الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وفاقد وقتهما ) كبلغار ، فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق في أربعينية الشتاء ( مكلف بهما فيقدر لهما ) [ ص: 363 ] ولا ينوي القضاء لفقد وقت الأداء به أفتى البرهان الكبير واختاره الكمال ، وتبعه ابن الشحنة في ألغازه فصححه ، فزعم المصنف أنه المذهب ( وقيل لا ) يكلف بهما لعدم سببهما ، وبه جزم في الكنز والدرر والملتقى وبه أفتى البقالي ، ووافقه الحلواني والمرغيناني ورجحه الشرنبلالي والحلبي ، وأوسعا المقال ومنعا ما ذكره الكمال [ ص: 364 - 365 ] قلت : ولا يساعده حديث الدجال ; لأنه وإن وجب أكثر من ثلثمائة ظهر [ ص: 366 ] مثلا قبل الزوال ليس كمسألتنا ; لأن المفقود فيه العلامة لا الزمان ، وأما فيها فقد فقد الأمران .

التالي السابق


مطلب في فاقد وقت العشاء كأهل بلغار

. ( قوله : كبلغار ) بضم الباء الموحدة فسكون اللام وألف بين الغين المعجمة والراء ، لكن ضبطه في القاموس بلا ألف . وقال : والعامة تقول بلغار : وهي مدينة الصقالبة ضاربة في الشمال شديدة البرد ا هـ .

( قوله : فإن فيها يطلع الفجر قبل غروب الشفق ) مقتضاه أنه فقد وقت العشاء والوتر فقط وليس كذلك ، بل فقد وقت الفجر أيضا ; لأن ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر ، وطلوع الفجر يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق أفاده ح .

أقول : الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط ، ولم نر أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة ، وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا ; لأن الفجر عندهم اسم للبياض المنتشر في الأفق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام . على أنا لا نسلم عدم الظلام هنا ، ثم رأيت ط ذكر نحوه .

( قوله : في أربعينية الشتاء ) صوابه في أربعينية الصيف كما في الباقاني . وعبارة البحر وغيره : في أقصر ليالي السنة وتمامه في ح . وقول النهر : في أقصر أيام السنة سبق قلم ، وهو الذي أوقع الشارح .

( قوله : فيقدر لهما ) هذا موجود في نسخ المتن المجردة ساقط من المنح ، ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض ، حيث قال : ولو كانوا في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب ، وقيل يجب ويقدر الوقت . ا هـ .

بقي الكلام في معنى التقدير ، والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء العشاء ، بأن يقدر أن الوقت أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما يأتي ; لأنه لا يجب بدون السبب ، فيكون قوله ويقدر الوقت جوابا عن قوله في الأول لعدم السبب .

وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال . ويحتمل أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم ، والمعنى الأول أظهر ، كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق هذه المسألة بمسألة أيام الدجال ; ولأن هذه المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم البقالي والحلواني والبرهان الكبير فأفتى البقالي بعدم الوجوب ، وكان الحلواني يفتي بوجوب القضاء ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر ؟ فأجاب السائل بقوله : من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه ؟ فقال له : ثلاث ، لفوات المحل ، قال فكذلك الصلاة ، فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب . وأما البرهان الكبير فقال بالوجوب ، لكن قال في الظهيرية وغيرها : لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد وقت الأداء . واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل ، وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة ، وهو [ ص: 363 ] أي الأداء فرض الوقت ولم يقل به أحد ، إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا . ا هـ . وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس كما في الزيلعي وغيره ، فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الأداء .

إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الأداء ، ولو كان الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقتا للعشاء حقيقة بحيث تكون العشاء فيه أداء مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الأداء : وأيضا لو فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في حقهم ، أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر .

إن قلنا : إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر ، وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل ، فتعين ما قلنا في معنى التقدير ما لم يوجد نقل صريح بخلافه . وأما مذهب الشافعية فلا يقضي على مذهبنا ، ثم رأيت في الحلية ذكر ما ذكره الشافعية ثم اعترضه بأن ظاهر حديث الدجال يفيد التقدير في خصوص ذلك البلد ; لأن الوقت يختلف باختلاف كثير من الأقطار ، وهذا مؤيد لما قلنا ولله الحمد فافهم .

( قوله : ولا ينوي القضاء إلخ ) قد علمت ما أورده الزيلعي عليه من أنه يلزم من عدم نية القضاء أن يكون أداء ضرورة إلخ ، فيتعين أن يحمل كلام البرهان الكبير على وجوب القضاء كما كان يقول به الحلواني .

وقد يقال : لا مانع من كونها لا أداء ولا قضاء كما سمى بعضهم ما وقع بعضها في الوقت أداء وقضاء ، لكن المنقول عن المحيط وغيره أن الصلاة الواقع بعضها في الوقت وبعضها خارجه يسمى ما وقع منها في الوقت أداء ، وما وقع خارجه يسمى قضاء اعتبارا لكل جزء بزمانه فافهم .

( قوله : فزعم المصنف إلخ ) أي حيث جزم به ، وعبر عن مقابله بقيل ; ولذا نسبه في الإمداد إلى الوهم .

( قوله : وأوسعا المقال ) أي كل من الشرنبلالي والبرهان الحلبي لكن الشرنبلالي نقل كلام البرهان الحلبي برمته فلذا نسب إليه الإيساع .

( قوله : ومنعا ما ذكره الكمال ) أما الذي ذكره الكمال فهو قوله ومن لا يوجد عندهم وقت العشاء أفتى البقالي بعدم الوجوب عليهم لعدم السبب كما يسقط غسل اليدين من الوضوء عن مقطوعهما من المرفقين ، ولا يرتاب متأمل في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جعل علامة على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر وجواز تعدد المعرفات للشيء فانتفاء الوقت المعرف ، وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليل آخر وقد وجد ، وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله تعالى الصلوات خمسا بعد ما أمر أولا بخمسين ، ثم استقر الأمر على [ ص: 364 ] الخمس شرعا عاما لأهل الآفاق لا تفصيل بين قطر وقطر ، وما روي " { أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال ، قلنا : ما لبثه في الأرض ؟ قال أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم ، قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : لا ، اقدروا له } " رواه مسلم ، فقد أوجب أكثر من ثلثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين وقس عليه ، فاستفدنا أن الواجب في نفس الأمر خمس على العموم ، غير أن توزيعها على تلك الأوقات عند وجودها ولا يسقط بعدمها الوجوب ، وكذا قال صلى الله عليه وسلم " { خمس صلوات كتبهن الله على العباد } " . ا هـ . وأما الذي ذكره البرهان الحلبي في شرح المنية فهو قوله والجواب أن يقال : كما استقر الأمر على أن الصلوات خمس ، فكذا استقر الأمر على أن للوجوب أسبابا وشروطا لا يوجد بدونها ، وقولك شرعا عاما إلخ إن أردت أنه عام على كل من وجد في حقه شروط الوجوب وأسبابه سلمناه ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر ، وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين في كل فرد من أفراد الأيام مطلقا فهو ظاهر البطلان ، فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات ، وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا ، ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب عليها تمام صلوات اليوم والليلة لأجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف .

فإن قلت : تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض . قلنا لك : كذلك تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت ، وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الإسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف هؤلاء ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في يوم وليلة ، والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح ; لأنه لا مدخل للقياس في وضع الأسباب ، ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس ، والحديث ورد على خلاف القياس ، فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال : هذا حكم مخصوص بذلك الزمان شرعه لنا صاحب الشرع ، ولو وكلنا فيه لاجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة واكتفينا بالصلوات الخمس . ا هـ .

ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة ولا مساواة ، فإن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص . والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها ليس هو وقتا لصلاة أخرى ، بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها ، وإذا مضى صارت قضاء كما في سائر الأيام فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع ولا كذلك هنا إذ الزمان الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالإجماع فكيف يصح القياس وعلم بما ذكرنا عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي .

ولذا سلمه الإمام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه - إنصافا منه ، وذلك لأن الغسل سقط ثم لعدم شرطه لأن المحال شروط ، فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا ، وكما لم يقم هناك دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الإبط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل ، كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء ، وكما أن الصلوات خمس بالإجماع على المكلفين كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن أربع بالإجماع لكن لا بد من وجود جميع أسباب [ ص: 365 ] الوجوب وشرائطه في جميع ذلك ، فليتأمل المنصف ، والله سبحانه وتعالى الموفق ا هـ كلام البرهان الحلبي .

وقد كر عليه الفاضل المحشي بالنقص ، وانتصر للمحقق بما يطول ، فمن جملة ذلك أنه قال : إن ما فعلناه ليس من باب القياس بل الإلحاق دلالة ، وقول البرهان الحلبي إن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص ممنوع ، وذلك لأن من يقدر يجعل لكل صلاة وقتا يختص بها لا يشاركها فيه غيرها . ا هـ .

أقول : لا يخفى أن القائلين بالوجوب عندنا لم يجعلوا لتلك الصلاة وقتا خاصا بها بحيث يكون فعلها فيه أداء وخارجها قضاء كما هو في أيام الدجال ; لأن الحلواني قال بوجوبها قضاء والبرهان الكبير قال : لا ينوي القضاء لعدم وقت الأداء ، وبه صرح في الفتح أيضا ، فأين الإلحاق دلالة مع عدم المساواة ؟ فلو كان بطريق الإلحاق أو القياس لجعلوا لها وقتا خاصا بها تكون فيه أداء ، وإنما قدروه موجودا لإيجاب فعلها بعد الفجر وليس معنى التقدير ما قاله الشافعية كما علمت وإلا لزم كونها فيه أداء وقد علمت قول الزيلعي إنه لم يقل به أحد : أي بكونها أداء ; لأنه لا يبقى وقت العشاء بعد الفجر .

والأحسن في الجواب عن المحقق الكمال ابن الهمام أنه لم يذكر حديث الدجال ليقيس عليه مسألتنا أو يلحقها به دلالة ، وإنما ذكره دليلا على افتراض الصلوات الخمس وإن لم يوجد السبب افتراضا عاما ; لأن قوله وما روي معطوف على قوله ما تواطأت عليه أخبار الإسراء ، وما أورده عليه من عدم الافتراض على الحائض والكافر يجاب عنه بما قاله المحشي من ورود النص بإخراجهما من العموم .

هذا وقد أقر ما ذكره المحقق تلميذاه العلامتان المحققان ابن أمير حاج والشيخ قاسم . والحاصل أنهما قولان مصححان ، ويتأيد القول بالوجوب بأنه قال به إمام مجتهد وهو الإمام الشافعي كما نقله في الحلية عن المتولي عنه .

( قوله : ولا يساعده ) الضمير راجع إلى ما ذكره الكمال ح .

( قوله : حديث الدجال ) هو ما قدمناه في كلام الكمال .

قال الإسنوي : فيستثنى هذا اليوم مما ذكر في المواقيت ، ويقاس اليومان التاليان له . قال الرملي في شرح المنهاج : ويجري ذلك فيما لو مكثت الشمس عند قوم مدة . ا هـ . ح . قال في إمداد الفتاح قلت : وكذلك يقدر لجميع الآجال كالصوم والزكاة والحج والعدة وآجال البيع والسلم والإجارة ، وينظر ابتداء اليوم فيقدر كل فصل من الفصول الأربعة بحسب ما يكون كل يوم من الزيادة والنقص كذا في كتب الأئمة الشافعية ، ونحن نقول بمثله إذ أصل التقدير مقول به إجماعا في الصلوات ا هـ . مطلب في طلوع الشمس من مغربها

[ تنبيه ] ورد في حديث مرفوع { أن الشمس إذا طلعت من مغربها تسير إلى وسط السماء ثم ترجع ثم بعد ذلك تطلع من المشرق كعادتها } . قال الرملي الشافعي في شرح المنهاج : وبه يعلم أنه يدخل وقت الظهر برجوعها ; لأنه بمنزلة زوالها ، ووقت العصر إذا صار ظل كل شيء مثله ، والمغرب بغروبها . وفي هذا الحديث أن ليلة طلوعها من مغربها تطول بقدر ثلاث ليال ، لكن ذلك لا يعرف إلا بعد مضيها لانبهامها على الناس ، فحينئذ قياس ما مر أنه يلزم قضاء الخمس ; لأن الزائد ليلتان فيقدران عن يوم وليلة وواجبهما الخمس . ا هـ .

( قوله : لأنه وإن وجب ) علة لعدم المساعدة ح .

( قوله : أكثر من ثلثمائة ظهر إلخ ) فيه أن الوارد أن اليوم كسنة فما قبل الزوال نحو نصف سنة ولا يتكرر فيه الظهر هذا العدد ، فالمناسب تعبير الكمال بما مر من قوله فقد وجب أكثر من ثلثمائة عصر قبل صيرورة الظل مثلا أو مثلين لكنه ظاهر في المثلين ; لأنه قريب من خمسة أسداس النهار بخلاف المثل ، والأظهر قوله [ ص: 366 ] في الشرنبلالية وإن وجب أكثر من ثلثمائة عشاء مثلا قبل طلوع الفجر .

( قوله : مثلا ) أي أن الصبح والعصر والمغرب والعشاء والوتر كذلك ح .

( قوله : فيه ) أي في حديث الدجال .

( قوله : وأما فيها ) أي في مسألتنا . وفي بعض النسخ فيهما : أي في العشاء والوتر .

( قوله : فقد فقد الأمران ) أي العلامة ، وهي غيبوبة الشفق قبل الفجر والزمان المعلم وهو ما تقع الصلاة فيه أداء ضرورة أن الزمان الموجود قبل الفجر هو زمان المغرب وبعده هو زمان الصبح فلم يوجد الزمان الخاص بالعشاء ، وليس المراد فقد أصل الزمان كما لا يخفى ، نعم إذا قلنا بالتقدير هنا يكون الزمان موجودا تقديرا كما في يوم الدجال ، فلا يرد على المحقق ، والله تعالى أعلم .

[ تتمة ] لم أر من تعرض عندنا لحكم صومهم فيما إذا كان يطلع الفجر عندهم كما تغيب الشمس أو بعده بزمان لا يقدر فيه الصائم على أكل ما يقيم بنيته ، ولا يمكن أن يقال بوجوب موالاة الصوم عليهم ; لأنه يؤدي إلى الهلاك . فإن قلنا بوجوب الصوم يلزم القول بالتقدير ، وهل يقدر ليلهم بأقرب البلاد إليهم كما قاله الشافعية هنا أيضا ، أم يقدر لهم بما يسع الأكل والشرب ، أم يجب عليهم القضاء فقط دون الأداء ؟ كل محتمل ، فليتأمل . ولا يمكن القول هنا بعدم الوجوب أصلا كالعشاء عند القائل به فيها ; لأن علة عدم الوجوب فيها عند القائل به عدم السبب ، وفي الصوم قد وجد السبب وهو شهود جزء من الشهر وطلوع فجر كل يوم ، هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية