الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويصدق مدعي البلوغ بالاحتلام أو الحيض بلا يمين ولو في خصومة ; لأنه لا يعرف إلا من جهته ، ولأنه إن صدق فلا يحلف وإلا فكيف يحلف مع صغره .

                                                                                                                            نعم إن كان من الغزاة وطلب سهم المقاتلة أو إثبات اسمه في الديوان حلف عند التهمة ، وسيأتي ذلك في باب الإقرار ( والرشد صلاح الدين والمال ) جميعا كما فسر به آية { فإن آنستم منهم رشدا } ; لأنه نكرة في سياق الشرط ، وهي للعموم ، وشمل كلامه الكافر فيعتبر فيه ما هو صلاح عندهم في الدين والمال كما نقله في الروضة عن القاضي أبي الطيب وغيره وأقراه .

                                                                                                                            ثم بين صلاح الدين بقوله ( فلا يفعل محرما يبطل العدالة ) من كبيرة أو إصرار عن صغيرة مع عدم غلبة الطاعات المعاصي ، واحترز بالمحرم عما يمنع قبول الشهادة لإخلاله [ ص: 362 ] بالمروءة كالأكل في السوق فلا يمنع الرشد ; لأن الإخلال بالمروءة ليس بحرام على المشهور ، ولو شرب النبيذ المختلف فيه ففي التحرير والاستذكار إن كان يعتقد حله لم يؤثر ، أو تحريمه فوجهان أوجههما التأثير ، وإصلاح المال بقوله ( ولا يبذر بأن يضيع المال ) أي جنسه ( باحتمال غبن فاحش في المعاملة ) ونحوها ، وهو ما لا يحتمل غالبا كما سيأتي في الوكالة بخلاف اليسير كبيع ما يساوي عشرة بتسعة ، ومحل ذلك كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى عند جهله بحال المعاملة ، فإن كان عالما وأعطى أكثر من ثمنها كان الزائد صدقة خفية محمودة ( أو رميه ) أي المال وإن قل ( في بحر ) أو نار أو نحوهما ( أو إنفاقه في محرم ) ولو صغيرة لما فيه من قلة الدين ، والتبذير الجهل بمواقع الحقوق ، والسرف الجهل بمقادير الحقوق ، قاله الماوردي في أدب الدين والدنيا .

                                                                                                                            وكلام الغزالي يقتضي ترادفهما ، ومراد المصنف بالإنفاق الإضاعة ; لأنه يقال في المخرج في الطاعة إنفاق ، وفي المكروه والمحرم إضاعة وخسران وغرم ، وظاهر كلامهم عدم إلحاق الاختصاص هنا بالمال وهو محتمل ، ويحتمل خلافه ( والأصح أن صرفه ) أي المال وإن كثر ( في الصدقة و ) باقي ( وجوه الخير ) هو من عطف العام على الخاص ، وهو وارد شائع في الكتاب والسنة كالعتق ( والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير ) أما في الأولى فلما في السرف في الخير من غرض الثواب ، ولا سرف في الخير كما لا خير في السرف ، وحقيقة السرف ما لا يكسب حمدا في العاجل ولا أجرا في الآجل .

                                                                                                                            وقيل يكون بذلك مبذرا إن بلغ مفرطا في الإنفاق وإن عرض له ذلك بعد البلوغ مقتصدا فلا .

                                                                                                                            وأما في الثانية فلأن المال يتخذ لينتفع به ويلتذ .

                                                                                                                            وقيل يكون تبذيرا عادة .

                                                                                                                            وقضية ما تقرر أنه ليس بحرام .

                                                                                                                            نعم [ ص: 363 ] إن صرفه في ذلك بطريق الاقتراض له ، وهو لا يرجو وفاءه من سبب ظاهر فحرام كما يأتي في قسم الصدقات

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : مدعي البلوغ بالاحتلام ) بخلاف مدعيه بالسن فلا يقبل إلا ببينة

                                                                                                                            ( قوله : وإلا فكيف يحلف ) قضية ما ذكر أنه لو وقعت الدعوى عليه بعد البلوغ في تصرف صدر قبل تحقق البلوغ كأن ادعى عليه أنه اشترى من سنتين مثلا وكان صبيا فادعى هو أنه كان بالغا حلف ; لأن حلفه ينفي صباه ، لكنه إنما وقع بعد البلوغ فلا يقال فيه إن الصبي لا يحلف

                                                                                                                            ( قوله : حلف عند التهمة ) أي وجوبا ( قوله : ; لأنه نكرة ) قال سم على حج : قد يشكل على العموم هنا أن دلالة العام كلية بمعنى أن الحكم متعلق بكل فرد فرد ، ولكل من صلاح المال وصلاح الدين أفراد كثيرة ، فإن تعلق الحكم بكل واحد اقتضى الاكتفاء في دفع الأموال إليهم بوجود أي فرد من أفراد الصلاحين وهو خلاف مذهبهم وإن تعلق بالمجموع على خلاف الأصل في العام اقتضى أنه لا بد من غاية كل من الصلاحين ; لأنها من الأفراد فليتأمل ا هـ .

                                                                                                                            أقول : وقد يجاب بأن المراد التعلق بالمجموع على معنى أنه متى تحقق ما يصدق عليه المجموع وجد الرشد وهو بهذا المعنى لا يتوقف على بلوغ الغاية ( قوله : من كبيرة ) مطلقا ا هـ حج : أي غلبت الطاعات أو لا [ ص: 362 ] قوله ; لأن الإخلال بالمروءة ليس بحرام ) ومن الإخلال المحافظة على ترك الرواتب أو بعضها فترد بها الشهادة وليست محرمة ، وعبارة شرح الورقات الكبير للعلامة سم نصها : فالواجب ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه ، والمراد بتركه كف نفسه عنه ، لا تكليف إلا بفعل ، وهو في النهي الكف ، والمراد العقاب في الآخرة كما هو المتبادر فلا يرد قتال أهل بلد اتفقوا على ترك الأذان أو العيد على وجه مرجوح ، ولا رد شهادة من واظب على ترك رواتب النوافل ، على أن الفزاري أجاب عن الأول بأن المقاتلة لم تكن على نفس الترك بل على لازمه ، وهو الإخلال في الدين وهو حرام ا هـ وفيه نظر .

                                                                                                                            وعلى الثاني بأن رد الشهادة ليس عقابا بل هو عدم أهلية مرتبة شرعية انتهى

                                                                                                                            ( قوله : على المشهور ) أي ما لم يكن متحملا للشهادة ( قوله : ففي التحرير ) للجرجاني

                                                                                                                            ( قوله : والاستذكار ) للدارمي

                                                                                                                            ( قوله : إن كان يعتقد حله ) كالحنفي

                                                                                                                            ( قوله : أو تحريمه ) كالشافعي ( قوله : أي جنسه ) أي وإن لم يكن متمولا ( قوله : كبيع ما يساوي عشرة بتسعة ) أي من الدراهم وخرج الدنانير فلا يحتمل ذلك فيها

                                                                                                                            ( قوله : وأعطى ) ولو كان المعطى له غنيا ; إذ لا تمتنع محاباته وتجوز الصدقة عليه ( قوله : وكلام الغزالي إلخ ) وهو ظاهر بناء على أن الصرف في المآكل اللذيذة ونحوها ليس تبذيرا ، وغير ظاهر على أنه تبذير يحجر به مع كونه ليس حراما

                                                                                                                            ( قوله : في الطاعة ) سكت عن المباح ، ولعله أراد بالطاعة ما يشمله

                                                                                                                            ( قوله : ويحتمل خلافه ) وهو المعتمد : أي فيلحق بالمال فيحرم إضاعة ما يعد منتفعا به منه عرفا ويحجر بسببه ( قوله كالعتق ) تصوير لوجوه الخير إلخ

                                                                                                                            ( قوله : أما في الأولى ) هي الصدقة ووجوه الخير

                                                                                                                            ( قوله : مقتصدا ) أي متوسطا

                                                                                                                            ( قوله : وأما في الثانية ) هي المطاعم والملابس إلخ ( قوله : ويلتذ ) أي به ( قوله : وقضية ما تقرر إلخ ) وهل [ ص: 363 ] يكره ؟ نعم قاله المؤلف وهو ظاهر ( قوله : وهو لا يرجو وفاءه ) أي حالا ، والكلام محله حيث لم يعلم المقرض بحاله ا هـ حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : من كبيرة أو إصرار على صغيرة ) أي عند البلوغ بدليل ما سيأتي في المتن أنه لو فسق : أي بفعل الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة بعد البلوغ لم يحجر عليه الصادق ذلك بقلة الزمن بين البلوغ وبين الفسق وكثرته ، وعليه فلا يتحقق السفه إلا فيمن أتى بالمفسق مقارنا للبلوغ ، وحينئذ فالبلوغ على السفه في غاية الندور كما لا يخفى فلينظر هنا الاقتضاء [ ص: 362 ] مراد أو لا . ( قوله : ليس بحرام على المشهور ) ومقابل المشهور وجهان : أحدهما : الحرمة مطلقا . والثاني : إن كان قد تحمل شهادة كما حكى ذلك العلامة ابن رزين ، وليراجع ما سيأتي للشارح في الشهادات . ( قوله : كما أفاده الوالد ) أي تبعا لغيره . ( قوله : هو من عطف العام على الخاص ) لا يلاقي هذا تقديره لفظ باقي في المتن ; إذ باعتباره يكون من عطف المغاير .

                                                                                                                            والحاصل أنه يجاب عن المتن بجوابين : أحدهما أنه على حذف المضاف الذي قدره الشارح . والثاني : أنه من عطف العام على الخاص . ( قوله : وحقيقة الصرف إلخ ) هذا يوافق ما اقتضاه كلام الغزالي من ترادف [ ص: 363 ] التبذير والسرف كما صرح به الشهاب ابن حجر




                                                                                                                            الخدمات العلمية