الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( يبر ) المديون ( في حلفه ) لرب الدين ( لأقضين مالك [ ص: 840 ] اليوم ) فجاء به فلم يجده ودفع للقاضي ولو في موضع لا قاضي له حنث به يفتى منية المفتي ، وكذا يبر ( لو ) وجده ف ( أعطاه فلم يقبل فوضعه بحيث تناله يده لو أراد ) قبضه ( وإلا ) يكن كذلك ( لا ) يبر ظهيرية وفيها حلف ليجهدن في قضاء ما عليه لفلان باع ما للقاضي بيعه لو رفع الأمر إليه ( وكذا يبر بالبيع ) ونحوه مما تحصل المقاصة فيه ( به ) أي بالدين لأن الديون تقضى بأمثالها ( وهبة ) الدائن ( الدين منه ) أي من المديون ( ليس بقضاء ) لأن الهبة إسقاط [ ص: 841 ] لا مقاصة ( و ) حينئذ ف ( لا حنث لو كانت اليمين مؤقتة ) لعدم إمكان البر مع هبة الدين ، وإمكان البر شرط البقاء ( كما ) هو شرط الابتداء كما مر في مسألة الكوز ، وعليه ( لو حلف ليقضين دينه غدا فقضاه اليوم أو حلف ليقتلن فلانا غدا فمات اليوم أو ) حلف ( ليأكلن هذا الرغيف غدا فأكله اليوم ) لم يحنث زيلعي .

التالي السابق


مطلب لأقضين مالك اليوم

( قوله ودفع للقاضي ) وذكر الناطفي أن القاضي ينصب عن الغائب وكيلا ، وقيل إذا غاب الطالب لا يحنث الحالف وإن لم يدفع إلى القاضي ، ولا إلى الوكيل ، وفي بعض الروايات يحنث وإن دفع للقاضي والمختار الأول خانية .

قلت : وهذه إحدى المسائل الخمسة التي يجوز فيها القضاء على المسخر وذكرها ط وسيذكرها الشارح في كتاب القضاء ( قوله باع ما للقاضي بيعه إلخ ) أي يبر بيمينه إلا إذا باع ما يبيعه القاضي عليه إذا امتنع من البيع بنفسه وذلك كما في الجوهرة وغيرها أنه يباع في الدين العروض أولا ثم العقار ويترك له دست من ثياب بدنه ، وإن أمكنه الاجتزاء بدونها باعها ، واشترى من ثمنها ثوبا يلبسه لأن قضاء الدين فرض مقدم على التجمل ، وكذا لو كان له مسكن يمكنه أن يجتزئ بدونه ويشتري من ثمنه مسكنا يبيت فيه ، وقيل يباع ما لا يحتاج إليه في الحال فتباع الجبة واللبد والنطع في الشتاء ( قوله وكذا يبر بالبيع ) أي وإن لم يقبض لأن البر وقضاء الدين يحصل بمجرد البيع ، حتى لو هلك المبيع قبل قبضه انفسخ البيع وعاد الدين ولا ينتقض البر في اليمين وإنما نص محمد على القبض ليتقرر الدين على رب الدين لاحتمال سقوط الثمن بهلاك المبيع قبل قبضه ، ولو كان البيع فاسدا وقبضه فإن كانت قيمته تفي بالدين وإلا حنث لأنه مضمون بالقيمة فتح قال في البحر : وشمل ما إذا كان المبيع مملوكا لغير الحالف ولذا قال في الظهيرية إن ثمن المستحق مملوك ملكا فاسدا فملك المديون ما في ذمته ( قوله ونحوه إلخ ) كما لو تزوج الطالب أمة المطلوب ودخل بها أو وجب عليه دين بالاستهلاك أو بالجناية يبر أيضا نهر . والظاهر أن التقييد بالدخول اتفاقي واحتمال سقوط نصف المهر بالطلاق قبل الدخول لا ينقض البر كاحتمال هلاك المبيع قبل قبضه كما مر ويؤيده ما في الظهيرية : حلف لا يفارقها حتى يستوفي حقه منها فتزوجها على ما له عليها ، فهو استيفاء وفيها حلف لا يقبض دينه من غريمه اليوم ، واستهلك شيئا من ماله اليوم فلو مثليا لا يحنث لأن الواجب مثله لا قيمته ولو قيميا وقيمته مثل الدين أو أكثر حنث لأنه صار قابضا بطريق المقاصة ، وهذا إن استهلكه بعد غصبه لأنه وجد القبض الموجب للضمان فيصير قابضا دينه ، وإن قبله كأن أحرقه لم يحنث لعدم القبض ا هـ ملخصا .

وتمام فروع المسألة في البحر ( قوله به ) متعلق بالبيع والظاهر أنه غير قيد ، حتى لو باعه شيئا بثمن قدر الدين تقع المقاصة وإن لم يجعل الدين الثمن يدل عليه مسألة الاستهلاك المذكورة آنفا ولذا لم يقيد به في الفتح ( قوله لأن الديون تقضى بأمثالها ) قال في الفتح : لأن قضاء الدين لو وقع بالدراهم كان بطريق المقاصة ، وهو أن يثبت في ذمة القابض وهو الدائن مضمونا عليه لأنه قبضه لنفسه ليتملكه ، وللدائن مثله على المقبض فيلتقيان قصاصا وكذا هنا ( قوله لأن الهبة إسقاط ) ولأن القضاء فعل المديون والهبة فعل الدائن بالإبراء فلا يكون فعل هذا فعل الآخر فتح . [ ص: 841 ] تنبيه ]

قيل إن شرط البر القضاء ، ولم يوجد فيلزم الحنث وإلا لزم ارتفاع النقيضين . قال في الفتح : وهو غلط فإن النقيضين الواجب صدق أحدهما دائما هما في الأمور الحقيقة كوجود زيد وعدمه ، أما المتعلق قيامهما بسبب شرعي فيثبت حكمهما ما بقي السبب قائما وقيام اليمين سبب لثبوت أحدهما من الحنث أو البر ، وينتفيان بانتفائه كما هو قبل اليمين حيث لا بر ولا حنث ولذا قالوا هنا لم يحنث ولم يقولوا بر ولم يحنث . ا هـ . ( قوله وإمكان البر شرط البقاء إلخ ) أي في اليمين المؤقتة بخلاف المطلقة فإنه فيها شرط الابتداء فقط ، وحين حلف كان الدين قائما فكان تصور البر ثابتا فانعقدت ثم حنث بعد مضي زمن يقدر فيه على القضاء باليأس من البر بالهبة فتح ( قوله وعليه ) أي ويبتني على اعتبار هذا الشرط . ( قوله لم يحنث ) لفوات إمكان البر في الغد قبل وقته فبطلت اليمين .




الخدمات العلمية