الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                          صفحة جزء
                                                                          ( والقضاء ) لغة إحكام الشيء والفراغ منه ومنه قوله تعالى : { فقضاهن سبع سموات في يومين } وبمعنى أوجب ومنه قوله تعالى : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } وبمعنى إمضاء الحكم ومنه قوله تعالى : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } أي : أمضينا وأنهينا وسمي الحاكم قاضيا لأنه يمضي الأحكام ويحكمها أو لا يجابه الحكم على من يجب عليه . واصطلاحا ( تبينه ) أي : الحكم الشرعي ( والإلزام به وفصل الحكومات ) أي الخصومات . والأصل فيه قوله تعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } وقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر } متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأجمع المسلمون [ ص: 486 ] على نصب القضاء للفصل بين الناس ( وهو ) أي : القضاء ( فرض كفاية ) لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه ( كالإمامة ) والجهاد وفيه فضل عظيم لمن قوي عليه وأراد الحق فيه والواجب اتخاذها دينا وقربة فإنها من أفضل القرب وإنما فسد حال بعضهم لطلب الرياسة والمال بها ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه ( ف ) يجب ( على الإمام أن ينصب بكل إقليم ) بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة ( قاضيا ) لأنه لا يمكن للإمام تولي الخصومات والنظر فيها في جميع البلاد ولئلا تضيع الحقوق بتوقف فصل الخصومات على السفر للإمام لما فيه من المشقة وكلفة النفقة وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه القضاة للأمصار فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن قاضيا وبعث معاذا قاضيا أيضا وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وولى كعب بن سوار قضاء البصرة وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولية القضاء في الشام .

                                                                          ( و ) على الإمام أن ( يختار لذلك ) أي : نصب القضاة ( أفضل من يجد علما وورعا ) لأن الإمام ينظر للمسلمين فوجب عليه تحري الأصلح لهم ( ويأمره ) أي : الإمام إذا ولاه ( بالتقوى ) لأنها رأس الأمر وملاكه .

                                                                          ( و ) يأمره ( بتحري العدل ) أي : إعطاء الحق لمستحقه بلا ميل لأنه المقصود من القضاء ( و ) يأمره ( أن يستخلف في كل صقع ) بضم الصاد المهملة وسكون القاف أي : ناحية من عمله ( أفضل من يجدهم ) علما وورعا لحديث {من ولي من أمور المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين } رواه الحاكم في صحيحه

                                                                          التالي السابق


                                                                          الخدمات العلمية