الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قلت : وسيجيء في باب الوصي جواز بيع عقار الصبي في سبع مسائل ، وأفتى مفتي دمشق فضل الله الرومي بأن غالب أراضينا سلطانية لانقراض ملاكها ، فآلت لبيت المال ، فتكون في يد زراعها كالعارية ا هـ وفي النهر عن الواقعات : لو أراد السلطان شراءها لنفسه يأمر غيره ببيعها ثم يشتريها منه لنفسه انتهى ، وإذا لم يعرف الحال في الشراء من بيت المال فالأصل الصحة وبه عرف صحة وقف المشتراة من بيت المال وأن شروط الواقفين صحيحة [ ص: 184 ] وأنه لا خراج على أراضيها

التالي السابق


( قوله في سبع مسائل ) ونصه وجاز بيعه عقار صغير من أجنبي ، لا من نفسه بضعف قيمته أو لنفقة الصغير ، أو دين الميت أو وصية مرسلة لا إنفاذ لها إلا منه أو تكون غلته لا تزيد على مؤنته أو خوف خرابه أو نقصانه ، أو كونه في يد متغلب . ا هـ . ح ( قوله فضل الله الرومي ) في بعض النسخ الرضي ولعله تحريف ( قوله بأن غالب أراضينا ) الظاهر أن المراد الأراضي الشامية ، ويحتمل أن يكون المراد الأراضي الرومية ، ويؤيد الأول ما قدمناه عن الدر المنتقى من قوله : وكذا الشامية حيث جعلها مثل المصرية ، وكأن هذا مأخوذ من كلام الفتح المار وقد علمت ما فيه ( قوله كالعارية ) وجه الشبه بينهما عدم تصرف من هي في يده تصرف الملاك من البيع ونحوه . ا هـ . ح فلا ينافي ما مر عن التتارخانية من أنها تكون في أيديهم بالأجرة بقدر الخراج وسيذكر الشارح أن من أقطعه السلطان أرضا فله إجارتها ( قوله ثم يشتريها منه ) يعني من المشتري كما قدمنا التصريح به في عبارة التجنيس وظاهر هذا أنه لا تشترط الضرورة في صحة البيع والشراء كما مر ( قوله وإذا لم يعرف الحال في الشراء إلخ ) أي لم يعرف أنه شراء صحيح ، وجد فيه المسوغ الشرعي بناء على ما مر عن الفتح من أنه لا يجوز إلا لضرورة ( قوله فالأصل الصحة ) حملا لحال المسلم على الكمال ( قوله وبه عرف إلخ ) هذا كله أيضا من كلام النهر ، وأصله لصاحب البحر . مطلب في وقف الأراضي التي لبيت المال ومراعاة شروط الواقف

حاصله أن من اشترى أرضا مما صار لبيت المال فقد ملكها ، وإن لم يعرف حال الشراء حملا له على الصحة ولا خراج عليها بناء على ما مر من أنها لما مات ملاكها بلا ورثة عادت لبيت المال وسقط خراجها لعدم من يجب عليه فإذا باعها الإمام لم يجب على المشتري خراجها لقبض الإمام ثمنها وهو بدل عينها وتقدم أيضا أنه لا عشر عليها أيضا وقدمنا ما في ذلك وحيث ملكها بالشراء صح وقفه لها وتراعى شروط وقفه قال في التحفة المرضية سواء كان سلطانا أو أميرا أو غيرهما ، وما ذكره الجلال السيوطي من أنه لا يراعى شروطه إن كان سلطانا أو أميرا وأنه يستحق ريعه من يستحق في بيت المال ، من غير مباشرة للوظائف ، فمحمول على ما إذا وصلت إلى الواقف بإقطاع السلطان إياه من بيت المال كما لا يخفى . ا هـ . وحاصله أن ما ذكره السيوطي لا يخالف ما قلنا لأنه محمول على ما إذا لم يعرف شراء الواقف لها من بيت المال بل وصلت إليه بإقطاع السلطان لها : أي بأن جعل له خراجها مع بقاء عينها لبيت المال فلم يصح وقفه لها ، ولا تلزم شروطه ، بخلاف ما إذ ملكها ثم وقفها كما قلنا . مطلب أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها

قلت : لكن بقي ما إذا لم يعرف شراؤه لها ولا عدمه والظاهر أنه لا يحكم بصحة وقفها لأنه لا يلزم من وقفه لها أنه ملكها ولهذا قال السيد الحموي في حاشية الأشباه قبيل قاعدة : إذا اجتمع الحلال والحرام ما نصه : [ ص: 184 ] وقد أفتى علامة الوجود المولى أبو السعود مفتي السلطنة السليمانية بأن أوقاف الملوك والأمراء لا يراعى شرطها : لأنها من بيت المال أو ترجع إليه ، وإذا كان كذلك يجوز الإحداث إذا كان المقرر في الوظيفة أو المرتب من مصاريف بيت المال . ا هـ .

ولا يخفى أن المولى أبا السعود أدرى بحال أوقاف الملوك ومثله ما سيذكره الشارح في الوقف عن المحبية عن المبسوط من أن السلطان يجوز له مخالفة الشرط إذا كان غالب جهات الوقف قرى ومزارع لأن أصلها لبيت المال ا هـ يعني إذا كانت لبيت المال ، ولم يعلم ملك الواقف لها فيكون ذلك إرصادا لا وقفا حقيقة : أي أن ذلك السلطان الذي وقفه أخرجه من بيت المال ، وعينه لمستحقيه من العلماء والطلبة ، ونحوهم عونا لهم على وصولهم إلى بعض حقهم من بيت المال . مطلب على ما وقع للسلطان برقوق من إرادته نقض أوقاف بيت المال

ولذا لما أراد السلطان نظام المملكة برقوق في عام نيف وثمانين وسبعمائة أن ينقض هذه الأوقاف لكونها . أخذت من بيت المال ، وعقد لذلك مجلسا حافلا حضره الشيخ سراج الدين البلقيني والبرهان بن جماعة وشيخ الحنفية الشيخ أكمل الدين شارح الهداية فقال البلقيني : ما وقف على العلماء والطلبة لا سبيل إلى نقضيه لأن لهم في الخمس أكثر من ذلك وما وقف على فاطمة وخديجة وعائشة ينقض ، ووافقه على ذلك الحاضرون كما ذكره السيوطي في النقل المستور في جواز قبض معلوم الوظائف بلا حضور . ثم رأيت نحوه في شرح الملتقى ، ففي هذا صريح بأن أوقاف السلاطين من بيت المال إرصادات ، لا أوقاف حقيقة ، وأن ما كان منها على مصاريف بيت المال لا ينقض ، بخلاف ما وقفه السلطان على أولاده أو عتقائه مثلا ، وأنه حيث كانت إرصادا لا يلزم مراعاة شروطها لعدم كونها وقفا صحيحا ، فإن شرط صحته ملك الواقف ، والسلطان بدون الشراء من بيت المال لا يملكه . وقد علمت موافقة العلامة الأكمل على ذلك ، وهو موافق لما مر عن المبسوط ، وعن المولى أبي السعود ولما سيذكره الشارح في الوقف عن النهر : من أن وقف الإقطاعات لا يجوز إلا إذا كانت أرضا مواتا ، أو ملكا للإمام فأقطعها رجلا ، وهذا خلاف ما في التحفة المرضية عن العلامة قاسم من أن وقف السلطان لأرض بيت المال صحيح . قلت : ولعل مراده أنه لازم لا يغير إذا كان على مصلحة عامة كما نقل الطرسوسي عن قاضي خان من أن السلطان لو وقف أرضا من بيت مال المسلمين على مصلحة عامة للمسلمين جاز قال ابن وهبان : لأنه إذا أبده على مصرفه الشرعي ، فقد منع من يصرفه من أمراء الجور في غير مصرفه ا هـ فقد أفاد أن المراد من هذا الموقف تأبيد صرفه على هذه الجهة المعينة التي عينها السلطان ما هو مصلحة عامة ، وهو معنى الإرصاد السابق ، فلا ينافي ما تقدم والله سبحانه أعلم

.



الخدمات العلمية