الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا

                                                                                                                                                                                                                                        (26 - 27 ) يقول تعالى: وآت ذا القربى حقه من البر والإكرام الواجب والمسنون ، وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة.

                                                                                                                                                                                                                                        والمسكين آته حقه من الزكاة ومن غيرها لتزول مسكنته وابن السبيل وهو الغريب المنقطع به عن بلده، فيعطى الجميع من المال على وجه لا يضر المعطي، ولا يكون زائدا على المقدار اللائق، فإن ذلك تبذير قد نهى الله عنه وأخبر: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين لأن الشيطان لا يدعو إلا إلى كل خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى البخل والإمساك فإذا عصاه، دعاه إلى الإسراف والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها، ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبرار والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما

                                                                                                                                                                                                                                        (29 ) وقال هنا: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك كناية عن شدة الإمساك والبخل.

                                                                                                                                                                                                                                        ولا تبسطها كل البسط فتنفق فيما لا ينبغي، أو زيادة على ما ينبغي.

                                                                                                                                                                                                                                        فتقعد إن فعلت ذلك ملوما أي: تلام على ما فعلت محسورا أي: حاسر اليد فارغها فلا بقي ما في يدك من المال ، ولا خلفه مدح وثناء.

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 918 ] (28 ) وهذا الأمر بإيتاء ذي القربى مع القدرة والغنى، فأما مع العدم أو تعسر النفقة الحاضرة؛ فأمر تعالى أن يردوا ردا جميلا فقال: وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها أي: تعرض عن إعطائهم إلى وقت آخر ترجو فيه من الله تيسير الأمر. فقل لهم قولا ميسورا أي: لطيفا برفق ووعد بالجميل عند سنوح الفرصة واعتذار بعدم الإمكان في الوقت الحاضر؛ لينقلبوا عنك مطمئنة خواطرهم كما قال تعالى: قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وهذا أيضا من لطف الله تعالى بالعباد، أمرهم بانتظار الرحمة والرزق منه ؛ لأن انتظار ذلك عبادة، وكذلك وعدهم بالصدقة والمعروف عند التيسر عبادة حاضرة؛ لأن الهم بفعل الحسنة حسنة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يقدر عليه من الخير، وينوي فعل ما لم يقدر عليه ليثاب على ذلك ، ولعل الله ييسر له بسبب رجائه .

                                                                                                                                                                                                                                        (30 ) ثم أخبر تعالى أنه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدره ويضيقه على من يشاء حكمة منه، إنه كان بعباده خبيرا بصيرا فيجزيهم على ما يعلمه صالحا لهم، ويدبرهم بلطفه وكرمه.

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية