الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في المشيئة ( قال لها طلقي نفسك ولم ينو أو نوى واحدة ) أو ثنتين في الحرة ( فطلقت وقعت رجعية ، وإن طلقت ثلاثا ونواه وقعن ) قيد بخطابها : لأنه لو قال طلقي أي نسائي شئت لم تدخل تحت عموم خطابه ( وبقولها ) في جوابه [ ص: 332 ] ( أبنت نفسي طلقت ) رجعية إن أجازه لأنه كناية ( لا باخترت ) نفسي وإن أجازه لأن الاختيار ليس بصريح ولا كناية ( ولا يملك ) الزوج ( الرجوع عنه ) أي عن التفويض بأنواعه الثلاثة لما فيه من معنى التعليق ( وتقيد بالمجلس ) لأنه تمليك ( إلا إذا زاد متى شئت ) ونحوه مما يفيد عموم الوقت فتطلق مطلقا ، وإذا قال لرجل ذلك أو قال لها طلقي ضرتك ( لم يتقيد بالمجلس ) [ ص: 333 ] لأنه توكيل فله الرجوع إلا إذا زاد وكلما عزلتك فأنت وكيل ( إلا إذا زاد إن شئت ) فيتقيد به ( ولا يرجع ) لصيرورته تمليكا في الخانية .

طلقها إن شاءت لم يصر وكيلا ما لم تشأ ، فإن شاءت في مجلس علمها طلقها في مجلسه لا غير والوكلاء عنه غافلون .

( قال لها طلقي نفسك ثلاثا ) أو اثنتين ( وطلقت واحدة وقعت ) لأنها بعض ما فوضه ، [ ص: 334 ] وكذا الوكيل ما لم يقل بألف ( لا ) يقع شيء ( في عكسه ) وقالا واحدة طلقي نفسك ثلاثا إن شئت فطلقت واحدة ( و ) كذا ( عكسه لا ) يقع فيهما لاشتراط الموافقة لفظا لما في تعليق الخانية أمرها بعشر فطلقت ثلاثا أو بواحدة فطلقت نصفا لم يقع .

( أمرها ببائن أو رجعي فعكست في الجواب وقع ما أمر ) الزوج ( به ) ويلغو وصفها ، [ ص: 335 ] والأصل أن المخالفة في الوصف لا تبطل الجواب بخلاف الأصل ، وهذا إذا لم يكن معلقا بمشيئتها ، فإن علقه فعكست لم يقع شيء لأنها ما أتت بمشيئة ما فوض إليها خانية بحر ،

[ ص: 331 ]

التالي السابق


[ ص: 331 ] فصل في المشيئة

هذا هو النوع الثالث من أنواع التفويض ، وليس المراد تعليق الطلاق على المشيئة صريحا بل ما يشمل الضمني فقد قال في كافي الحاكم : وإذا قال لها طلقي نفسك ولم يذكر فيه مشيئة فذلك بمنزلة المشيئة ، ولها ذلك في المجلس ا هـ أي لأنه موقوف على مشيئتها ، وتطليقها مشيئة ، ولذا قال في الكافي : لو قال لها طلقي نفسك واحدة إن شئت فقالت قد طلقت نفسي واحدة فهي طالق ، وقد شاءت حيث طلقت نفسها . ا هـ .

وبما قررناه اندفع ما أورده في النهر عن العناية من أن المناسب للترجمة الابتداء بمسألة فيها ذكر المشيئة ، ولا حاجة إلى ما أجاب عنه في الحواشي السعدية ، من أن ذكر ما فيه المشيئة منزل مما لم تذكر فيه منزلة المركب من المفرد يعني والمفرد يسبق المركب فكذا ما نزل منزلته ا هـ وإن أقره في النهر ، نعم يصلح هذا للجواب عما قد يقال لم ذكر مسائل المشيئة ضمنا قبل مسائل المشيئة صريحا وإن كان كل منهما مقصودا من هذا الباب فافهم ( قوله أو نوى واحدة ) لو حذف هذا العلم بالأولى نهر ( قوله أو ثنتين في الحرة ) لأنهما في حقها عدد محض ، بخلاف الأمة فتصح نية الثنتين في حقها لأنهما فرد اعتباري كالثلاث في حق الحرة ( قوله فطلقت ) أي واحدة أو ثنتين أو ثلاثا ، وكل مع عدم النية أصلا أو مع نية الواحدة أو الثنتين في الحرة فهم تسعة ، والواقع فيها طلقة رجعية .

أما في الأمة فالصور أربع أفاده ح لأنها إما أن تطلق واحدة أو ثنتين ، وكل مع عدم النية أو مع نية الواحدة ، لكن قوله أو ثلاثا جار على قولهما بوقوع واحدة رجعية أما عند . الإمام فإنها إذا طلقت ثلاثا ونوى واحدة أو لم ينو أصلا لا يقع شيء لأن موجب طلقي هو الفرد الحقيقي فيثبت وإن لم ينوه ، والفرد الاعتباري أعني الثلاث محتملة لا يثبت إلا بنيته فإتيانها بالثلاث حينئذ اشتغال بغير ما فوض إليها فلا يقع شيء كما أفاده في الشرنبلالية ، ومقتضاه أنه إذا نوى ثنتين فطلقت ثلاثا لا يقع عنده شيء أيضا فافهم ( قوله ونواه ) أي الثلاث ، وأفرد الضمير باعتبار المذكور ، أو لأنها فرد اعتباري وقيد به احترازا عما إذا لم ينو أصلا أو نوى واحدة أو ثنتين فإنه لا يقع شيء عنده كما علمت ( قوله وقعن ) أي الثلاث سواء أوقعتها بلفظ واحد أو متفرقا ، وإنما صح إرادة الثلاث لأن قوله طلقي نفسك معناه افعلي التطليق ; فهو مذكور لغة لأنه جزء معنى اللفظ فصح نية العموم ، غير أن العموم في حق الأمة ثنتان وفي حق الحرة ثلاث فتح ، وقوله أو متفرقا يدل على أنه لو نوى الثلاث فطلقت واحدة أو ثنتين وقع ، ويأتي التصريح بوقوع الواحدة في طلقي نفسك ثلاثا فطلقت واحدة ويأتي تمامه ( قوله قيد بخطابها ) أي بقوله نفسك فافهم ( قوله وبقولها في جوابه إلخ ) اعلم أنه لو قال لها طلقي نفسك قالت في جوابه أبنت نفسي طلقت رجعية ، ولو قالت اخترت نفسي لم تطلق .

قال في الفتح : وحاصل الفرق أن المفوض الطلاق والإبانة من ألفاظه التي تستعمل في إيقاعه كناية ، فقد أجاب بما فوض إليها ، بخلاف الاختيار ليس من ألفاظ الطلاق لا صريحا ولا كناية ، ولهذا لو قال أبنت نفسي توقف على إجازته ، ولو قالت : اخترت نفسي فهو باطل ، ولا يلحقه إجازة وإنما صار كناية بإجماع الصحابة فيما إذا جعل جوابا للتخيير ، غير أنها زادت وصف تعجيل البينونة فيه فيلغو الوصف ويثبت الأصل ا هـ وقوله [ ص: 332 ] ولهذا إلخ استدلال على إثبات الفرق في مسألتنا بإثباته في مسألة أخرى ، وهي ما لو ابتدأت وقالت أبنت نفسي بدون قوله لها طلقي نفسك وقع إن أجازه أي مع النية منه وكذا منها كما قدمناه قبيل الكنايات عن تلخيص الجامع وشرحه ولو ابتدأت وقالت اخترت نفسي لا يقع وإن أجازه مع النية لأن اخترت لم يوضع كناية إلا في جواب التخيير ولهذا لو قال لها اخترتك ناويا الطلاق لم يقع . بخلاف لفظ الإبانة ، وقوله غير أنها إلخ بيان لوقوع الرجعي في مسألتنا وبما قررناه ظهر لك أنه اشتبه على الشارح مسألة الابتداء بمسألة الجواب فالصواب إسقاط قوله إن أجاز ، وقوله بعده وإن أجازه لأن ذلك فيما إذا ابتدأت بقولها أبنت نفسي أو اخترت ، وقد ذكر المسألة قبيل الكنايات ، وكلامنا الآن فيما إذا قالت ذلك في جواب قوله لها طلقي نفسك وذلك لا يتوقف على الإجازة أصلا ولا على نيتها الطلاق ، خلافا لما في النهر عن التلخيص ، لأن ما في التلخيص من اشتراط نيتها إنما ذكره في مسألة الابتداء لا في مسألة الجواب لأن قولها أبنت نفسي في جواب قوله طلقي نفسك غير محتاج إلى النية . وأيضا فإن الواقع هنا رجعي وفي مسألة الابتداء بائن ، ورأيت ط نبه على بعض ما قلنا وكذا الرحمتي فافهم ( قوله لأنه كناية ) علة لقوله طلقت وأما علة كونها رجعية فتقدمت ( قوله ولا كناية ) أي ليس من كنايات الطلاق بل هو كناية تفويض : وإنما عرف جوابا بلفظ اختاري بالإجماع وألحق الأمر باليد ، بخلاف طلقي فإنه لا يقع الاختيار جوابا .

قال في البحر وأفاد بعدم صلاحيته للجواب أن الأمر يخرج من يدها لاشتغالها بما لا يعنيها كما في الفتح ، ودل اقتصاره على نفي الاختيار أن كل لفظ يصلح للإيقاع من الزوج يصلح جوابا لطلقي نفسك كجواب الأمر باليد كما صرح به في الخلاصة . ا هـ . ( قوله بأنواعه الثلاث ) أي بالتخيير والأمر باليد والمشيئة ( قوله لما فيه من التعليق ) أو لكونه تمليكا يتم بالمملك وحده بلا توقف على القبول كما علل في الفتح وقدمناه في التفويض ( قوله لأنه تمليك ) أي وإن صرح بلفظ الوكالة كما إذا قال وكلتك في طلاقك كما في الخانية : أي لأنها عاملة لنفسها والوكيل عامل لغيره أفاده في البحر . ثم قال : والظاهر أنه لا فرق بين تعليق التطليق أو الطلاق في حق هذا الحكم أي تقييده بالمجلس لما في المحيط : إذا قال لها طلقي نفسك ولم يذكر مشيئة فهو بمنزلة المشيئة إلا في خصلة ، وهي أن نية الثلاث صحيحة في طلقي دون أنت طالق إن شئت . ا هـ . وظاهره أنها إذا لم تشأ في المجلس خرج الأمر من يدها . ا هـ . ( قوله ونحوه إلخ ) كإذا شئت أو إذا ما شئت أو حين شئت فإن لها أن تطلق في المجلس وبعده لأن هذه الألفاظ لعموم الأوقات ، فصار كما إذا قال : في أي وقت شئت ، وكلما كمتى مع إفادة التكرار إلى الثلاث ، بخلاف إن وكيف وحيث وكم وأين وأينما فإنه في هذه يتقيد بالمجلس ، والإرادة والرضا والمحبة كالمشيئة ، بخلاف ما إذا علقه بشيء آخر من أفعالها كالأكل فإنه لا يقتصر على المجلس نهر في الجميع بحر فتأمله .

واعلم أنه متى ذكر المشيئة سواء أتى بلفظ يوجب العموم أو لا إذا طلقت نفسها بلا قصد غلطا لا يقع ، بخلاف ما إذا لم يذكرها حيث يقع قال في الفتح : وقدمنا ما يوجب حمل ما أطلق من كلامهم من الوقوع بلفظ الطلاق غلطا على الوقوع قضاء لا ديانة نهر ( قوله مطلقا ) أي في المجلس وبعده ( قوله وإذا قال لرجل ذلك ) اسم الإشارة راجع [ ص: 333 ] إلى الأمر بالتطليق : أي قال له طلق امرأتي ، قيد به احترازا عما لو قال له أمر امرأتي بيدك فإنه يقتصر على المجلس ولا يملك الرجوع على الأصح ، وكذا جعلت إليك طلاقا فطلقها يقتصر على المجلس ويكون رجعيا بحر ، وأراد بالرجل العاقل احترازا عن الصبي والمجنون لأنه لا بد في صحة التوكيل من عقل الوكيل كما صرح به في كتاب الوكالة بخلاف ما إذا جعل أمرها بيد صبي أو مجنون فإنه يصح لأنه تمليك في ضمنه تعليق ، فكأنه قال : إن قال لك المجنون أنت طالق فأنت طالق ، فهذا مما خالف فيه التمليك التوكيل ، أفاده في البحر ، وتقدم ذلك في باب التفويض ، لكن نقل في البحر بعد ذلك عن البزازية : التوكيل بالطلاق تعليق الطلاق بلفظ ( وكيل ، ولذا يقع منه حال سكره ا هـ ) إلا أن يقال : إن هذا لا ينافي اشتراط العقل لصحة التوكيل ابتداء ، لكن مقتضى التعليق بلفظ الوكيل عدم اشتراط عقله لوجود المعلق عليه بالتطليق ، وعليه فلا فرق بين التمليك والتوكيل في ذلك فليتأمل ( قوله إلا إذا زاد وكلما عزلتك ) إلخ أي فإنه لا يقبل الرجوع ويصير لازما كما في الخلاصة وغيرها نهر ، ومقتضاه أنه لا يمكنه عزله لأنه من أنواع الرجوع ، ويخالفه ما في البحر عن الخانية : الصحيح أنه يملك عزله ، وفي طريقته أقوال . قال السرخسي : يقول عزلتك عن جميع الوكالات فينصرف إلى المعلق والمنجز ، وقيل يقول عزلتك كما وكلتك ، وقيل يقول رجعت عن الوكالات المعلقة وعزلتك عن الوكالة المطلقة ( قوله فيتقيد به إلخ ) لأنه علقه بالمشيئة والمالك هو الذي يتصرف عن مشيئته هداية .

ثم اعلم أنه لو قال شئت لا يقع لأن الزوج أمره بتطليقها إن شاء ولم يوجد التطليق بقوله شئت ، ولو قال هي طالق إن شئت فقال شئت وقع لوجود الشرط وهو مشيئته ، ولو قال طلقها فقال فعلت وقع لأنه كناية عن قوله طلقت بحر عن المحيط .

وفيه عن كافي الحاكم : لو وكله أن يطلق امرأته فطلقها الوكيل ثلاثا إن نوى الزوج الثلاث وقعن وإلا لم يقع شيء عنده وقالا تقع واحدة ( قوله طلقها في مجلسه لا غير ) فلو قام من مجلسه بطل التوكيل هو الصحيح لأن ثبوت الوكالة بالطلاق بناء على ما فوض إليها من المشيئة ومشيئتها تقتصر على المجلس فكذا الوكالة ، كذا في الخانية قال الحلواني : ينبغي أن يحفظ هذا فإنه مما عمت به البلوى ، فإن الوكلاء يؤخرون الإيقاع عن مشيئتها ولا يدرون أن الطلاق لا يقع ، وهذا مما يستثنى من قوله لم يتقيد بالمجلس نهر وهذا مما يلغز به فيقال وكالة تقيدت بمجلس الوكيل بحر ( قوله وطلقت واحدة ) قال في البحر : لا فرق بين الواحدة والثنتين ولو قال : وطلقت أقل وقع ما أوقعته ، لكان أولى وأشار إلى أنها لو طلقت ثلاثا فإنه يقع بالأولى وسواء كانت متفرقة أو بلفظ واحد . ا هـ . ( قوله وقعت ) أي رجعية لأن اللفظ صريح كذا في بعض النسخ ( قوله لأنها ) أي الواحدة وقال في الفتح : لأنها لما ملكت إيقاع الثلاث كان لها أن توقع منها ما شاءت كالزوج نفسه ا هـ

قال الرملي : مقتضاه أن في مسألة ما إذا قال لها طلقي نفسك ونوى ثلاثا فطلقت ثنتين تقع ثنتان لأنها ملكت أيضا إيقاع الثلاث فكان لها أن توقع منها ما شاءت ، ولم أر من نبه عليه ، ويدل عليه قولهم فيها أنه لا فرق بين إيقاعها [ ص: 334 ] الثلاث بلفظ واحد أو متفرقة ، فإنا عند التفريق قد حكمنا بوقوع الثانية قبل الثالثة ، فلو اقتصرنا على الثانية تقع الثنتان فلو لم تملك الثنتين لما جاز التفويض تأمل . ا هـ . ( قوله وكذا الوكيل إلخ ) قال في البحر : وفرق في هذا الحكم بين التمليك والتوكيل ، فلو وكله أن يطلقها ثلاثا فطلقها واحدة وقعت واحدة ، فلو وكله أن يطلقها ثلاثا بألف درهم فطلقها واحدة لم يقع شيء إلا أن يطلقها واحدة بكل الألف كذا في كافي الحاكم ا هـ أي لأن الواحدة وإن كانت بعض ما فوض إليه لكن الزوج لم يرض بالطلاق إلا بعوض مخصوص فلا يصح بدونه ( قوله لا يقع شيء في عكسه ) أي فيما إذا أمرها بالواحدة فطلقت ثلاثا بكلمة واحدة عند الإمام ، أما لو قالت واحدة وواحدة وواحدة وقعت واحدة اتفاقا لامتثالها بالأولى ويلغو ما بعده .

وكذا لو قال أمرك بيدك ينوي واحدة فطلقها نفسها ثلاثا . قال في المبسوط : تقع واحدة اتفاقا لأنه لم يتعرض للعدد لفظا واللفظ صالح للعموم والخصوص ، وتمامه في البحر ( قوله وقالا واحدة ) أي تقع واحدة ( قوله طلقي نفسك إلخ ) لا فرق في المعلق بالمشيئة بين كونه أمرا بالتطليق أو نفس الطلاق ، حتى لو قال لها أنت طالق ثلاثا إن شئت أو واحدة إن شئت فخالفت لم يقع شيء بحر ( قوله وكذا عكسه ) بأن يقول طلقي نفسك واحدة إن شئت فطلقت ثلاثا بحر ( قوله لا يقع فيهما ) بلا خلاف في الأولى لأن تفويض الثلاث معلق بشرط هو مشيئتها إياها لأن معناه إن شئت الثلاث فلم يوجد الشرط لأنها لم تشأ إلا واحدة ، بخلاف ما إذا لم يقيد بالمشيئة ، ودخل في كلامه ما لو قالت شئت واحدة وواحدة وواحدة منفصلا بعضها عن بعض بالسكوت لأنه فاصل فلم توجد مشيئة الثلاث ، بخلاف المتصلة بلا سكوت لأن مشيئة الثلاث قد وجدت بعد الفراغ من الكل وهي في نكاحه .

ولا فرق بين المدخولة وغيرها وأما الثانية فعدم الوقوع فيها قول الإمام وعندهما تقع واحدة بحر ( قوله لاشتراط الموافقة لفظا ) إنما تشترط الموافقة لفظا فيما هو أصل لا فيما هو تبع وهنا كذلك لأن الإيقاع بالعدد عند ذكره بالوصف ، فإذا أمرها بثلاث أو بالواحدة فعكست تكون قد خالفت في الأصل الذي به الإيقاع ، بخلاف ما مر من أنه لو قال لها طلقي نفسك فقالت أبنت نفسي فإنها تطلق لأنها خالفت في الوصف فقط فيلغو ويقع الرجعي كما مر . لكن هذا يقتضي عدم الفرق بين المعلق بالمشيئة وغيره مع أنه تقدم في غير المعلق بها كطلقي نفسك ثلاثا وطلقت واحدة أنه يقع واحدة إلا أن يقال إن اشتراط الموافقة لفظا خاص بالمعلق بالمشيئة فيكون تعليقا للإتيان بصورة اللفظ كما يفيده ما يذكره الشارح قريبا عن الخانية فليتأمل .

( قوله لما في تعليق الخانية ) عبارته على ما في البحر : طلقي نفسك عشرا إن شئت فقالت طلقت نفسي ثلاثا لا يقع ثم قال : لو قال لها أنت طالق واحدة إن شئت فقالت شئت نصف واحدة لا تطلق ا هـ وبه علم أن الشارح أسقط قيد المشيئة ووجه عدم الوقوع المخالفة في اللفظ وإن وافق في المعنى لأن العشرة لا يقع منها إلا ثلاثة والنصف يقع واحدة ( قوله أمرها ببائن أو رجعي إلخ ) بأن قال لها طلقي نفسك بائنة فقالت طلقت نفسي رجعية ، أو قال لها رجعية فقالت طلقت نفسي بائنة . وشمل ما إذا قالت أبنت نفسي لأنه راجع لما قبله ، وقد فرق بينهما قاضي خان في حق الوكيل فقال : رجل قال لغيره طلق امرأتي رجعية فقال لها الوكيل طلقتك بائنة تقع واحدة رجعية ولو قال الوكيل أبنتها لا يقع شيء ا هـ ولعل الفرق بين الوكيل والمأمورة أن الوكيل بالطلاق لا يملك الإيقاع بلفظ الكناية [ ص: 335 ] لأنها متوقفة على نيته وقد أمره بطلاق لا يتوقف على النية فكان مخالفا في الأصل ، بخلاف المرأة فإنه ملكها الطلاق بكل لفظ يملك الإيقاع به صريحا كان أو كناية لكنه يتوقف على وجود النقل بأن الوكيل لا يملك الإيقاع بالكناية بحر .

واعترضه في النهر بأن ما في الخانية صريح في أن الوكيل يكون مخالفا بإيقاعه بالكناية .

هذا وقيد الشهاب الشلبي كلام المتن بما إذا قالت طلقت نفسي بائنة بخلاف أبنت نفسي فإنه لا يقع شيء وقال : فاغتنم هذا التحرير فإنك لا تجده في شرح من الشروح ، ونقله الشرنبلالي وأقره .

قلت : لكن الشلبي قيد بذلك أخذا من كلام قاضي خان في الوكيل وهو يتوقف على ثبوت عدم الفرق بينهما وفيه ما علمت مع أنه تقدم أول الفصل أنها تطلق بقولها أبنت نفسي فليتأمل ( قوله والأصل إلخ ) قال في الفتح : والحاصل أن المخالفة إن كانت في الوصف لا تبطل الجواب بل يبطل الوصف الذي به المخالفة ويقع على الوجه الذي فوض به ، بخلاف ما إذا كانت في الأصل حيث يبطل كما إذا فوض واحدة فطلقت ثلاثا على قول أبي حنيفة أو فوض ثلاثا فطلقت ألفا ( قوله خانية بحر ) أي نقله في البحر عن الخانية وفي بعض النسخ وبحر بالواو وهي صحيحة أيضا ، بل أولى لأن ذلك مستفاد من مجموع الكتابين ، فإنه في الخانية ذكر في باب التعليق قال لها : طلقي نفسك واحدة بائنة إن شئت فطلقت نفسها رجعية ، أو قال واحدة أملك الرجعة إن شئت فطلقت بائنة لا يقع شيء في قياس قول أبي حنيفة لأنها ما أتت بمشيئة ما فوض إليها فاستنبط منه في البحر أن ما ذكره المصنف مفروض في غير المعلق بالمشيئة فافهم




الخدمات العلمية