الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الظلم وضع الشيء في غير محله ، وكان وضع الشيء في موضع لا يمكن أن يقبله [أظلم] الظلم ، كان فعلهم هذا الذي هو إنزال ما لا يعلم شيئا ولا يقدر [على شيء في منزلة من يعلم كل شيء ويقدر] على كل مقدور أظلم الظلم ، فكان التقدير : فمن أظلم منهم في ذلك ، عطف عليه قوله : ومن أظلم أي : أشد وضعا للأشياء في غير مواضعها ، لأنه لا نور له بل هو في ظلام الجهل يخبط ممن افترى أي : تعمد على الله كذبا أي : أي كذب كان من الشرك وغيره كما كانوا يقولون إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها أو كذب بالحق من هذا القرآن المعجز المبين ، على لسان هذا الرسول الأمين الذي ما أخبر خبرا إلا طابقه الواقع لما أي : حين جاءه من غير إمهال إلى أن ينظر ويتأمل فيما جاءه من الأمر الشديد الخطر.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان التقدير : لا أحد أظلم منه ، بل هو أظلم الظالمين ، فهو كافر ومأواه جهنم ، وكان من المعلوم أنهم يقولون عنادا : ليس الأمر كذلك ، قال إنكارا عليهم ، ولأن فعلهم فعل المنكر ، وتقريرا لهم لأن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي كانت للتقرير ، عدا به بمنزلة ما [ ص: 481 ] لا نزاع فيه أصلا : أليس في جهنم مثوى أي : منزل وموضع إقامة وحبس له وقد ارتكب هذا الكفر العظيم - هكذا كان الأصل- ولكنه لقصد التعميم وتعليق الفعل بالوصف قال : للكافرين أي : الذين يغطون أنوار الحق الواضح ، أو ليس هو من الكافرين؟ أي : إن كلا من المقدمتين صحيح لا إنكار فيه ، ولا ينتظم إنكارهم إلا بإفساد إحديهما ، أما كفره للمنعم بعد إنجائه من الهلاك حيث عبد غيره فلا يسع عاقلا إنكاره ، وأما كون جهنم تسعه بعد إخبار القادر به فلا يسع مقرا بالقدرة إنكاره ، فالمقدمتان مما لا مطعن فيه عندهم ، فأنتجتا أن مثواه جهنم ، [وصار القياس هكذا : عابد غير من أنجاه كافر ، وكل كافر مثواه جهنم ، فعابد غير من أنجاه مثواه جهنم].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية