الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه [ ص: 746 ] ترجعون أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين

                                                                                                                                                                                                                                        (25) أي: ولقد أرسلنا رسولنا نوحا أول المرسلين إلى قومه يدعوهم إلى الله وينهاهم عن الشرك فقال لهم: إني لكم نذير مبين أي: بينت لكم ما أنذرتكم به، بيانا زال به الإشكال.

                                                                                                                                                                                                                                        (26) أن لا تعبدوا إلا الله أي: أخلصوا العبادة لله وحده، واتركوا كل ما يعبد من دون الله. إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم إن لم تقوموا بتوحيد الله وتطيعوني.

                                                                                                                                                                                                                                        (27) فقال الملأ الذين كفروا من قومه أي: الأشراف والرؤساء، رادين لدعوة نوح عليه السلام، كما جرت العادة لأمثالهم، أنهم أول من رد دعوة المرسلين.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 747 ] ما نراك إلا بشرا مثلنا وهذا مانع بزعمهم عن اتباعه، مع أنه في نفس الأمر هو الصواب، الذي لا ينبغي غيره، لأن البشر يتمكن البشر أن يتلقوا عنه، ويراجعوه في كل أمر، بخلاف الملائكة.

                                                                                                                                                                                                                                        وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا أي: ما نرى اتبعك منا إلا الأراذل والسفلة، بزعمهم.

                                                                                                                                                                                                                                        وهم في الحقيقة الأشراف، وأهل العقول، الذين انقادوا للحق ولم يكونوا كالأراذل، الذين يقال لهم الملأ الذين اتبعوا كل شيطان مريد، واتخذوا آلهة من الحجر والشجر، يتقربون إليها ويسجدون لها، فهل ترى أرذل من هؤلاء وأخس؟.

                                                                                                                                                                                                                                        وقولهم: بادي الرأي أي: إنما اتبعوك من غير تفكر وروية، بل بمجرد ما دعوتهم اتبعوك، يعنون بذلك، أنهم ليسوا على بصيرة من أمرهم، ولم يعلموا أن الحق المبين تدعو إليه بداهة العقول، وبمجرد ما يصل إلى أولي الألباب، يعرفونه ويتحققونه، لا كالأمور الخفية، التي تحتاج إلى تأمل، وفكر طويل.

                                                                                                                                                                                                                                        وما نرى لكم علينا من فضل أي: لستم أفضل منا فننقاد لكم، بل نظنكم كاذبين وكذبوا في قولهم هذا، فإنهم رأوا من الآيات التي جعلها الله مؤيدة لنوح، ما يوجب لهم الجزم التام على صدقه.

                                                                                                                                                                                                                                        (28) ولهذا قال لهم نوح مجاوبا يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي أي: على يقين وجزم، يعني: وهو الرسول الكامل القدوة، الذي ينقاد له أولو الألباب، ويضمحل في جنب عقله، عقول الفحول من الرجال، وهو الصادق حقا، فإذا قال: إني على بينة من ربي، فحسبك بهذا القول، شهادة له وتصديقا.

                                                                                                                                                                                                                                        وآتاني رحمة من عنده أي: أوحى إلي وأرسلني، ومن علي بالهداية، فعميت عليكم أي: خفيت عليكم، وبها تثاقلتم.

                                                                                                                                                                                                                                        أنلزمكموها أي: أنكرهكم على ما تحققناه، وشككتم أنتم فيه؟ وأنتم لها كارهون حتى حرصتم على رد ما جئت به، ليس ذلك ضارنا، وليس بقادح من يقيننا فيه، ولا قولكم وافتراؤكم علينا، صادا لنا عما كنا عليه.

                                                                                                                                                                                                                                        وإنما غايته أن يكون صادا لكم أنتم، وموجبا لعدم انقيادكم للحق الذي تزعمون أنه باطل، فإذا وصلت الحال إلى هذه الغاية، فلا نقدر على إكراهكم، على ما أمر الله، ولا إلزامكم ما نفرتم عنه، ولهذا قال: أنلزمكموها وأنتم لها كارهون .

                                                                                                                                                                                                                                        (29) ويا قوم لا أسألكم عليه أي: على دعوتي إياكم مالا فستستثقلون المغرم.

                                                                                                                                                                                                                                        إن أجري إلا على الله وكأنهم طلبوا منه طرد المؤمنين الضعفاء، فقال لهم: وما أنا بطارد الذين آمنوا أي: ما ينبغي لي، ولا يليق بي [ ص: 748 ] ذلك، بل أتلقاهم بالرحب والإكرام، والإعزاز والإعظام إنهم ملاقو ربهم فمثيبهم على إيمانهم وتقواهم بجنات النعيم.

                                                                                                                                                                                                                                        ولكني أراكم قوما تجهلون حيث تأمرونني، بطرد أولياء الله، وإبعادهم عني. وحيث رددتم الحق، لأنهم أتباعه، وحيث استدللتم على بطلان الحق بقولكم إني بشر مثلكم وإنه ليس لنا عليكم من فضل.

                                                                                                                                                                                                                                        (30) ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أي: من يمنعني من عذابه، فإن طردهم موجب للعذاب والنكال، الذي لا يمنعه من دون الله مانع.

                                                                                                                                                                                                                                        أفلا تذكرون ما هو الأنفع لكم والأصلح، وتدبرون الأمور.

                                                                                                                                                                                                                                        (31) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك أي: غايتي أني رسول الله إليكم، أبشركم، وأنذركم، وأما ما عدا ذلك، فليس بيدي من الأمر شيء، فليست خزائن الله عندي، أدبرها أنا، وأعطي من أشاء، وأحرم من أشاء، ولا أعلم الغيب فأخبركم بسرائركم وبواطنكم ولا أقول إني ملك والمعنى: أني لا أدعي رتبة فوق رتبتي، ولا منزلة سوى المنزلة، التي أنزلني الله بها، ولا أحكم على الناس بظني.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا أقول للذين تزدري أعينكم أي: الضعفاء المؤمنين، الذين يحتقرهم الملأ الذين كفروا لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم فإن كانوا صادقين في إيمانهم، فلهم الخير الكثير، وإن كانوا غير ذلك، فحسابهم على الله.

                                                                                                                                                                                                                                        إني إذا أي: إن قلت لكم شيئا مما تقدم لمن الظالمين وهذا تأييس منه، عليه الصلاة والسلام لقومه، أن ينبذ فقراء المؤمنين، أو يمقتهم، وتقنيع لقومه، بالطرق المقنعة للمنصف.

                                                                                                                                                                                                                                        (32) فلما رأوه لا ينكف عما كان عليه من دعوتهم، ولم يدركوا منه مطلوبهم قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا من العذاب إن كنت من الصادقين فما أجهلهم وأضلهم، حيث قالوا هذه المقالة، لنبيهم الناصح.

                                                                                                                                                                                                                                        فهلا قالوا إن كانوا صادقين: يا نوح قد نصحتنا، وأشفقت علينا، ودعوتنا إلى أمر، لم يتبين لنا، فنريد منك أن تبينه لنا لننقاد لك، وإلا فأنت مشكور في نصحك. لكان هذا الجواب المنصف، الذي قد دعي إلى أمر خفي عليه، ولكنهم في قولهم كاذبون، وعلى نبيهم متجرئون. ولم يردوا ما قاله بأدنى شبهة، فضلا عن أن يردوه بحجة.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 749 ] ولهذا عدلوا - من جهلهم وظلمهم - إلى الاستعجال بالعذاب، وتعجيز الله.

                                                                                                                                                                                                                                        (33) ولهذا أجابهم نوح عليه السلام بقوله: إنما يأتيكم به الله إن شاء أي: إن اقتضت مشيئته وحكمته، أن ينزله بكم، فعل ذلك. وما أنتم بمعجزين لله، وأنا ليس بيدي من الأمر شيء.

                                                                                                                                                                                                                                        (34) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم أي: إن إرادة الله غالبة، فإنه إذا أراد أن يغويكم، لردكم الحق، فلو حرصت غاية مجهودي، ونصحت لكم أتم النصح - وهو قد فعل عليه السلام - فليس ذلك بنافع لكم شيئا، هو ربكم يفعل بكم ما يشاء، ويحكم فيكم بما يريد وإليه ترجعون فيجازيكم بأعمالكم.

                                                                                                                                                                                                                                        (35) أم يقولون افتراه هذا الضمير محتمل أن يعود إلى نوح، كما كان السياق في قصته مع قومه، وأن المعنى: أن قومه يقولون: افترى على الله كذبا، وكذب بالوحي الذي يزعم أنه من الله، وأن الله أمره أن يقول: قل إن افتريته فعلي إجرامي وأنا بريء مما تجرمون أي: كل عليه وزره " ولا تزر وازرة وزر أخرى " .

                                                                                                                                                                                                                                        ويحتمل أن يكون عائدا إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون هذه الآية معترضة، في أثناء قصة نوح وقومه، لأنها من الأمور التي لا يعلمها إلا الأنبياء، فلما شرع الله في قصها على رسوله، وكانت من جملة الآيات الدالة على صدقه ورسالته، ذكر تكذيب قومه له مع البيان التام فقال: أم يقولون افتراه أي: هذا القرآن اختلقه محمد من تلقاء نفسه، أي: فهذا من أعجب الأقوال وأبطلها، فإنهم يعلمون أنه لم يقرأ ولم يكتب، ولم يرحل عنهم لدراسة على أهل الكتاب، فجاء بهذا الكتاب الذي تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله.

                                                                                                                                                                                                                                        فإذا زعموا - مع هذا - أنه افتراه، علم أنهم معاندون، ولم يبق فائدة في حجاجهم، بل اللائق في هذه الحال، الإعراض عنهم، ولهذا قال: قل إن افتريته فعلي إجرامي أي: ذنبي وكذبي، وأنا بريء مما تجرمون أي: فلم تستلجون في تكذيبي؟.

                                                                                                                                                                                                                                        (36) وقوله: وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن أي: قد قسوا، فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أي: فلا تحزن، ولا تبال بهم، وبأفعالهم، فإن الله قد مقتهم، وأحق عليهم عذابه الذي لا يرد.

                                                                                                                                                                                                                                        (37) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا أي: بحفظنا، ومرأى منا، وعلى مرضاتنا، ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي: لا تراجعني في إهلاكهم، إنهم [ ص: 750 ] مغرقون أي: قد حق عليهم القول، ونفذ فيهم القدر.

                                                                                                                                                                                                                                        (38) فامتثل أمر ربه، وجعل يصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه ورأوا ما يصنع سخروا منه قال إن تسخروا منا الآن فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم نحن أم أنتم. وقد علموا ذلك، حين حل بهم العقاب.

                                                                                                                                                                                                                                        (40) حتى إذا جاء أمرنا أي: قدرنا بوقت نزول العذاب بهم وفار التنور أي: أنزل الله السماء بالماء المنهمر، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة، وأبعد ما يكون عن الماء، تفجرت فالتقى الماء على أمر قد قدر.

                                                                                                                                                                                                                                        قلنا لنوح: احمل فيها من كل زوجين اثنين أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات، ذكر وأنثى، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين، فلأن السفينة لا تطيق حملها وأهلك إلا من سبق عليه القول ممن كان كافرا، كابنه الذي غرق.

                                                                                                                                                                                                                                        ومن آمن ( و ) الحال أنه " ما آمن معه إلا قليل "

                                                                                                                                                                                                                                        (41) وقال نوح لمن أمره الله أن يحملهم: اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها أي: تجري على اسم الله، وترسي على اسم الله، وتجري بتسخيره وأمره.

                                                                                                                                                                                                                                        إن ربي لغفور رحيم حيث غفر لنا ورحمنا، ونجانا من القوم الظالمين.

                                                                                                                                                                                                                                        (42) ثم وصف جريانها كأنا نشاهدها فقال: وهي تجري بهم أي: بنوح ومن ركب معه في موج كالجبال والله حافظها وحافظ أهلها ونادى نوح ابنه لما ركب، ليركب معه وكان ابنه في معزل عنهم، حين ركبوا، أي: مبتعدا وأراد منه، أن يقرب ليركب، فقال له: يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فيصيبك ما يصيبهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (43) فقال ابنه، مكذبا لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة.

                                                                                                                                                                                                                                        سآوي إلى جبل يعصمني من الماء أي: سأرتقي جبلا أمتنع به من الماء، فقال نوح: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم فلا يعصم أحدا، جبل ولا غيره، ولو [ ص: 751 ] تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب، لما نجا إن لم ينجه الله. وحال بينهما الموج فكان الابن من المغرقين .

                                                                                                                                                                                                                                        (44) فلما أغرقهم الله ونجى نوحا ومن معه وقيل يا أرض ابلعي ماءك الذي خرج منك، والذي نزل إليك، أي: ابلعي الماء الذي على وجهك ويا سماء أقلعي فامتثلتا لأمر الله، فابتلعت الأرض ماءها، وأقلعت السماء، فنضب الماء من الأرض، وقضي الأمر بهلاك المكذبين ونجاة المؤمنين.

                                                                                                                                                                                                                                        واستوت السفينة على الجودي أي: أرست على ذلك الجبل المعروف في أرض الموصل.

                                                                                                                                                                                                                                        وقيل بعدا للقوم الظالمين أي: أتبعوا بعد هلاكهم لعنة وبعدا، وسحقا لا يزال معهم.

                                                                                                                                                                                                                                        (45) ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق أي: وقد قلت لي: فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك ، ولن تخلف ما وعدتني به.

                                                                                                                                                                                                                                        لعله عليه الصلاة والسلام، حملته الشفقة، وأن الله وعده بنجاة أهله، ظن أن الوعد لعمومهم، من آمن، ومن لم يؤمن، فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء، ومع هذا، ففوض الأمر لحكمة الله البالغة.

                                                                                                                                                                                                                                        (46) فقال الله له: إنه ليس من أهلك الذين وعدتك بإنجائهم إنه عمل غير صالح أي: هذا الدعاء الذي دعيت به لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله.

                                                                                                                                                                                                                                        فلا تسألني ما ليس لك به علم أي: ما لا تعلم عاقبته، ومآله، وهل يكون خيرا، أو غير خير.

                                                                                                                                                                                                                                        إني أعظك أن تكون من الجاهلين أي: أني أعظك وعظا تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين.

                                                                                                                                                                                                                                        (47) فحينئذ ندم نوح، عليه السلام، ندامة شديدة، على ما صدر منه، و قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين .

                                                                                                                                                                                                                                        فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين، ودل هذا على أن نوحا، عليه السلام، لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه، في نجاة ابنه محرم، داخل في قوله ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون بل تعارض عنده الأمران، وظن دخوله في قوله: وأهلك .

                                                                                                                                                                                                                                        وبعد هذا تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 752 ] (48) قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك من الآدميين وغيرهم من الأزواج التي حملها معه، فبارك الله في الجميع، حتى ملأوا أقطار الأرض ونواحيها.

                                                                                                                                                                                                                                        وأمم سنمتعهم في الدنيا ثم يمسهم منا عذاب أليم أي: هذا الإنجاء، ليس بمانع لنا من أن من كفر بعد ذلك، أحللنا به العقاب، وإن متعوا قليلا فسيؤخذون بعد ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                        (49) قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بعدما قص عليه هذه القصة المبسوطة، التي لا يعلمها إلا من من عليه برسالته.

                                                                                                                                                                                                                                        تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فيقولوا: إنه كان يعلمها.

                                                                                                                                                                                                                                        فاحمد الله، واشكره، واصبر على ما أنت عليه من الدين القويم، والصراط المستقيم، والدعوة إلى الله إن العاقبة للمتقين الذين يتقون الشرك وسائر المعاصي، فستكون لك العاقبة على قومك، كما كانت لنوح على قومه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية