الخزي والبوار، كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار لعنت أختها كما قال تعالى: ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا حتى إذا اداركوا فيها جميعا أي: اجتمع في النار جميع أهلها، من الأولين والآخرين، والقادة والرؤساء والمقلدين الأتباع.

                                                                                                                                                                                                                                        قالت أخراهم أي: متأخروهم المتبعون للرؤساء لأولاهم أي: لرؤسائهم، شاكين إلى الله إضلالهم إياهم: ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار أي : عذبهم عذابا مضاعفا لأنهم أضلونا، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة.

                                                                                                                                                                                                                                        فقالت أولاهم لأخراهم .

                                                                                                                                                                                                                                        أي: الرؤساء، قالوا لأتباعهم: فما كان لكم علينا من فضل أي: قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال، وفي فعل أسباب العذاب، فأي فضل لكم علينا؟ فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ولكنه من المعلوم أن عذاب الرؤساء وأئمة الضلال أبلغ وأشنع من عذاب الأتباع، كما أن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع، قال تعالى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون فهذه الآيات ونحوها، دلت على أن سائر أنواع المكذبين بآيات الله، مخلدون في العذاب، مشتركون فيه وفي أصله، وإن [ ص: 545 ] كانوا متفاوتين في مقداره، بحسب أعمالهم وعنادهم وظلمهم وافترائهم، وأن مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا تنقلب يوم القيامة عداوة وملاعنة.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية