الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قال مريض : لله علي أن أصوم شهرا فمات قبل أن يصح لا شيء عليه ، وإن صح ) ولو ( يوما ) ولم يصمه ( لزمه الوصية بجميعه ) على الصحيح كالصحيح إذا نذر ذلك [ ص: 438 ] ومات قبل تمام الشهر لزمه الوصية بالجميع بالإجماع كما في الخبازية ، بخلاف القضاء فإن سببه إدراك العدة .

[ فروع ]

قال : والله أصوم لا صوم عليه بل إن صام حنث كما سيجيء في الأيمان .

نذر صوم رجب فدخل وهو مريض أفطر وقضى كرمضان أو صوم الأبد فضعف لاشتغاله بالمعيشة أفطر وكفر كما مر أو يوم يقدم فلان فقدم بعد الأكل أو الزوال أو حيضها قضى عند الثاني خلافا للثالث ، ولو قدم في رمضان فلا قضاء اتفاقا ولو عنى به اليمين كفر فقط إلا إذا قدم قبل نيته فنواه عنه بر بالنية ، ووقع عن رمضان [ ص: 439 ] ولو نذر شهرا لزمه كاملا أو الشهر فبقيته أو صوم جمعة فالأسبوع إلا أن ينوي اليوم ، ولو نذر يوم السبت صوم ثمانية أيام صام سبتين ولو قال سبعة فسبعة أسبت ، والفرق أن السبت لا يتكرر في السبعة فحمل على العدد ، بخلاف الأول .

التالي السابق


( قوله ولم يصمه ) أما لو صامه فيأتي قريبا ( قوله على الصحيح ) هو قولهما .

وقال محمد لزمه الوصية بقدر ما فاته كما في قضاء رمضان وأوضحه في السراج حيث قال إذا نذر شهرا غير معين ثم أقام بعد النذر يوما أو أكثر يقدر على الصيام فلم يصم ، فعندهما يلزمه الإيصاء بالإطعام لجميع الشهر ، ووجهه على طريقة الحاكم أن ما أدركه صالح لصوم كل يوم من أيام النذر ، فإذا لم يصم جعل كالقادر على الكل فوجب الإيصاء كما لو بقي شهرا صحيحا ولم يصم .

وعلى طريقة الفتاوى النذر ملزم في الذمة الساعة ولا يشترط إمكان الأداء .

وثمرة الخلاف فيما إذا صام ما أدركه على الأول لا يجب عليه الإيصاء بالباقي وعلى الثاني يجب وكذا فيما إذا نذر ليلا ومات في الليلة لا يجب على الأول لعدم الإدراك ويجب على الثاني الإيصاء بالكل ا هـ ملخصا ، واقتصر في البدائع وغيره على طريقة الحاكم .

ثم اعلم أن هذا كله في النذر المطلق ، أما المعين ففي السراج أيضا : ولو أوجب على نفسه صوم رجب ، ثم أقام يوما أو أكثر ومات ولم يصم ففي الكرخي إن مات قبل رجب لا شيء عليه ، وهو قول محمد خاصة لأن المعين لا يكون سببا قبل وقته ، وعندهما على طريقة الحاكم يوصي بقدر ما قدر لأن النذر سبب ملزم في الحال إلا أنه لا بد من التمكين ; وعلى طريقة الفتاوى يوصي بالكل لأن النذر ملزم بلا شرط لأن اللزوم إذا لم يظهر في حق الأداء يظهر في خلفه وهو الإطعام ، وأما إن صام ما أدركه أو مات عقيب النذر فعلى الأول لا يجب الإيصاء [ ص: 438 ] بشيء وعلى الثاني يجب الإيصاء بالباقي ، ولو دخل رجب وهو مريض ثم صح بعده يوما مثلا فلم يصم ثم مات فعليه الإيصاء بالكل ، أما على الثاني فظاهر وكذا على الأول لأن بخروج الشهر المعين وصحته بعده يوما مثلا وجب عليه صوم شهر مطلق فإذا لم يصم فيه وجب الإيصاء بالكل كما في النذر المطلق إذا بقي يوما أو أكثر وقدر على الصوم ولم يصم ا هـ ملخصا ( قوله ومات قبل تمام الشهر ) أي ولم يصم في ذلك .

وعبارة غيره ومات بعد يوم وبقي ما إذا صام ما أدركه فهل يلزمه الوصية في الباقي أم لا ينبغي أن يكون على الطريقتين المذكورتين في المريض وصرح باللزوم في بعض نسخ البحر لكن نسخ البحر في هذا المحل مضطربة ومحرفة تحريفا فاحشا فافهم ( قوله بخلاف القضاء ) أي فيما فاته رمضان لعذر ثم أدرك بعض العدة ولم يصمه لزمه الإيصاء بقدر ما فاته اتفاقا على الصحيح خلافا لما زعمه الطحاوي أن الخلاف في هذه المسألة ح ( قوله بخلاف القضاء ) جواب عن قياس محمد النذر على القضاء

وبيانه : أن النذر سبب ملزم في الحال كما مر أما القضاء فإن سببه إدراك للعدة ولم يوجد فلا تجب الوصية إلا بقدر ما أدرك .

واعترض بأن القضاء يجب بما يجب به الأداء عند المحققين ، وسبب الأداء شهود الشهر فكذا القضاء .

وأجيب بما فيه خفاء فانظر النهر ( قوله بل إن صام حنث ) لأن المضارع المثبت لا يكون جواب القسم إلا مؤكدا بالنون فإذا لم تجب وجب تقدير النفي . ا هـ . ح لكن سيذكر في الأيمان عن العلامة المقدسي أن هذا قبل تغير اللغة ، أما الآن فالعوام لا يفرقون بين الإثبات والنفي إلا بوجود لا وعدمها فهو كاصطلاح لغة الفرس وغيرها في الأيمان ( قوله كرمضان ) أي بوصل أو فصل درر ( قوله أو صوم ) عطف على صوم رجب ح ( قوله وكفر ) أي فدى ( قوله كما مر ) أي في الشيخ الفاني من أنه يطعم كالفطرة ( قوله أو الزوال ) يعني نصف النهار كما مر مرارا ( قوله قضى عند الثاني ) قلت : كذا في الفتح لكن في السراج ولو قال : لله علي صوم اليوم الذي يقدم فلان فيه أبدا فقدم في يوم قد أكل فيه لم يلزمه صومه ويلزم صوم كل يوم فيما يستقبل لأن الناذر عند وجود الشرط يصير كالمتكلم بالجواب فيصير كأنه قال لله علي صوم هذا اليوم وقد أكل فيه فلا يلزمه قضاؤه .

وقال زفر عليه قضاؤه ا هـ ونحوه في البحر بلا حكاية خلاف وهو مخالف لما هنا وأما قوله : ويلزمه صوم كل يوم إلخ فهو من قوله أبدا ( قوله خلافا للثالث ) قال في النهر : ولو قدم بعد الزوال قال محمد لا شيء عليه ولا رواية فيه عن غيره قال السرخسي : والأظهر التسوية بينهما ا هـ أي بين القدوم بعد الأكل والقدوم بعد الزوال فالشارح جرى في الفرع الثاني على ذلك الاستظهار ط ( قوله فلا قضاء اتفاقا ) لأنه تبين أن نذره وقع على رمضان ، ومن نذر رمضان فلا شيء عليه ح أي لا شيء عليه إذا أدركه كما قدمناه عن السراج ( قوله كفر فقط ) أقول : لا وجه له وما قيل في توجيهه لأنه صامه عن رمضان لا عن يمينه لا وجه له أيضا لأن النية في فعل المحلوف عليه غير شرط لما صرحوا به من أن فعله مكرها أو ناسيا سواء المحلوف عليه الصوم وقد وجد ، ثم ظهر أن في عبارة الشارح اختصارا مخلا تبع فيه النهر .

وأصل المسألة ما في الفتح وغيره لو قال : لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان شكرا لله تعالى وأراد [ ص: 439 ] به اليمين فقدم فلان في يوم رمضان كان عليه كفارة يمين ، ولا قضاء عليه لأنه لم يوجد شرط البر وهو الصوم بنية الشكر ، ولو قدم قبل أن ينوي فنوى به الشكر لا عن رمضان بر بالنية وأجزأه عن رمضان ولا قضاء عليه ا هـ وبه يتضح بقية كلامه فافهم ( قوله لزمه كاملا ) ويفتتحه متى شاء بالعدد لا هلاليا والشهر المعين هلالي كذا في اعتكاف فتح القدير ح ( قوله فبقيته ) أي بقية الشهر الذي هو فيه لأنه ذكره معرفا فينصرف إلى المعهود بالحضور ، فإن نوى شهرا فعلى ما نوى لأنه محتمل كلامه فتح عن التجنيس وتقدم الكلام في ذلك ( قوله إلا أن ينوي اليوم ) أفاد أن لزوم الأسبوع يكون فيما إذا نوى أيام جمعة أو لم ينو شيئا لأن الجمعة يذكر ويراد به يوم الجمعة وأيام الجمعة لكن الأيام أغلب فانصرف المطلق إليه تجنيس .

قال ح : وينبغي أنه لو عرف الجمعة أن يلزمه بقيتها على قياس السنة والشهر فإن مبدأها الأحد وآخرها السبت فليراجع ا هـ .

قلت في البحر : ولو قال صوم أيام الجمعة فعليه صوم سبعة أيام ا هـ فتأمل ( قوله بخلاف الأول ) أي فإن السبت يتكرر فيه فأريد المتكرر في العدد المذكور كأنه قال السبت الكائن في ثمانية أيام وهو سبتان قال في المنح ولا يخفى أن هذا إذا لم تكن له نية أما إذا وجدت لزمه ما نوى ا هـ ط

.



الخدمات العلمية