الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في آداب القضاء وغيرها ( ليكتب الإمام ) أو نائبه كالقاضي الكبير ندبا ( لمن يوليه ) كتابا بالتولية وما فوضه إليه وما يحتاج إليه القاضي ويعظمه فيه ويعظه ويبالغ في وصيته بالتقوى ومشاورة العلماء والوصية بالضعفاء { اتباعا له صلى الله عليه وسلم في عمرو بن حزم لما ولاه اليمن وهو ابن سبع عشرة سنة } ، رواه أصحاب السنن ، واقتصر في معاذ لما بعثه إليها على الوصية من غير كتابة ( ويشهد بالكتاب ) يعني لا بد إن أراد العمل بذلك الكتاب أن يشهد بما فيه من التولية ( شاهدين ) بصفات عدول الشهادة ( يخرجان معه إلى البلد ) أي محل التولية وإن كان قريبا ( يخبران بالحال ) لتلزم طاعته على أهل البلد والاعتماد على ما يشهدان به لا على ما في الكتاب ، ولا بد من سماعهما التولية من المولي ، وإذا قرئ بحضرته فليعلما أن ما فيه هو الذي قرئ لئلا يقرأ غير ما فيه ، ثم إن كان في البلد قاض أديا عنده وأثبت ذلك بشروطه وإلا كفى إخبارهما لأهل البلد : أي لأهل الحل والعقد منهم كما هو ظاهر وحينئذ يتعين الاكتفاء بظاهر العدالة لاستحالة ثبوتها عند غير قاض مع الاضطرار إلى ما يشهدان به ، فقولهم بصفات عدول الشهادة إنما يتأتى إن كان ثم قاض ، واختار البلقيني الاكتفاء بواحد ( وتكفي الاستفاضة في الأصح ) لأنها آكد من الشهادة [ ص: 250 ] ولأنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الراشدين إشهاد .

                                                                                                                            والثاني المنع لأن التولية عقد والعقود لا تثبت بالاستفاضة كالإجارة والوكالة ( لا مجرد كتاب ) فلا يكفي ( على المذهب ) لاحتمال التزوير وإن حفت القرائن بصدقه ، ولا يكفي إخبار القاضي لاتهامه ، فإن صدقوه لزمهم طاعته في أوجه الوجهين ( ويبحث ) بالرفع ( القاضي ) ندبا ( عن حال علماء البلد ) أي محل ولايته ( وعدوله ) إن لم يعرفهم قبل دخوله ، فإن تعسر فعقبه ليعاملهم بما يليق بهم ( ويدخل ) وعليه عمامة سوداء اقتداء به صلى الله عليه وسلم لما دخل يوم فتح مكة والأولى دخوله ( يوم الاثنين ) صبيحته { لأنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فيه حين اشتد الضحى } ، فإن تعسر فالخميس ثم السبت ، وورد : { اللهم بارك لأمتي في بكورها } ، وينبغي كما قاله المصنف رحمه الله تحريها لفعل وظائف الدين والدنيا فيها وبقصد المسجد عقب دخوله ليصلي به ركعتين ويأمر بقراءة العهد وينادي من كانت له حاجة ليأخذ في العمل ويستحق الرزق ، وقضية ذلك عدم استحقاقه من وقت التولية ، وبه صرح الماوردي ( وينزل ) إن لم يكن ثم محل مهيأ للقضاء ( وسط ) بفتح السين في الأشهر ( البلد ) ليتساوى أهله في القرب منه ( وينظر أولا ) ندبا بعد تسلمه ديوان الحكم من الأول ، وهو الأوراق المتعلقة بالناس ، وأن ينادي في البلد متكررا إن القاضي يريد النظر في المحبوسين يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر ( في أهل الحبس ) إن لم يكن ثم من هو أهم منهم هل يستحقونه أو لا ؟ لأنه عذاب ويبدأ بقرعة فمن حضرت له أحضر خصمه وفصل بينهما وهكذا ( فمن قال حبست بحق أدامه ) إلى وفائه أو ثبوت إعساره وبعد ذلك ينادى عليه لاحتمال ظهور غريم آخر له ولا يحبس حال النداء ولا يطالب بكفيل بل يراقب وإن كان الحق حدا أقامه عليه وأطلقه أو تعزيرا ورأى إطلاقه فعل ( أو ) قال حبست ( ظلما فعلى خصمه حجة ) إن كان حاضرا ، فإن أقامها أدامه وإلا حلفه وأطلقه بلا كفيل إلا أن يراه فحسن ( فإن كان ) خصمه ( غائبا ) عن البلد ( كتب إليه ليحضر ) لفصل الخصومة بينهما أو يوكل لأن القصد إعلامه ليلحن بحجته .

                                                                                                                            فإن علم ولم يحضر ولم يوكل حلف وأطلق لتقصير الغائب حينئذ ( ثم ) في الأوصياء وكل متصرف عن غيره بغير ثبوت ولايتهم عنده لأن رب المالك لا يملك المطالبة بماله فناب القاضي عنه لأنه وليه العام إن كان ببلده وإن كان ماله ببلدة أخرى لما مر أن الولاية العامة لحاكم بلد المالك ( فمن ادعى وصاية سأل ) الناس ( عنها ) ألها حقيقة ؟ وما كيفية ثبوتها ؟ ( وعن حاله ) هل توفرت فيه الشروط ( وتصرفه فمن ) قال فرقت [ ص: 251 ] الوصية أو صرفت للموصى عليه لم يتعرض له إن وجده عدلا وإن ( وجده فاسقا أخذ المال ) وجوبا ( منه ) إن كان باقيا وغرمه بدل ما فوته ومن شك في عدالته لم ينزعه منه كما رجحه الأذرعي ، قال : وهو الأقرب إلى كلامهما والجمهور ، وإن رجح البلقيني وغيره خلافه ، أما إذا ثبتت عدالته عند الأول فلا يؤثر فيه الشك وإن طال الزمن لاتحاد القضية ، وبه فارق شاهد أزكي ثم شهد بعد طول الزمن فلا بد من استزكائه ( أو ) وجده ( ضعيفا ) عن قيامه بها مع أمانته ( عضده بمعين ) ولا ينتزع منه المال ثم ينظر بعد الأوصياء في أمناء القاضي المنصوبين عن الأطفال وتفرقة الوصايا ، نعم له عزلهم ولو بلا سبب وتولية غيرهم لأنهم مولون من جهته بخلاف الأوصياء . وليس له الكشف عن أب وجد متصرفا إلا بعد ثبوت قادح عنده فيه ثم ينظر في الأوقاف العامة ومتوليها قال الماوردي والروياني : وعن الخاصة لأنها تئول لمن لا يتعين من الفقراء والمساكين فينظر هل آلت إليهم وهل له ولاية على من تعين منهم لصغر ونحوه ، ثم في أمر اللقطة التي لا يجوز تملكها للملتقط أو يجوز ولم يختر تملكها بعد الحول ، ثم في الضوال فيحفظ هذه الأموال في بيت المال مفردة عن أمثالها وله خلطها بمثلها حيث اقتضت المصلحة ذلك ، فإذا ظهر المالك غرم له من بيت المال ، وله بيعها وحفظ ثمنها لمصلحة مالكها .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في آداب القضاء وغيرها ( قوله : وإذا قرئ بحضرته ) أي حضرة المولى ( قوله : أديا عنده ) أي بلفظ الشهادة ( قوله : واختار البلقيني الاكتفاء بواحد ) ضعيف ( قوله : وتكفي الاستفاضة ) أي في لزوم الطاعة [ ص: 250 ] قوله : فإن صدقوه لزمهم ) أي كلهم وإن صدقه بعضهم وكذبه بعضهم فلكل حكمه ، حتى لو حضر متداعيان وصدقه أحدهما دون الآخر لم ينفذ حكمه عليه ( قوله وعليه عمامة سوداء ) فيه إشارة إلى أن هذا الدين لا يتغير لأن سائر الألوان يمكن تغيرها بغيرها بخلاف السواد ( قوله : وينبغي كما قاله المصنف تحريها ) أي البكور ( قوله : فمن كان له محبوس فليحضر ) ندبا عن اجتماع الخصوم ، فلو حضروا مترتبين نظر وجوبا في حال كل من قدم أولا ولا ينتظر حضور غيره ( قوله : ولا يطالب بكفيل ) ظاهره وإن خيف هربه ، ويوجه بأنا لم نعلم الآن ثبوت حق عليه حتى يحبس لأجله ( قوله : لأن القصد إعلامه ليلحن ) أي يفصح بها ، وقوله حلف : أي وجوبا [ ص: 251 ] قوله : وغرمه بدل ما فوته ) أي حيث لم تقم بينة بصرفه في طريقه الشرعي وإلا فلا تغريم ( قوله : عن الأطفال ) أي للتصرف عنهم ولو عبر بعلى لكان أوضح ( قوله : وعن الخاصة ) كالوقف على الذرية مثلا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في آداب القضاء وغيرها

                                                                                                                            ( قوله : يعني لا بد إن أراد العمل بذلك الكتاب إلخ ) أي وإلا فالمدار إنما هو على الشهادة لا على الكتاب ( قوله : وإذا قرئ بحضرته ) أي المولي بكسر اللام ، وعبارة الرافعي : وليقرآه عليه : أي الشاهدان أو يقرأه الإمام عليهما ، وإن قرأه غير الإمام عليهما فالأحوط أن ينظر الشاهدان فيه انتهت .

                                                                                                                            فقول الشارح فليعلما : أي بالنظر في الكتاب ( قوله : لئلا يقرأ ) أي القارئ [ ص: 250 ] قوله : بالرفع ) قال ابن قاسم : كأنه احترز عن الجزم بالعطف على ليكتب لكن ما المانع ا هـ ( قوله : قبل دخوله ) متعلق بيبحث ( قوله : وأن ينادي ) معطوف على تسلمه : أي وبعد تسلمه وبعد مناداته ، لكن عبارة التحفة بعد أن يتسلم فالعطف فيها ظاهر ( قوله لاحتمال ظهور غريم آخر له ) أي غريم هو محبوس له أيضا وإلا فلا وجه للمناداة على كل غرمائه وإن لم يكن محبوسا لهم كما هو ظاهر ، وعبارة الروض وغيره ظاهرة في ذلك ( قوله : حلفه ) أي المحبوس ( قوله : وكل متصرف عن غيره ) أي بولاية فليس المراد ما يشمل نحو الوكيل وعامل القراض [ ص: 251 ] كما لا يخفى ( قوله : أو صرفت ) عبارة التحفة : تصرفت




                                                                                                                            الخدمات العلمية