الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا بأس برش الماء عليه ) حفظا لترابه عن الاندراس ( ولا يربع ) للنهي ( ويسنم ) ندبا . وفي الظهيرية وجوبا قدر شبر ( ولا يجصص ) للنهي عنه ( ولا يطين ، ولا يرفع عليه بناء . وقيل : لا بأس به ، وهو المختار ) كما في كراهة السراجية . وفي جنائزها : لا بأس بالكتابة إن احتيج إليها حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن

التالي السابق


( قوله ولا بأس برش الماء عليه ) بل ينبغي أن يندب { لأنه صلى الله عليه وسلم فعله بقبر سعد } كما رواه ابن ماجه { وبقبر ولده إبراهيم } كما رواه أبو داود في مراسيله { وأمر به في قبر عثمان بن مظعون } كما رواه البزار ، فانتفى ما عن أبي يوسف من كراهته لأنه يشبه التطيين حلية ( قوله : للنهي ) هو ما رواه محمد بن الحسن في الآثار : أخبرنا أبو حنيفة قال : حدثنا شيخ لنا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم { أنه نهى عن تربيع القبور وتجصيصها } إمداد ( قوله ويسنم ) أي يجعل ترابه مرتفعا عليه كسنام الجمل ، لما روى البخاري عن سفيان النمار " أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما " وبه قال الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور . وقال الشافعي ، التسطيح : أي التربيع أفضل ، وتمامه في شرح المنية ( قوله : وفي الظهيرية وجوبا ) هو مقتضى النهي المذكور ، ويؤيده ما في البدائع من التعليل بأنه من صنيع أهل الكتاب ، والتشبه بهم فيما منه بد مكروه ا هـ لكن في النهر أن الأول أولى .

قلت : ولعل وجهه شبهة الاختلاف ، والحديث الذي استدل به الشافعي على التربيع فيكون النهي مصروفا عن ظاهره فتأمل ( قوله : قدر شبر ) أو أكثر شيئا قليلا بدائع ( قوله : ولا يجصص ) أي لا يطلى بالجص بالفتح ويكسر قاموس ( قوله ولا يرفع عليه بناء ) أي يحرم لو للزينة ، ويكره لو للإحكام بعد الدفن ، وأما قبله فليس بقبر إمداد . وفي الأحكام عن جامع الفتاوى : وقيل لا يكره البناء إذا كان الميت من المشايخ والعلماء والسادات ا هـ

قلت : لكن هذا في غير المقابر المسبلة كما لا يخفى ( قوله : وقيل : لا بأس به إلخ ) المناسب ذكره عقب قوله : ولا يطين لأن عبارة السراجية كما نقله الرحمتي ذكر في تجريد أبي الفضل أن تطيين القبور مكروه والمختار أنه لا يكره ا هـ وعزاه إليها المصنف في المنح أيضا . وأما البناء عليه فلم أر من اختار جوازه . وفي شرح المنية عن منية المفتي : المختار أنه لا يكره التطيين . وعن أبي حنيفة : يكره أن يبني عليه بناء من بيت أو قبة أو نحو ذلك ، لما روى جابر { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور ، وأن يكتب عليها ، وأن يبنى عليها } رواه مسلم وغيره ا هـ نعم في الإمداد عن الكبرى : واليوم اعتادوا التسنيم باللبن صيانة للقبر عن النبش ، ورأوا ذلك حسنا . وقال صلى الله عليه وسلم { ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن } . ا هـ . ( قوله لا بأس بالكتابة إلخ ) لأن النهي عنها وإن صح فقد وجد الإجماع العملي بها ، فقد أخرج الحاكم النهي عنها من طرق ، ثم قال : هذه الأسانيد صحيحة [ ص: 238 ] وليس العمل عليها ، فإن أئمة المسلمين من المشرق إلى المغرب مكتوب على قبورهم ، وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ا هـ ويتقوى بما أخرجه أبو داود بإسناد جيد { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل حجرا فوضعها عند رأس عثمان بن مظعون وقال : أتعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من تاب من أهلي } فإن الكتابة طريق إلى تعرف القبر بها ، نعم يظهر أن محل هذا الإجماع العملي على الرخصة فيها ما إذا كانت الحاجة داعية إليه في الجملة كما أشار إليه في المحيط بقوله وإن احتيج إلى الكتابة ، حتى لا يذهب الأثر ولا يمتهن فلا بأس به . فأما الكتابة بغير عذر فلا ا هـ حتى إنه يكره كتابة شيء عليه من القرآن أو الشعر أو إطراء مدح له ونحو ذلك حلية ملخصا .

قلت : لكن نازع بعض المحققين من الشافعية في هذا الإجماع بأنه أكثري ، وإن سلم فمحل حجيته عند صلاح الأزمنة بحيث ينفذ فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد تعطل ذلك منذ أزمنة ، ألا ترى أن البناء على قبورهم في المقابر المسبلة أكثر من الكتابة عليها كما هو مشاهد ، وقد علموا بالنهي عنه فكذا الكتابة ا هـ فالأحسن التمسك بما يفيد حمل النهي على عدم الحاجة كما مر .




الخدمات العلمية