الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 345 - 346 ] ( ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر ) [ ص: 347 ] لأنه جناية قذف ، وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان فوجب التعزير ( وكذا إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث أو يا سارق ) لأنه آذاه وألحق الشين به ، ولا مدخل للقياس في الحدود فوجب التعزير ، إلا أنه يبلغ بالتعزير غايته في الجناية الأولى لأنه من جنس ما يجب به الحد ، وفي الثانية : الرأي إلى الإمام ( ولو قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر ) لأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه . وقيل في عرفنا يعزر لأنه يعد شينا ، وقيل إن كان المسبوب من الأشراف كالفقهاء والعلوية يعزر لأنه يلحقهم الوحشة بذلك ، وإن كان من العامة لا يعزر ، [ ص: 348 ] وهذا أحسن . .

التالي السابق


( قوله ومن قذف عبدا أو أمة أو أم ولد أو كافرا بالزنا عزر ) بالإجماع إلا على قول داود في العبد فإنه يحد به . وقول ابن المسيب في الذمية التي لها ولد مسلم قال : يحد به ، [ ص: 347 ] وإنما عزر ( لأنه ) أي هذا الكلام ( جناية قذف وقد امتنع وجوب الحد على القاذف لفقد الإحصان فوجب التعزير وكذا إذا قذف مسلما بغير الزنا فقال يا فاسق أو يا كافر أو يا خبيث أو يا سارق ) ومثله يا لص أو يا فاجر أو يا زنديق أو يا مقبوح يا ابن القحبة يا قرطبان يا من يعمل عمل قوم لوط أو يا لوطي أو قال أنت تلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث يا مخنث يا خائن يا مأوى الزواني يا مأوى اللصوص يا منافق يا يهودي عزر هكذا مطلقا في فتاوى قاضي خان .

وذكره الناطفي وقيده بما إذا قال لرجل صالح ، أما لو قال لفاسق يا فاسق أو للص يا لص أو للفاجر يا فاجر لا شيء عليه ، والتعليل يفيد ذلك وهو قولنا إنه آذاه بما ألحق به من الشين ، فإن ذلك إنما يكون فيمن لم يعلم اتصافه بهذه ، أما من علم فإن الشين قد ألحقه هو بنفسه قبل قول القائل .

وقيل في يا لوطي يسأل عن نيته إن أراد أنه من قوم لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فلا شيء عليه ، وإن أراد أنه يعمل عملهم عزر على قول أبي حنيفة وعندهما يحد ، والصحيح أنه يعزر إن كان في غضب ، قلت : أو هزل ممن تعود بالهزل بالقبيح ، ولو قذفه بإتيان ميتة أو بهيمة عزر . قال المصنف ( إلا أنه يبلغ بالتعزير غايته في الجناية الأولى ) وهو ما إذا قذف غير المحصن بالزنا ( لأنه من جنس ما يجب به الحد ) وهو الرمي بالزنا ( وفي الثانية ) وهو ما إذا قذفه بغير الزنا من المعاصي ( الرأي إلى الإمام ) ( قوله ولو قال يا حمار أو يا خنزير لم يعزر ) لأنه لم ينسبه إلى شين معصية ولم يتعلق به شين أصلا ، بل إنما ألحق الشين بنفسه حيث كان كذبه ظاهرا ، ومثله يا بقر يا ثور يا حية يا تيس يا قرد يا ذئب يا حجام يا بغاء يا ولد حرام يا عيار يا ناكس يا منكوس يا سخرة يا ضحكة يا كشحان يا أبله يا ابن الحجام وأبوه ليس بحجام يا ابن الأسود وأبوه ليس كذلك يا كلب يا رستاقي يا مؤاجر يا موسوس لم يعزر .

والحق ما قاله بعض أصحابنا أنه يعزر في الكشحان إذ قيل إنه قريب من معنى القرطبان والديوث ، والمراد به وبالقرطبان في العرف الرجل الذي يدخل الرجال على امرأته ، ومثله في ديار مصر والشام المعرص والقواد ، وعدم التعزير في الكلب والخنزير ونحوهما هو ظاهر الرواية بين علمائنا الثلاثة ، واختار الهندواني أنه يعزر به وهو قول الأئمة الثلاثة لأن هذه الألفاظ تذكر للشتيمة في عرفنا . في فتاوى قاضي خان في يا كلب لا يعزر . قال : وعن الفقيه أبي جعفر أنه يعزر لأنه يعد شتيمة ثم قال : والصحيح أنه لا يعزر لأنه كاذب قطعا انتهى . وفي المبسوط : فإن العرب لا تعده شتيمة ولهذا يسمون بكلب وذئب .

وذكر قاضي خان عن أمالي أبي يوسف في يا خنزير يا حمار يعزر ، ثم قال : وفي رواية لمحمد لا يعزر ، وهو الصحيح ، والمصنف استحسن التعزير إذا كان المخاطب من الأشراف فتحصلت ثلاثة : المذهب وهو ظاهر الرواية لا يعزر مطلقا ، ومختار الهندواني يعزر مطلقا . والمفصل بين كون المخاطب من الأشراف فيعزر قائله [ ص: 348 ] أو لا فلا ، ويعزر في مقامر وفي قذر ، قيل وفي بليد وأنا أظن أنه يشبه يا أبله ولم يعزروا به




الخدمات العلمية