الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وليس له الأخذ منها لمن ظلمه بمثلها ، [ ص: 44 - 45 ] ولا أجرة حفظها ، بخلاف محلها ، ولكل تركها

التالي السابق


( و ) من ظلمه إنسان في مال ثم أودع الظالم عنده مالا قدر ماله أو أكثر ف ( ليس له ) أي المودع بالفتح ( الأخذ منها ) أي الوديعة حال كونها مملوكة ( لمن ظلمه ) أي المودع بالفتح في بيع أو إيداع أو غصب ( بمثلها ) أي الوديعة عند الإمام مالك رضي الله تعالى عنه . في المدونة لحديث { أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك } . ابن عرفة من ظفر بمال لمن جحده مثله ففيه اضطراب ، وقال في فصل الدعوى فيه أربعة أقوال المنع والكراهة والإباحة والاستحباب .

المازري من غصب منه شيء وقدر على استرداده مع الأمن من تحريك فتنة وسوء عاقبة [ ص: 44 ] بأن يعد سارقا ونحوه جاز له أخذه ولا يلزمه الرفع إلى الحاكم ، وأما العقوبة فلا بد من الحاكم . ابن عرفة من قدر على أخذ حقه المالي ممن هو عليه ، ففيه طرق . ابن رشد من أودع رجلا وديعة فجحده إياها ثم استودعه وديعة أو ائتمنه على شيء ، ففي المدونة لا يجحده . وروى ابن وهب له أخذه إن لم يكن عليه دين ، فإن كان فبقدر حصاصه منه . المازري هو المشهور . وقاله ابن عبد الحكم له أن يأخذ وإن كان عليه دين .

وقال اللخمي إن كان عليه دين لغرماء عالمين بفلسه أو شاكين وتركوه يبيع ويشتري جاز له حبس جميعها ، وإن كان ظاهره عندهم اليسر ، ولو علموا ضربوا على يديه جاز له أخذ ما لا يشك أنه يصير له في المحاصة ، وإن كانت الوديعة عرضا فله بيعها ويحبس من ثمنها ماله عليه . المازري لا يأخذ العرض يتملكه عوض حقه لأنه إلزام للبائع المستحق عليه أن يعوض عنه بغير اختياره ، وسامح بعضهم في هذا للضرورة . قال وإذا قلنا بالمشهور أنه لا يتملكه فهل له بيعه بنفسه لأنه إن رفعه للقاضي كلفه إثبات دينه اختار بعض أشياخي هذا ، ويبيع بنفسه للضرورة التي نبهنا عليها .

ابن يونس يجوز له أخذ قدر ما ينوبه وإن كان للغرماء الدخول معه فيه للضرورة التي تلحقه ، لو أظهر ذلك فمتى لم يضر بالغرماء ، وأخذ ما ينوبه جاز له ذلك . وقال بعض فقهائنا فإن حلف فحلف ما ضره ذلك كالمكره على اليمين في أخذ ماله فيحلف ولا يضره ذلك . اللخمي مالك " رضي الله عنه " إنما يجوز له أن يجحده إذا أمن أن يحلفه كاذبا يريد أن المودع يقول له احلف لي أني ما أودعتك . وقيل يحلف ما أودعتني شيئا يلزمني رده . وقيل ينوي مثله أو يحرك به لسانه ، وكل ذلك واسع والصواب أن له أن يجحد ما أودعه مكان حقه عليه لقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } ولحديث هند . وقيل معنى { لا تخن من خانك } لا تأخذ فوق حقك ا هـ .

وحاصل كلام ابن يونس وكلام المازري ترشيح جواز الأخذ . وفي المقدمات أظهر الأقوال إباحة الأخذ . ابن يونس مالك رضي الله تعالى عنه في ميت أوصى لصغير [ ص: 45 ] بدنانير ولم يشهد عليها إلا الوصي ، فإن خفي له دفع ذلك حتى لا يتبع به فله دفعه دون السلطان ، وكذلك لو رفعه فلم يقبل شهادته السلطان ، ثم خفي له دفع ذلك فهو له .

( ولا ) أي وليس للمودع بالفتح ( أجرة حفظها ) أي الوديعة لأنه ليس من سنتها ولخروجها يأخذ الأجرة عليه عن اسمها . ابن عبد السلام أما أجرة الحفظ فقد اطردت العادة بإطراحها وأن المودع لا يطلب أجرته ، وبهذا سقطت ، وإلا فالحفظ يجوز الأجرة عليه لأن المذهب جواز الأجرة على الحراسة .

( بخلاف ) أجرة ( محلها ) أي الوديعة فللمودع بالفتح أخذها ابن الحاجب له أجرة موضعها دون حفظها ، أي إذا كانت مما يشغل منزلا فطلب أجرة موضعها فذلك له . ابن عبد السلام أطلق المصنف وغيره هذا ، وعندي أنه يقيد بمن يقتضي حاله طلب الأجرة كما هو مذهب المدونة في رب الدابة يأذن لرجل في ركوبها فيقول راكبها إنما ركبتها عارية ويقول ربها إنما هو بإجارة فالقول لربها إن كان مثله يكري الدواب ، ولم يعتد المصنف به هنا مع أنه ذكره في توضيحه وأقره قاله تت ( ولكل ) من المودع بالكسر والمودع بالفتح ( ترك ) إيداع ( ها ) أي الوديعة بعد وقوعه فلربها أخذها ، وللأمين ردها . ابن شاس الإيداع من حيث ذاته مباح للفاعل والقابل ، وقد يعرض وجوبه إلى آخر ما تقدم .




الخدمات العلمية