الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عمن استأجر مكانا من مباشريه مدة معينة بأجرة معينة ولو أراد الإقالة ما أقالوه إلا بانقضاء المدة . فهل لهم أن يقبلوا عليه زيادة قبل أن تنقضي مدة الإجارة ؟ .

                التالي السابق


                فأجاب : إن كانت صحيحة فهي لازمة من الطرفين باتفاق المسلمين وليس للمؤجر أن يخرج المستأجر ; لأجل زيادة حصلت عليه والحال هذه . ولا يقبل عليه زيادة والحال هذه باتفاق الأئمة .

                وإن كانت الإجارة فاسدة لم يجز لناظر الوقف أن يمكن المستأجر من تسلم المكان بمثل هذه الإجارة ولا له أن يمنعه من الخروج إذا أراد ولا يملك أن يطالبه بالأجرة المسماة في العقد وكان دخول الناظر في مثل ذلك قادحا في عدالته وولايته ; فإنه يجب عليه باتفاق الأئمة أن لا يؤجر المكان إلا إجارة صحيحة في الشرع ويجب عليه باتفاق الأئمة إذا أجره كذلك أن لا يقبل الزيادة على المستأجر ولا يخرجه لأجلها . وأما الذي زاد على المستأجر .

                فلو زاد عليه بعد ركون المؤجر [ ص: 186 ] إلى إجارته لكان قد سام على سوم أخيه ولو زاد عليه بعد العقد وإمكان الفسخ فهو مثل الذي يبيع على بيع أخيه .

                وكلاهما حرام بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مذهب الأئمة الأربعة فكيف إذا زاد عليه مع وجود الإجارة الشرعية فإن هذا الزائد عاص آثم ظالم مستحق للتعزير والعقوبة ومن أعانه على ذلك فقد أعانه على الإثم والعدوان وإشهاد المستأجر على نفسه دون إشهاد المؤجر لا أثر له في ذلك فإن العقد لا يفتقر إلى إشهاد ; بل يصح بدون الشهادة .

                وقول الناظر له : أشهد على نفسك مع إشهاد المستأجر هو إجارة شرعية ; بل بعد قول الناظر له : أشهد على نفسك ليس لأحد أن يزيد عليه وعلى الناظر ألا يؤجرها حتى يغلب على ظنه أنه ليس هناك من يزيد عليه وعليه أن يشهر المكان عند أهل الرغبات الذين جرت العادة باستئجارهم مثل ذلك المكان فإذا فعل ذلك فقد آجره المثل وهي الإجارة الشرعية .

                فإن حاباه بعض أصدقائه أو بعض من له عنده يد أو غيرهم : فأجره بدون أجرة المثل كان ظالما ضامنا لما نقص أهل الوقف من أجرة المثل .

                ولو تغيرت أسعار العقار بعد الإجارة الشرعية لم يملك الفسخ بذلك فإن هذا لا ينضبط ولا يدخل في التكليف .

                والمنفعة بالنسبة إلى الزمان قد تكون مختلفة لا مماثلة .

                فتكون قيمتها في الشتاء [ ص: 187 ] أكثر من قيمتها في الصيف وبالعكس .

                ومن استأجره حولا فإنه يحتمل الزيادة في زمان بعض الكري لأجل ما يحصل من ارتفاعه في الزمان الآخر فليس لأحد أن يزيد عليه من ارتفاع سعر ذلك المكان ولو قدر أن الإجارة انفسخت في بعض الأزمنة لبسطت القيمة في مثل ذلك بالقيمة لا بأجزاء الزمان .

                فيقال : كم قيمته في وقت الصيف ؟ ويقسم الأجرة على وقت القيمة ويحسب لكل زمان من الأجرة بقدر قيمته .

                والواجب على الناظر أن يفعل مصلحة الوقف في إجارة المكان مسانهة أو مشاهرة أو موايمة .

                فإن كانت المصلحة أن يؤجره يوما فيوما وكلما مضى يوم تمكن المستأجر من الإخلاء والمؤجر من أمره به فعل ذلك .

                وإن كانت المصلحة أن يؤجره مشاهرة وعند رأس الشهر يتمكن المستأجر من الإخلاء والمؤجر من أمره به فعل ذلك .

                وأما إن كانت المصلحة مسانهة فقد فعل ما عليه وليس له أن يخرجه قبل انقضاء مدة الإجارة ; لأجل الزيادة .

                وما ذكره بعض متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي والإمام [ أحمد ] من التفريق بين أن تكون الزيادة بقدر الثلث أو أقل فهو قول مبتدع لا أصل له عن أحد من الأئمة ; لا الشافعي ولا أحمد ولا غيرهما ; لا في الوقف ولا في غيره . [ ص: 188 ]




                الخدمات العلمية