الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            فصل فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة ( يجب ) يعني يتعين لدفع الخيار الآتي على المكري ( تسليم مفتاح ) ضبة ( الدار ) معها ( إلى المكتري ) لتوقف الانتفاع عليه وهو أمانة بيده ، فلو تلف ولو بتقصير فعلى المكري تجديده ، فإن امتنع لم يجبر ولم يأثم . نعم يتخير [ ص: 298 ] المكتري ويجري ذلك في جميع ما يأتي ، ( وقول القاضي بانفساخها في مدة المنع غير ظاهر ) لتقصيره بعدم الفسخ مع ثبوت الخيار له . نعم لو كان جاهلا بثبوته وهو ممن يعذر احتمل ما قاله ، وخرج بالضبة القفل فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه لأنه منقول وليس بتابع ( وعمارتها على المؤجر ) الشاملة لنحو تطيين سطح وإعادة رخام قلعه هو أو غيره كما هو ظاهر ولا نظر لكون الفائت به مجرد الزينة لأنها غرض مقصود ومن ثم امتنع على المؤجر قلعه ابتداء ودواما وإن احتاجت لآلات جديدة ( فإن ) ( بادر ) أي قبل مضي مدة لمثلها أجرة ( وأصلحها ) أو سلم المفتاح فذاك ( وإلا ) بأن لم يبادر ( فللمكتري ) قهرا على المؤجر ( الخيار ) إن نقصت المنفعة بين الفسخ والإبقاء لتضرره ومن ثم زال بزواله .

                                                                                                                            ولو وكف السقف تخير حالة وكفه فقط إلا أن يتولد منه نقص ، وبحث الولي العراقي سقوطه [ ص: 299 ] بالبلاط بدل الرخام لأن التفاوت بينهما ليس له كبير وقع ، وأنه لو شرط إبقاء الرخام فسخ بخلف الشرط ، ومحل ما تقرر في الحادث ، أما مقارن علم المكترى به فلا خيار له ، وإن علم أنه من وظيفة المكري لتقصيره بإقدامه مع علمه به ، هذا كله فيمن تصرف عن نفسه ، أما المتصرف عن غيره والناظر فتجب عليه العمارة عند تمكنه منها لكن لا من حيث الإجارة ، ويلزم المؤجر أيضا انتزاع العين ممن غصبها حيث قدر على تسليمها ابتداء أو دواما إن أراد دوام الإجارة ، وإلا فللمكتري الخيار كدفع نحو حريق ونهب عنها ، فإن قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه كالوديع . ويؤخذ منه أنه لو قصر ضمن وأنه لا يكلف النزع من الغاصب وإن سهل عليه كالمودع كما هو مصرح به في كلامهم ( وكسح الثلج ) أي كنسه ( عن السطح ) الذي لا ينتفع به الساكن كالجملون ( على المؤجر ) بالمعنى السابق ( وتنظيف عرصة الدار ) وسطحها الذي ينتفع ساكنها به كما بحثه ابن الرفعة ( عن ثلج ) وإن كثر ( وكناسة ) حصلا في دوام المدة وهي ما يسقط من نحو قشر وطعام .

                                                                                                                            ومثلها رماد الحمام كما اعتمده ابن الرفعة ورماد غيره كذلك ( على المكتري ) بمعنى أنه لا يجبر عليه المكري لتوقف كمال انتفاعه لا أصله على رفع الثلج ، ولأن الكناسة من فعله ، والتراب الحاصل بالريح لا يلزم واحدا منهما نقله ، وبعد انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة ، [ ص: 300 ] وعليه بالمعنى المار تفريغ بالوعة وحش مما حصل فيهما بفعله ، ولا يجبر على ذلك بعد انقضاء المدة ، وفارقا الكناسة بأنهما نشآ عما لا بد منه بخلافها ، وبأن العرف فيها رفعها أولا فأولا بخلافهما ، ويلزم المؤجر تسليمهما عند العقد فارغين وإلا ثبت للمكتري الخيار ولو مع علمه بامتلائهما ، ويفارق ما مر من عدم خياره بالعيب المقارن بأن استيفاء منفعة السكنى تتوقف على تفريغه ، بخلاف تنقية الكناسة ونحوها للتمكن من الانتفاع مع وجودهما .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) فيما يلزم المكري أو المكتري ( قوله فيما يلزم المكري أو المكتري إلخ ) أي وما يتبع ذلك من انفساخ الإجارة بتلف الدابة وغيره ( قوله : أو المكتري ) الأولى حذف الألف وبه عبر حج ( قوله : لدفع الخيار ) أي لا لدفع الإثم ( قوله : تسليم مفتاح إلخ ) .

                                                                                                                            [ فرع ] هل تصح إجارة دار لا باب لها ؟ فيه نظر ، وقد يتجه الصحة إن أمكن الانتفاع بها بلا باب كأن أمكن التسلق من الجدار ، وعلى الصحة فهل يثبت الخيار للجاهل كأن رآها قبل ثم سد بابها ثم استأجرها اعتمادا على الرؤية السابقة الوجه الثبوت فلتراجع المسألة ا هـ سم على حج ( قوله : فعلى المكتري تجديده ) أي مع ضمان المكتري لقيمته الآن إن تلف بتقصير لا ما صرفه عليه ( قوله : فإن امتنع لم يجبر ) أي من التجديد ، وقضية قوله أولا [ ص: 298 ] في تفسير قول المصنف يجب : يعني يتعين لدفع الخيار لأنه لا يجبر على تسليم المفتاح أيضا ولا يأثم بامتناعه وهو مشكل ، فإنه حيث صحت الإجارة استحق المكتري المنفعة على المكري ، فعدم التسليم والتجديد امتناع من حق توجه عليه فعله ، فالقياس أنه يأثم بعدمه ويجبر على التسليم ، وقد تقدم أن البائع يجبر على تسليم المبيع حيث قبض الثمن أو كان مؤجلا ( قوله : وقول القاضي بانفساخها في مدة المنع ظاهر ) وفي نسخة غير ظاهر لتقصيره بعدم الفسخ مع ثبوت الخيار له . نعم لو كان جاهلا بثبوته وهو ممن يعذر احتمل ما قاله ا هـ .

                                                                                                                            ولعل ما في الأصل هو الذي رجع إليه ، ووجهه أنه بامتناع المؤجر من تسليم المفتاح فات جزء من المنفعة المعقود عليها فينفسخ فيها العقد كتلف بعض المبيع تحت يد البائع ، وذلك مقتض لثبوت الخيار لتفريق الصفقة عليه ، وفي سم على حج ما يصرح بذلك حيث قال ما نصه : قوله قال القاضي وينفسخ في مدة المنع ما قاله القاضي ظاهر شرح م ر . ويؤيده ويوافقه ما سيأتي في غصب نحو الدابة من ثبوت الخيار والانفساخ في كل مدة مضت في زمن الغصب ، وإن لم ينفسخ ففي التنظير في كلام القاضي وتخصيص صحته بحالة الجهل المذكورة نظر ( قوله : وخرج بالضبة القفل ) أي ولو لم يكن لها غلق غيره ( قوله : قلعه هو ) أي المؤجر أو غيره ولو المكتري وضمانه لما فعله لا يسقط خياره حيث لم يعده المكري ( قوله : لكون الفائت به ) أي الرخام وقوله لأنها أي الزينة ( قوله : ومن ثم امتنع على المؤجر قلعه ) أي لأنه بإيجاره نقل المنفعة عن ملكه للمستأجر بتلك الصفقة فقلع الرخام أو نحوه تفويت لحق المستأجر ( قوله : وإن احتاجت ) غاية ( قوله ومن ثم زال ) أي الخيار وقوله بزواله : أي الضرر ، وقوله ولو وكف : أي نزل المطر منه .

                                                                                                                            ( قوله : إلا أن يتولد منه نقص ) يؤخذ مما سيأتي في مسألة الدابة أنه لو كان الوكف لخلل في السقف لم يعلم به قبل أن يستحق أرش النقص لما مضى سواء فسخ الإجارة أم لا ( قوله : وبحث الولي العراقي سقوطه ) أي الخيار ، والمعتمد عدم [ ص: 299 ] السقوط لما تقدم من أن الزينة به مقصودة وقد فاتت ( قوله : لتقصيره بإقدامه مع علمه ) ومنه ما لو كانت الدار بلا باب كما تقدم عن سم ( قوله : فتجب عليه العمارة عند تمكنه ) أي حيث ترتب على عدمها ضرر للوقف أو المولى عليه أو الواقف ، أما لو كان الخلل يسيرا لا يظهر به تفاوت في الأجرة ولا غيرها كانصداع يسير في بعض السقف أو جدار فلا ( قوله : لكن لا من حيث الإجارة ) بل من حيث رعاية المصلحة للوقف وللمولى عليه ( قوله : ويؤخذ منه أنه لو قصر ضمن ) أي العين بقيمتها وقت الغصب ويكون للحيلولة حتى لو زالت يد الغاصب عنها ورجعت للمالك استردها المستأجر منه ( قوله وإن سهل عليه ) أي كما صمم عليه م ر خلاف ما صمم عليه طب ا هـ سم على منهج . وكتب أيضا : قوله وإن سهل عليه يتأمل هذا مع قوله أولا فإن قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه اللهم إلا أن يقال : إن عدم اللزوم إذا غرم القيمة للحيلولة واللزوم قبل غرمها فلا تنافي . ( قوله : كالجملون ) أي وكما لو كان السطح لا مرقى له وكتب أيضا قوله كالجملون قال في المنهج وإلا فيظهر أنه كالعرصة أي فيجب تنظيفه منه .

                                                                                                                            ( قوله : بالمعنى السابق ) أي أنه يتعين لدفع الخيار ( قوله : لا يلزم واحدا منهما نقله ) ظاهره وإن تعذر الانتفاع بها معه لأنه لا فعل فيه من المكري والمكتري متمكن من إزالته ، ومثله يقال في الكناسة بل عدم الخيار فيها أولى لأن الكناسة من فعله .

                                                                                                                            [ فائدة ] العرصة : كل بقعة بين الدور لا شيء فيها ، وجمعها عراص وعرصات .

                                                                                                                            [ فرع ] لو انهدمت الدار على متاع المستأجر وجب على المؤجر التنحية ا هـ سم على منهج . وكتب أيضا لطف الله به قوله لا يلزم واحدا منهما : أي لا في المدة ولا بعدها ، وعليه فلو اختلفا هل هو من الرياح أو غيرها فهل يصدق المكري أو المكتري ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن الأصل عدم لزوم النقل وبراءة ذمته ( قوله : يجبر المكتري على نقل الكناسة ) أي دون الثلج . قال حج : وكذا قبل انقضاء المدة إن أضرت بالسقف [ ص: 300 ] قوله : وعليه ) أي المكتري قبل انقضاء المدة ( قوله : تفريغ بالوعة وحش ) الحش بفتح الحاء وضمها كما في مختار الصحاح .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال في الدرس عما لو تعذر الحش هل يلزمه تفريغ الجميع أم تفريغ ما ينتفع به فقط ؟ والجواب عنه أن الظاهر الثاني ، وعليه فلو كان ما زاد تشوش رائحته على الساكن وأولاده هل يثبت له الخيار أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أن يقال فيه : إن كان عالما بذلك فلا خيار له وإلا ثبت له الخيار ( قوله : مما حصل فيهما بفعله ) أي ولا يجبر على ذلك وإن تولد منه ضرر للجدران ، فإن أراد المالك دفع الضرر فعله لحفظ ملكه ، وينبغي كما مر أن هذا فيمن يتصرف عن نفسه ، أما الناظر والولي فيجب عليهما ذلك عملا بالمصلحة ، هذا وقياس ما ذكره حج في الكناسة إجبار المكتري قبل انقضاء المدة على تفريغ البالوعة والحش حيث تولد منهما ضرر ، وهو قضية كلام سم على منهج ، والأقرب عدم اللزوم كما هو قضية كلام الشارح ، ويفرق بينهما وبين الكناسة بأنه جرت العادة في الكناسة بأن تزال شيئا فشيئا وأنه لا ضرورة إلى وجودها بخلاف البالوعة والحش .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال في الدرس عما لو اتسخ الثوب المؤجر وأريد غسله هل هو على المستأجر أو المؤجر ؟ والجواب عنه أن الظاهر أن يقال : يأتي فيه جميع ما قيل في الكناسة ، ويحتمل وهو الأقرب أن يأتي فيه ما في الحش فلا يجب عليه غسله لا قبل فراغ المدة ولا بعدها لأنه ضروري عادة في الاستعمال ( قوله : ولا يجبر على ذلك بعد انقضاء المدة ) بقي ما لو استأجر مدة تلي مدته ، فإن استأجر مدة أو مدتين في مجلس واحد في عقود متعددة فالكل كالمدة الواحدة ، وإن استأجر بعد فراغ مدته وطلب من المؤجر التفريغ لزمه ، فإن لم يفرغه ثبت للمكتري الخيار وإن كان الامتلاء بفعله لعدم لزوم التفريغ له ( قوله : بأنهما ) أي ما في البالوعة والحش ( قوله : وبأن العرف فيها ) أي الكناسة ( قوله فارغين ) أي على وجه يتأتى معه الانتفاع فلا يضر استعمالها بما لا يمنع المقصود منهما كما يؤخذ من قوله بأن استيفاء منفعة السكنى تتوقف ، وعليه فلو سلمهما له مشغولين بما لا يمنع المقصود ثم انتفع بهما المستأجر فصارا لا يمكن الانتفاع بهما بأن امتلآ هل يثبت للمكتري الخيار أم لا لأن عدم الانتفاع إنما نشأ عن فعله ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن منع الانتفاع إنما حصل بما كان موجودا قبل ، وكتب أيضا لطف الله به قوله فارغين لو اختلفا في الامتلاء وعدمه فهل يصدق المؤجر أو المستأجر ؟ فيه نظر ، والأقرب في ذلك الرجوع إلى القرائن ، فإذا كانت الإجارة منه منذ شهر مثلا صدق المستأجر وإلا صدق المؤجر أخذا مما قالوه فيما لو اختلفا في جراحة سائلة بالمبيع والبيع والقبض من أمس مثلا حيث قالوا فيه إن المصدق المشتري بلا يمين .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) فيما يلزم المكري أو المكتري .

                                                                                                                            ( قوله : ولو بتقصير ) ومعلوم أنه في حالة التقصير يضمنه وقد صرح به غيره ، وظاهر أن ضمانه بالقيمة ، [ ص: 298 ] وعبارة التحفة : وهو أمانة بيده ، فإذا تلف بتقصير ضمنه أو عدمه فلا ، وفيهما يلزم المكري تجديده انتهت .

                                                                                                                            وكان ينبغي للشارح أن يعبر بمثله وإلا فما فرعه على الأمانة لا تعلق له بها ( قوله : وقول القاضي بانفساخها في مدة المنع غير ظاهر ) لعل صورة المسألة أنه غير منتفع بالدار في تلك المدة كما هو ظاهر فليراجع .

                                                                                                                            واعلم أن هذا رجع إليه الشارح بعد أن كان تبع ابن حجر في التنظير في كلام القاضي ( قوله : وإن احتاجت لآلات جديدة ) غاية في المتن . ( قوله : بين الفسخ والإبقاء ) متعلق بالخيار . ( قوله : وبحث الولي العراقي سقوطه إلخ ) الظاهر أن الشارح لا يرتضي هذا أخذا من إطلاقه فيما مر امتناع قلعه وبقرينة التعليل المار مع إسناد هذا لقائله بحثا المشعر بعدم تسليمه [ ص: 299 ] فليراجع . ( قوله : وأنه لو شرط إبقاء الرخام إلخ ) صريح هذا السياق أنه بحث آخر لأبي زرعة وليس كذلك ، وإنما هو بحث لابن حجر كما يعلم بمراجعة تحفته ( قوله : فإن قدر عليه ) أي دفع نحو الحريق ( قوله : وأنه لا يكلف النزع من الغاصب ) أي : سواء توقف على خصومة أم لا ، لكن له النزع إن لم يتوقف على خصومة بخلاف ما إذا توقف عليها : أي : من حيث المنفعة فيخاصم ( قوله : بالمعنى السابق ) أي : إن أراد دوام الإجارة . ( قوله : بمعنى أنه لا يجبر عليه المكري ) [ ص: 300 ] أي مع لزوم تنظيفه عليه بعد المدة حتى يفارق الغبار الحاصل بالريح الآتي




                                                                                                                            الخدمات العلمية