الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن سافر عنها أكثر من ستة أشهر ، فطلبت قدومه : لزمه ذلك . إن لم يكن عذر ) .

قال الإمام أحمد رحمه الله ، في رواية حرب : قد يغيب الرجل عن أهله أكثر من ستة أشهر فيما لا بد له منه .

قال القاضي : معنى هذا : أنه قد يغيب في سفر واجب كالحج ، والجهاد فلا يحتسب عليه بتلك الزيادة ; لأنه معذور فيها ; لأنه سفر واجب عليه . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله : فالقاضي جعل الزيادة على الستة الأشهر لا تجوز إلا لسفر واجب ، كالحج والجهاد ونحوهما .

[ فشرطه أن يكون واجبا : ولو كان سنة أو مباحا أو محرما ، كتغريب زان ، وتشريد قاطع طريق فإن كان مكروها فاحتمالان للأصحاب ] وكلام الإمام أحمد رحمه الله : يقتضي أنه مما لا بد له منه . وذلك يعم الواجب الشرعي ، وطلب الرزق الذي هو محتاج إليه . انتهى .

قلت : قد صرح الإمام أحمد رحمه الله بما قال . فقال في رواية ابن هانئ وسأله عن رجل تغيب عن امرأته أكثر من ستة أشهر ؟ قال : إذا كان في حج ، أو غزو ، أو مكسب يكسب على عياله . [ ص: 356 ] أرجو أن لا يكون به بأس ، إن كان قد تركها في كفاية من النفقة لها ، ومحرم رجل يكفيها . قوله ( فإن أبى شيئا من ذلك ، ولم يكن له عذر ، فطلبت الفرقة : فرق بينهما ) . ولو قبل الدخول . نص عليه . يعني : حيث قلنا بوجوب المبيت والوطء والقدوم ، وأبى ذلك من غير عذر . وحيث قلنا : بعدم الوجوب . فليس لها ذلك مع امتناعه منه وهذا المذهب . جزم به في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والوجيز ، وغيرهم . ونصره المصنف ، والشارح . قال في الترغيب : هو صحيح المذهب . وقدمه في المحرر ، والفروع . وهو من مفردات المذهب . وعنه : لا يفرق بينهما . قال في المغني والشرح : فظاهر قول أصحابنا : أنه لا يفرق بينهما بذلك . وهو قول أكثر الفقهاء .

تنبيه :

ظاهر كلامه : أنها لو طلبت قدومه من السفر بعد ستة أشهر ، وأبى من القدوم : أن لها الفسخ . سواء قلنا : الوطء واجب عليه ، أم لا . وهو أحد الوجهين . قدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير . قلت : وهو الصواب . وقيل : ليس لها الفسخ ، إلا إذا قلنا : بوجوب الوطء . وهو ظاهر ما جزم به في تجريد العناية . قلت : وهو بعيد جدا . وأطلقهما في الفروع . وقال ابن عقيل في المفردات وقيل : قد يباح الفسخ . [ ص: 357 ] وطلاق الحاكم لأجل الغيبة ، إذا قصد بها الإضرار ، بناء على ما إذا ترك الاستمتاع بها من غير يمين أكثر من أربعة أشهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية