الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن أكراها لمكة ورجعت بحالها ، إلا أنه حبسها عن أسواقها ، فلك قيمتها يوم كرائه ، ولا كراء [ ص: 28 ] أو أخذه وأخذها ، وبدفعها مدعيا أنك أمرته به ، وحلفت وإلا حلف ، وبرئ ، إلا ببينة على الآمر ، ورجع على القابض

التالي السابق


( وإن كراها ) أي المودع بالفتح الوديعة بلا إذن مودعها بالكسر لشخص يركبها أو يحمل عليها متاعا ( لمكة ) المشرفة مثلا فانتفع بها المكتري ( ورجعت ) الوديعة ( بحالها ) الذي كانت عليه سالمة ( إلا أنه ) أي إكراءها ( حبسها ) أي أخر الوديعة ( عن ) بيعها لو كانت حاضرة في ( أسواقها ) التي ارتفعت قيمتها فيها ( فلك ) يا مودع بالكسر ( قيمتها ) أي الوديعة معتبرة ( يوم ) عقد ( كرائه ) أي المودع بالفتح الوديعة إذ هو يوم التعدي عليها ( و ) إذا أخذت قيمتها يوم كرائها ف ( لا كراء ) لك فهو للمودع بالفتح لأنه قد تبين ملكه الوديعة يوم إكرائها ( أو ) لك ( أخذه ) أي كراء الوديعة الذي أكراها به المودع بالفتح ( و ) لك ( أخذها ) أي الوديعة مع كرائها . [ ص: 28 ] ق " فيها لابن القاسم ومن أودعته إبلا فأكراها إلى مكة ورجعت بحالها إلا أنه حبسها عن أسواقها ومنافعك بها فأنت مخير في تضمينه قيمتها يوم تعديه ولا كراء لك ، أو تأخذها وتأخذ كراءها وكذلك المستعير يزيد في المسافة أو المكتري .

( و ) تضمن ( ب ) سبب ( دفعها ) أي الوديعة من مودعها بالفتح لشخص غيرك حال كونه ( مدعيا أنك ) يا مودع بالكسر ( أمرته ) أي مودعها بالفتح ( به ) أي دفع الوديعة لذلك الشخص وأنكرت ذلك ( وحلفت ) يا مودع أنك لم تأمر به ( وإلا ) وأي إن لم تحلف على عدم أمرك ( حلف ) المودع بالفتح أنك أمرته به ( و ) إن حلف ( برئ ) من ضمانها وإن لم يحلف ضمنها في كل حال ( إلا ب ) شهادة ( بينة على الأمر ) منك بدفعها لذلك الشخص ، هذا على ضبطه بالقصر وسكون الميم ، ويحتمل المد وكسر الميم فلا يضمنها المودع ، وإذا غرم المودع بالفتح عوض الوديعة ( رجع ) المودع بالفتح ( على القابض ) بعوض ما غرمه إن شاء . " ق " فيها لابن القاسم من أودعته وديعة فادعى أنك أمرته بدفعها إلى فلان ففعل وأنكرت أنت أن تكون أمرته به فهو ضامن إلا أن تقوم بينة أنك أمرته به . أشهب وسواء أودعته ببينة أو بغير بينة . سحنون ويحلف ربها ، فإن نكل حلف المودع وبرئ وإن غرمها الدافع فله أن يرجع على الذي قبضها فيأخذها منه .

( تنبيهات )

الأول : لو مات المودع بالكسر وادعى المودع بالفتح أنه أمره بدفعها إلى فلان ودفعها له فيضمنها ، ويحلف الوارث على نفي علمه بأمره به .

الثاني : في كتاب صدقاتها لو دفعت في حال صحتك مالا لمن يفرقه في سبيل الله تعالى أو في الفقراء ، ثم مت أنت قبل إنفاذه ، فإن كنت أشهدت على ذلك فإنه ينفذ ما فات وما [ ص: 29 ] بقي من رأس المال ، وإن لم تشهد فالباقي لورثتك ولو فرق باقيه بعد موتك ضمنه لوارثك . عياض معناه أن الورثة مقرون بذلك ولو نازعوه لضمن ما فرق ، وما بقي إن لم يشهد أن يحلف منهم من يدعي علمه بذلك ممن يظن به علمه بذلك . أبو الحسن أي نازعوه في أمر الميت به .

الثالث : اللخمي ليس على المودع بالفتح أن يسلم الوديعة بأمارة المودع بالكسر ولا بكتابة وإن اعترف المودع أنه خطه إلا أن يثبت الرسول عند الحاكم أنه خط المودع . محمد لأن صاحب الحق ولو كان حاضرا لم يأخذها حتى يشهد له بما يبرأ به ، يريد أن من حقه الإبراء وإشهاده على القابض لأنه لا يبرأ إذا جحد المودع إلا أن يعترف المودع أنه رضي لصاحبها بتسليمها بذلك أو رضي الآن بتسليمها بذلك ، فيلزمه ما رضي به . وإن رضي أن يدفعها للرسول بغير أمارة ولا كتاب الوديعة عين والمودع موسر جاز برضاه ولزمه ما ألزم نفسه من ذلك . فإن أنكر المودع أن يكون أرسله قام المودع بالمثل ، فإن لم تكن عينا أو المودع معسر لم يجز ورد رضاه لأن في ذلك ضررا على صاحبها إن قال لم أبعث إلا أن يكون الرسول ثقة مأمونا ممن يغلب على الظن صدقه فيمكن من قبضها ، ويلزم الآخر ما رضي به .

الرابع : إذا رفع المودع الوديعة لغير المودع بأمارة أو كتاب بلا ثبوت أو بمجرد قول الرسول ، ثم قدم المودع وأنكر بعثه فالقول قوله بيمينه أنه لم يبعثه ولم يكتبه ثم يكون بالخيار بين أن يغرم الرسول أو المودع . فإن أغرم الرسول فلا يرجع بها على المودع . واختلف إذا أغرمها المودع هل يرجع بها على الرسول فقال ابن القاسم في المدونة إذا صدق الرسول ودفع إليه ثم قدم المودع وأنكر وأغرم المودع كان له أن يرجع بها على الرسول . وقال أشهب في مدونته لا يرجع بها . وقال ابن المواز إذا دفع بالكتاب أو بإمارة ثم أنكر المودع وحلف ثم أغرم المودع كان له أن يرجع على القابض ، وعلى قول أشهب لا يرجع عليه . وإن قال المودع أمرتني أن أدفعها إلى فلان صدقه عليه وأنكر صاحبها ذلك وأن يكون أذن له في إخراجها من يده فالقول قوله بيمينه ثم يغرمها أيهما شاء فإن [ ص: 30 ] رجع على متلفها فلا يرجع بها على الرسول ، واختلف إذا رجع بها صاحبها على الرسول هل يرجع الرسول على من قبضها منه ، فعلى قول أشهب لا يرجع عليه . وقال عبد الملك يرجع وأرى الرجوع في هذه الأسئلة الأربعة مفترقا فيسقط رجوعه في كل موضع يعترف فيه المودع بأن القابض قبض صحيحا بأن دفع له بخط المودع أو أمارته ، أو بقوله له ادفعها له صدقة عليه ، وإن كان دفعها له بمجرد قوله أرسلني إليك فيرجع عليه لأنه يقول حملت قوله على أن المودع مصدق له ، ولو علمت أنه يخالفك ما دفعتها إليك .

الخامس : في المسائل الملقوطة لا يجوز للمودع دفع الوديعة بأمارة أو بكتاب ، فإن فعل وجاء المودع وأنكر حلف ما أمره ولا كتب إليه بذلك وأنه لا حق له عليه وغرمه مثلها أو قيمتها ، ثم يرجع المودع على القابض منه ولا يمنعه منه تصديقه فيما أتى به ولا معرفته بصحة ما جاء به وشهادته بذلك قاله ابن سهل . ا هـ . وذكرها في موضع آخر ، ثم قال وكذا المحال عليه والوكيل ولا يجبرون على الدفع إلا ببينة على المرسل .

السادس : يجب على المودع حفظ الوديعة من التلف ولو أذن له ربها فيه ويضمنها إن أتلفها . ابن سلمون في كتاب الاستغناء إن قال ربها للمودع ألقها في البحر أو في النار ففعل فهو ضامن للنهي عن إضاعة المال كمن قال لرجل اقتلني أو ولدي ولا شك في الحرمة . وأما الضمان ففيه نظر والظاهر دخول الخلاف فيه لإذن المالك في ذلك كمن أذن لرجل في قطع يده .

.



الخدمات العلمية