الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            [ ص: 184 ] ( ويستحب دينة ) بحيث يوجد فيها صفة العدالة لا العفة عن الزنا فقط للخبر المتفق عليه { فاظفر بذات الدين تربت يداك } أي استغنيت إن فعلت أو افتقرت إن لم تفعل ، وفي مسلمة تاركة للصلاة وكتابية تردد ، فيحتمل أن هذه أولى للإجماع على صحة نكاحها وبطلان نكاح تلك لردتها عند قوم ، ويحتمل تلك ; لأن شرط نكاح هذه مختلف فيه ورجح بعضهم الأول ، وهو ظاهر في الإسرائيلية ; لأن الخلاف القوي إنما هو في غيرها ، ويحتمل أن الأولى لقوي الإيمان والعلم هذه لأمنه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم ولغيره تلك لئلا تفتنه هذه ( بكرا ) للأمر به مع تعليله بأنهن أعذب أفواها : أي ألين كلاما ، أو هو على ظاهره من أطيبيته وحلاوته ، وأنتق أرحاما : أي أكثر أولادا وأرضى باليسير من العمل : أي الجماع ، وأغر غرة بالكسر : أي أبعد من معرفة الشر والتفطن له ، وبالضم : أي غرة البياض أو حسن الخلق وإرادتهما معا أجود .

                                                                                                                            نعم الثيب أولى للعاجز عن الافتضاض ، ولمن عنده عيال يحتاج إلى كاملة تقوم عليهن كما استصوبه صلى الله عليه وسلم من جابر لهذا ، ويندب كما في الإحياء أن لا يزوج ابنته البكر إلا من بكر لم يتزوج قط ; لأن النفوس عن الإيناس بأول مألوف مجبولة ، ولا ينافيه ما تقرر من ندب البكر ولو للثيب ; لأن ذاك فيما يسن للزوج وهذا فيما يسن للولي ( نسيبة ) أي معروفة الأصل طيبة لنسبتها إلى العلماء والصلحاء وتكره بنت الزنا والفاسق ، وألحق بها اللقيطة ومن لا يعرف أبوها لخبر { تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الأكفاء } صححه الحاكم واعترض ( ليست قرابة قريبة ) لخبر فيه النهي عنه وتعليله بأن الولد يجيء نحيفا لكن لا أصل له ، ومن ثم نازع جمع في هذا الحكم بأنه لا أصل له وبإنكاحه صلى الله عليه وسلم عليا كرم الله وجهه ويرد بأن نحافة الولد الناشئة غالبا عن الاستحياء من القرابة القريبة معنى ظاهر يصلح أصلا لذلك ، والمراد بالقريبة من هي في أول درجات الخؤولة والعمومة ، وفاطمة بنت ابن عم فهي بعيدة ونكاحها أولى من الأجنبية لانتفاء ذلك المعنى مع حنو الرحم ، وتزوجه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش مع كونها بنت عمته لمصلحة حل نكاح زوجة المتبنى ، وتزويجه زينب بنته لأبي العاص مع أنها بنت خالته بتقدير وقوعه بعد النبوة واقعة حال فعلية فاحتمال كونه لمصلحة يسقطها ، وكل مما ذكر مستقل بالندب . [ ص: 185 ]

                                                                                                                            ويندب كونها ودودا ولودا ويعرف في البكر بأقاربها ، ووافرة العقل وحسنة الخلق وكذا بالغة وفاقدة ولد من غيره إلا لمصلحة ، وحسناء والمراد بالجمال كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى الوصف القائم بالذات المستحسن عند ذوي الطباع السليمة نعم تكره ذات الجمال المفرط ; لأنها تزهو به وتتطلع إليها أعين الفجرة ، ومن ثم قال أحمد : ما سلمت ذات جمال قط وخفيفة المهر ، وأن لا يزيد على امرأة واحدة من غير حاجة ظاهرة ، ويقاس بالزوجة السرية كما قاله ابن العماد ، وأن لا تكون شقراء ، قيل الشقرة بياض ناصع يخالطه نقط في الوجه لونها غير لونه ، ولا ذات مطلق لها إليه رغبة أو عكسه ولا في حلها له خلاف كأن زنى أو تمتع بأمها أو بها فرعه أو أصله أو شك بنحو رضاع .

                                                                                                                            وفي حديث عند الديلمي والخطابي { النهي عن نكاح الشهبرة الزرقاء البذية ، واللهبرة الطويلة المهزولة ، والنهبرة القصيرة الذميمة ، أو العجوز المدبرة } .

                                                                                                                            والهندرة : العجوز المدبرة أو المكثرة للهذر : أي الكلام في غير محله ، أو القصيرة الذميمة ، ولو تعارضت تلك الصفات فالأوجه تقديم ذات الدين مطلقا ثم العقل وحسن الخلق ثم النسب ثم البكارة ثم الولادة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده .

                                                                                                                            ويسن أن يتزوج في شوال ، وأن يدخل فيه ، وأن يعقد في المسجد ، وأن يكون مع جمع وأول النهار .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فيحتمل أن هذه ) أي الكتابية ( قوله : وبطلان نكاح تلك ) أي تاركة الصلاة ( قوله : كردتها عند قوم ) نسب غير الشارح هذا القول إلى أحمد ، ومقتضاه أن مجرد الترك ردة .

                                                                                                                            والمنقول في مذهبهم خلافه . قال في منتهى الإرادات : ومن تركها ولو جهلا وعرف فعلم وأصر كفر وكذا تهاونا وكسلا إذا دعاه إمام أو نائبه لفعلها وأبى حتى تضايق وقت التي بعدها ويستتاب ثلاثة أيام ، فإن تاب بفعلها وإلا ضرب عنقه .

                                                                                                                            قال شارحه : ولا قتل ولا تكفير قبل الدعاء ، وكذا قال صاحب الإقناع من أئمة الحنابلة أيضا ، ومنه يعلم أن النساء الموجودات في زمننا أنكحتها صحيحة حتى عند أحمد رضي الله عنه ( قوله : ويحتمل تلك ) أي تاركة الصلاة ، وهذا هو المعتمد مطلقا ( قوله : هذه ) أي الكتابية ولغيره تلك : أي تاركة الصلاة ( قوله : أكثر أولادا ) قال حج : وأسخن أقبالا ا هـ ( قوله : أي غرة البياض ) الإضافة بيانية ( قوله : وتكره بنت الزنا والفاسق ) أي وذلك ; لأنه يعير بها لدناءة أصلها وربما اكتسبت من طباع أبيها ( قوله : لكن لا أصل له ) أي للخبر ( قوله : يصلح أصلا ) أي وإن لم يثبت ، وقوله : لذلك : أي الكراهة ( قوله : يسقطها ) الضمير راجع لقوله فاحتمال كونه ( قوله : وكل مما ذكر ) [ ص: 185 ] أي من دينة إلخ ( قوله : ويندب كونها ودودا ) أي متحببة للزوج ( قوله : وحسناء إلخ ) عبارة حج : أي بحسب طبعه كما هو ظاهر ; لأن القصد العفة ، وهي لا تحصل إلا بذلك ( قوله : ما سلمت ذات جمال قط ) أي من فتنة أو تطلع فاجر إليها أو تقوله عليها ا هـ حج ( قوله : وأن لا يزيد على امرأة ) أي واحدة ( قوله : من غير حاجة ) ومنها توهم حصول ولد منها واحتياجه للخدمة ( قوله : ويقاس بالزوجة السرية ) أي حتى في النسب فتقدم الإسرائيلية على غيرها ( قوله : أو العجوز المدبرة ) أي التي تغيرت أحوالها ( قوله : والأوجه تقديم ذات الدين مطلقا ) أي جميلة أم لا ( قوله : ثم الولادة ) في حج تقديم الولادة على شرف النساء ( قوله : بحسب اجتهاده ) قال حج : تنبيه كما يسن تحري هذه الصفات فيها يسن لها ولوليها تحريها فيه كما هو واضح ا . هـ . ( قوله : ويسن أن يتزوج في شوال ) قال النووي في شرح مسلم { لقول عائشة رضي الله عنها قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وبنى بي في شوال } وبهذا الحديث رد ما كانت الجاهلية عليه وما تحكيه بعض العوام اليوم من كراهة التزوج ، والتزويج والدخول في شوال باطل لا أصل له ، وهو من آثار الجاهلية ، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع ا هـ .

                                                                                                                            وصح الترغيب في صفر أيضا .

                                                                                                                            روى الزهري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج ابنته فاطمة عليا في شهر صفر على رأس اثني عشر شهرا من الهجرة } ا هـ بهنسي .

                                                                                                                            وكتب أيضا لطف الله به قوله : ويسن أن يتزوج في شوال : أي حيث كان يمكنه فيه وفي غيره على السواء ، فإن وجد سبب للنكاح في غير فعله



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 183 - 184 ] قوله : أي غرة البياض ) قال الشهاب سم : انظر المراد فإن الألوان لا تتفاوت بتفاوت البكارة والثيوبة انتهى .

                                                                                                                            وقد يقال : لا مانع من نقص بهائها وإشراقها بزوال البكارة وإن لم يدرك ذلك ( قوله : يصلح أصلا لذلك ) نظر فيه [ ص: 185 ] الشهاب سم بأنه لا بد للحكم من أصل كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ( قوله : إلا لمصلحة ) راجع للمسألتين قبله ( قوله : أو شك ) عطف على خلاف




                                                                                                                            الخدمات العلمية