الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والحريق والغارة ) الأفصح الإغارة ، ومع ذلك فما استعمله المصنف هنا أولى ; لأنها الأثر وهو العذر في الحقيقة ( في البقعة وإشراف الحرز على الخراب ) ولم يجد في الكل حرزا ينقلها إليه ( أعذار كالسفر ) في جواز إيداع من مر بترتيبه ( وإذا ) ( مرض ) مرضا ( مخوفا ) ( فليردها إلى المالك ) أو وليه ( أو وكيله ) العام أو الخاص بها ( وإلا ) بأن لم يمكن ردها لأحدهما ( فالحاكم ) الثقة المأمون يردها إليه ( أو أمين ) يردها إليه إن فقد الحاكم وسواء فيه هنا وفي الوصية الوارث وغيره ، فإن ظنه أمينا فبان غيره ضمن ; لأن الجهل لا يؤثر في الضمان

                                                                                                                            ومحل ذلك عند وضع يد المظنون أمانته عليه ، وإلا فلا ضمان على الوديع في أوجه الوجهين إذ لم يحدث فيها فعلا ( أو ) عطف على ما بعد إلا ليفيد ضعف قول التهذيب تكفيه الوصية وإن تمكن من ردها لمالكها ( يوصي بها ) إلى الحاكم ، فإن فقده فإلى أمين كما أومأ إليه كلامه المار من أن الحاكم مقدم على الأمين في الدفع ، فكذا في الإيصاء فالتخيير المذكور محمول على ذلك كما تقرر ، والمراد بالوصية الإعلام بها ووصفها بما يميزها أو يشير لعينها من غير أن يخرجها من يده ويأمر بالرد إن مات ، ولا بد مع ذلك من الإشهاد كما في الرافعي عن الغزالي وأسقطه من الروضة وجزم به في الكفاية ، فإن لم يوجد في تركته ما أشار إليه أو وصفه فلا ضمان كما رجحه جمع متقدمون وإن أطال البلقيني في الانتصار لخلافه .

                                                                                                                            [ ص: 119 ] ولا ضمان فيما إذا علم تلفها بعد الوصية بها بلا تفريط في حياته أو بعد موته وقبل تمكن الوارث من الرد ، ورجح المتولي وغيره ضمان وارث قصر بعدم إعلام مالك جهل الإيصاء أو بعدم الرد بعد طلبه وتمكنه منه ، وإن وجد ما هو بتلك الصفة من غير تعدد لم يقبل قول الوارث أنها غير الوديعة لمخالفته لما أقر به مورثه أن ما بهذه الصفة ليس له ، فعلم أن قوله عندي وديعة لفلان أو ثوب له لا يدفع عنه الضمان وجد في الثانية في تركته ثوب أو لم يوجد ، وكذا لو وصفه ووجد عنده أثواب بتلك الصفة لتقصيره في البيان ، وفارق وجود عين واحدة هنا من الجنس وجود واحدة بالوصف بأنه لا تقصير ثم بخلافه هنا ، ولا يعطي شيئا مما وجد في هذه الصورة خلافا للسبكي ومن تبعه ، وكالمرض المخوف ما ألحق به مما مر .

                                                                                                                            نعم الحبس للقتل في حكم المرض هنا لا ثم كما مر ; لأن هذا حق آدمي ناجز فاحتيط له أكثر بجعل مقدمة ما يظن به الموت بمنزلة المرض ( فإن لم يفعل ) كما ذكر ( ضمن ) لتقصيره لتعريضها بالفوات ; لأن الوارث يعتمد ظاهر يده ويدعيها لنفسه وإن وجد خط مورثه ; لأنه كناية ، وقيده ابن الرفعة بما إذا لم تكن بها بينة باقية وهو ظاهر معلوم مما مر في الوصية .

                                                                                                                            ومحل الضمان بغير إيصاء وإيداع إذا تلفت الوديعة بعد الموت لا قبله كما صرح به الإمام ومال إليه السبكي ; لأن الموت كالسفر فلا يتحقق الضمان إلا به وهذا هو المعتمد ، وإن ذهب الإسنوي إلى كونه ضامنا بمجرد المرض حتى لو تلفت بآفة في مرضه أو بعد صحته ضمنها كسائر أسباب التقصير ومحله أيضا في غير القاضي .

                                                                                                                            أما هو إذا مات ولم يوجد مال اليتيم في تركته فلا يضمنه وإن لم يوص به ; لأنه أمين الشرع ، بخلاف سائر الأمناء ولعموم ولايته ، قاله ابن الصلاح .

                                                                                                                            قال : وإنما يضمن إذا فرط .

                                                                                                                            قال السبكي : وهذا تصريح منه بأن عدم إيصائه ليس تفريطا وإن مات عن مرض وهو الوجه ، وظاهر أن الكلام في القاضي الأمين كما مر .

                                                                                                                            أما غيره فيضمن قطعا ، والضمان فيما ذكر ضمان تعد بترك المأمور لا ضمان عقد كما اقتضاه كلام الرافعي ( إلا ) استثناء منقطع ; لأن القسم مرض مخوف ( إذا لم يتمكن بأن مات فجأة ) أو قتل غيلة فلا يضمن لانتفاء التقصير ولو لم يوص فادعى الوديع أنه قصر وقال الوارث : لعلها تلفت قبل أن ينسب إلي تقصير صدق كما نقلاه عن الإمام وأقراه ، واعتراض الإسنوي له بأن الإمام إنما قاله عند جزم الوارث بالتلف لا عند تردده فيه فإنه صحح حينئذ الضمان يمكن رده بأن الوارث غير متردد في التلف ، وإنما هو في أنه وقع قبل نسبته لتقصير أو بعده ، وحينئذ فلا ينافي ما نقله عن الإمام ودعواه تلفها عند مورثه بلا تعد ، أو رد مورثه لها مقبولة .

                                                                                                                            [ ص: 120 ] كما قاله ابن أبي الدم في وارث لوكيل ورجحاه في الثانية وإن خالف في ذلك السبكي وغيره ، ولو جهل حالها ولم يقل الوارث شيئا بل قال لا أعلم فلا ضمان عليه ، وإن قيل إن قضية كلام الرافعي وغيره الضمان هذا كله إن لم يثبت تعديه فيه .

                                                                                                                            قال السبكي وغيره : أو يوجد في تركته ما هو من جنسه أو ما يمكن أن يكون اشتراه بمال القراض في صورته ولم يكن قاضيا أو نائبه ; لأنه أمين الشرع فلا يضمن إلا إن تحققت خيانته أو تفريطه مات عن مرض أو لا ومحله في الأمين نظير ما مر ، ولا يقبل قول وارث الأمين أنه رد بنفسه أو تلف عنده أي وقد تمكن من الرد كما علم مما مر إلا ببينة وسائر الأمناء كالوديع فيما تقرر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله الأفصح الإغارة ) فيه مع ما بعده نظر فتأمله انتهى سم على حج .

                                                                                                                            ( قوله : وسواء فيه ) أي في الأمين ( قوله : ; لأن الجهل لا يؤثر ) أقول : قد يتوقف بأن هذا ليس جهلا بالحكم بل جهل بحال المدفوع إليه وهو مانع من نسبته إلى تقصير في دفعها له ( قوله : ولا بد مع ذلك ) أي قول المصنف يوصي بها ، وقوله من الإشهاد معتمد ( قوله : أو وصفه فلا ضمان ) أي على .

                                                                                                                            [ ص: 119 ] الورثة ( قوله : ورجح المتولي إلخ ) معتمد ، وقوله ليس له : أي المورث ، وقوله لا يدفع عنه : أي المورث ، وقوله الضمان : أي فيطالب به ( قوله : لا يعطي شيئا مما وجد ) أي لا يجب بل يكون الواجب له البدل الشرعي فيعينه الوارث مما شاء ( قوله : في هذه الصورة ) هي قوله عندي وديعة أو ثوب ( قوله والضمان فيما ذكر ضمان تعد ) أي فيضمنها بالبدل الشرعي وهو المثل في المثلي والقيمة في المتقوم وسواء تلفت بذلك السبب أو بغيره ( قوله : لا ضمان عقد ) هذا يشعر بأن ضمان العقد يمكن هنا حتى احتيج إلى نفيه ، وفيه نظر ; لأن ضمان العقد هو المضمون بمقابل معين كضمان المبيع بالثمن وما هنا ليس فيه ذلك ( قوله قبل أن ينسب إلي تقصير صدق ) أي الوارث ، وقوله [ ص: 120 ] ودعواه : أي الوارث ، وقوله فلا ضمان عليه : أي الوارث ، وقوله أنه رد بنفسه : أي الوارث .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : الأفصح الإغارة ) قال الشهاب سم : فيه مع ما بعده نظر . ا هـ . وكأن وجه النظر أن قوله الأفصح الإغارة معناه أن فيه لغتين الإغارة والغارة غير أن أولاهما أفصح وقوله ; لأنها الأثر يناقض ذلك وأن اللغة العربية إنما هي الإغارة فقط وأن الغارة أثرها على أنه قد لا يتعقل كون الغارة أثرا للإغارة فتأمل ( قوله : وإلا فلا ضمان على الوديع في أوجه الوجهين ) أي من حيث ردها إلى غير أمين كما يدل عليه ما بعده ، وهل يضمن من حيث عدم الرد إلى أمين الذي هو مخاطب به ; لأن هذا الأمين صار كالعدم [ ص: 119 ] قوله : ولا ضمان فيما إذا علم تلفها بعد الوصية ) وكذا قبل الوصية بالنسبة لتلفها في الحياة كما سيأتي التصريح باعتماده قريبا ( قوله : لا ضمان عقد ) هذا السياق يقتضي أن ضمان العقد متأت هنا وظاهر أنه ليس كذلك ( قوله : يمكن رده بأن الوارث غير متردد ) أي في قوله لعلها تلفت إلخ الذي نقلاه عن الإمام : أي ; لأن الترجي في كلامه المذكور راجع إلى القيد فقط وهو قوله قبل إلخ فهو جازم بالتلف : أي فالإسنوي لم يصب فيما فهمه عن الشيخين . [ ص: 120 ] قوله : أي وقد تمكن من الرد ) كان الظاهر : أي ولم يتمكن من الرد ; لأن هذا هو الذي تظهر فيه الثمرة كما لا يخفى فتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية