الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الله هو الخالق وحده

                                                          يقول تعالى:

                                                          ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض [ ص: 3608 ] إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون

                                                          * * *

                                                          (ألا) للتنبيه إلى ما يقوله سبحانه وما يمكن أن يكون دليلا على قدرته القاهرة الموجبة لعبادته وحده، والأمر الجدير بالتنبيه أنه سبحانه وتعالى له من في السماوات ومن في الأرض، وكلمة (من) للعقلاء، أي: أن الله تعالى يملك العقلاء في السماوات والأرض من ملائكة وجن وإنس، وإن كان يملكهم فهم عبيده، كما قال تعالى: لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون وكقوله تعالى: إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا وإذا كان هؤلاء لحكم الملكية عبيدا فغير العقلاء مثل الأحجار والأبقار أولى بأن يكونوا عبيدا; إذ للعقلاء حرية وإرادة واختيار وعقول وفكر ومع ذلك هم عبيد الله بحكم أنه خلقهم وملكهم فليس بجائز أن يكون معبود غير الله تعالى; ولذلك قال سبحانه: وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ومؤدى النص الكريم أن الذين يدعونهم، أي: يعبدونهم على أنهم شركاء لله تعالى ليسوا شركاء لله تعالى في شيء من الشركة التي تقتضي أن للشريك ملكا وأن الشريك نظير لشريكه، وكيف تتحقق هذه الشركة بين خالق كل شيء وبين حجر لا يضر ولا ينفع، أو بين عبد من عباده هو سبحانه خالقه ومالكه، وكلمة (ما) نافية، أي: لا يتبع الذين يعبدون غير الله شركاء لله تعالى، وكلمة (من) بمعنى بدل، وذلك إذ إنهم أشركوا عبادة غير الله مع الله فقد كفروا بالله ولم يعبدوه. [ ص: 3609 ]

                                                          فالشركة منفية بلا ريب، ولا حقيقة لها، فإذا كانت غير موجودة فلا يصح أن يقولها من يعرف أن الله وحده هو خالق السماوات والأرض.

                                                          أشار سبحانه إلى أن أوهامهم وظنونهم هي التي زينت لهم أن يجعلوا شركاء، ولذا قال تعالى: إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون (إن) هنا نافية، فهم لا يتبعون إلا الظن وليس الظن هو العلم الراجح وإنما هو الأوهام والهواجس تتوهمها عقولهم ثم تلج فيها وتستولي عليها بحكم التزيين، حتى تكون كالظن بل حتى تكون كالعلم في عقولهم التي عششت فيها الأوهام وأيقنت بها، فيقول سبحانه: وإن هم إلا يخرصون أي: يتوهمون ثم يظنون ثم يعتقدون وما لهم من حجة ولا دليل،

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية