الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ فروع ] الزيادة في الأجرة من المستأجر تصح في المدة [ ص: 22 ] وبعدها . وأما الزيادة على المستأجر ، فإن في الملك ولو ليتيم لم تقبل كما لو رخصت ، وإن في الوقف فإن الإجارة فاسدة آجرها الناظر بلا عرض على الأول لكن الأصل صحتها بأجر المثل ، ولو ادعى رجل أنها بغبن فاحش ، فإن أخبر القاضي ذو خبرة أنها كذلك فسخها وتقبل الزيادة وإن شهدوا وقت العقد أنها بأجر المثل ، وإلا فإن [ ص: 23 ] كانت إضرارا وتعنتا لم تقبل ، وإن كانت الزيادة أجر المثل فالمختار قبولها فيفسخها المتولي ، فإن امتنع فالقاضي [ ص: 24 ] ثم يؤجرها ممن زاد ، فإن كانت دارا أو حانوتا أو أرضا فارغة عرضها على المستأجر ، فإن قبلها فهو أحق ولزمه الزيادة من وقت قبولها فقط ، وإن أنكر زيادة أجر المثل وادعى أنها إضرار فلا بد من البرهان عليه ، وإن لم يقبلها آجرها المتولي ، وإن كانت مزروعة لم تصح إجارتها لغير صاحب الزرع لكن تضم عليه الزيادة من وقتها ، وإن كان بنى أو غرس ، فإن كان استأجرها مشاهرة فإنها تؤجر لغيره إذا فرغ الشهر إن لم يقبلها لانعقادها عند رأس كل شهر ، والبناء يتملكه الناظر بقيمته مستحق القلع للوقف أو يصبر حتى يتخلص بناؤه وإن كانت المدة باقية لم تؤجر لغيره وإنما تضم عليه الزيادة [ ص: 25 ] كالزيادة وبها زرع .

التالي السابق


( قوله تصح ) أي [ ص: 22 ] إن كانت من خلاف جنس ما استأجره فلو من جنسه فلا بخلاف الزيادة من جانب المؤجر فتجوز مطلقا ط عن الهندية ملخصا . ( قوله وبعدها ) صوابه لا بعدها كما هو في الأشباه والمنح ; لأن محل العقد قد فات والمراد بعد مضي كلها .

أما مضي بعضها ، فقال في خزانة الأكمل : لو استأجر دارا شهرين أو دابة ليركبها فرسخين فلما سكن فيها شهرا أو سافر فرسخا زاد في الأجرة فالقياس أن تعتبر الزيادة لما بقي .

ومحمد استحسن وجعلها موزعة لما مضى ولما بقي أبو السعود عن البيري



( قوله ولو ليتيم ) عبارة الأشباه : وهو شامل لمال اليتيم بعمومه .

قال الحموي : سوى في الإسعاف بين الوقف وأرض اليتيم حيث قال : ولو أجر مشرف حر الوقف أو وصي اليتيم منزلا بدون أجر المثل .

قال ابن الفضل ينبغي أن يكون المستأجر غاصبا .

وذكر الخصاف : لا يكون غاصبا ويلزمه أجر المثل ، وصرح في الجوهرة بأن أرض اليتيم كالوقف ا هـ .

أقول : وكذا ذكره الشارح قبل أسطر لكنه غير ما نحن فيه كما لا يخفى على النبيه فافهم ، فإن ما استشهد به فيما لو آجر بدون أجر المثل وكلامنا في الزيادة عليه بعد العقد ، والفرق مثل الصبح . ( قوله لم تقبل ) قال في الأشباه مطلقا ا هـ ، أي قبل المدة وبعدها . ( قوله كما لو رخصت ) أي الأجرة بعد العقد فلا يفسخ ; لأن المستأجر رضي بذلك ( قوله فإن الإجارة فاسدة إلخ ) سيأتي آخر السوادة ، لو آجرها بما لا يتغابن الناس فيه تكون فاسدة فيؤجرها صحيحة من الأول أو من غيره بأجر المثل إلخ ، وهو صريح في أنه لو كان الفساد بسبب الغبن الفاحش لا يلزم عرضها على الأول ، وفي العمادية خلافه ، لكن ذكر في حاشية الأشباه أن الذي في عامة الكتب هو الأول ( قوله لكن الأصل صحتها بأجر المثل ) كذا في الأشباه .

وفي بعض النسخ لكن الأصح إلخ ، ومعنى الاستدراك أن الكلام في الزيادة على المستأجر في الوقف ، وأن قوله فإن الإجارة فاسدة إلخ كلام مجمل لاحتمال أن المراد فسادها بسبب كون الأجرة عند العقد بدون أجر المثل ، فإذا ادعى فسادها بذلك آجرها الناظر بلا عرض على الأول ; لأنه لا حق له ، فاستدرك عليه بأن المقام يحتاج إلى التفصيل ، وهو أن الأصل صحتها بأجر المثل فمجرد دعوى الزيادة لا يقبل ، بل إن أخبر القاضي واحد بذلك يقبل إلى آخر ما قرره الشارح .

وقد اضطربت آراء محشي الأشباه وغيرهم في تقرير هذه العبارة ، وهذا ما ظهر لي فليتأمل .

ثم رأيت في أنفع الوسائل : قرر كلامه كذلك ، وعليه فكان المناسب أن يأتي بالفاء التفريعية بدل الواو في قوله ولو ادعى . ( قوله بغبن فاحش ) هو ما لا يدخل تحت تقويم المقومين في التفسير المختار ، وتمامه في رسالة العلامة قنلي زاده . ( قوله فإن أخبر إلخ ) يعني أن القاضي لا يقبل قول ذلك المدعي ; لأنه متهم بإرادة استئجارها لو أجنبيا أو باستخلاصها وإيجارها لغير الأول لو هو العاقد ، ومع أن الأصل في العقود الصحة . ( قوله ذو خبرة ) أفاد أن الواحد يكفي ، وهذا عندهما خلافا لمحمد أشباه . ( قوله وإن شهدوا إلخ ) وصل بما قبله وسيأتي عن الحانوتي آخر السوادة ما يخالفه ، إلا أن يراد الشهادة بدون اتصال القضاء ممن يرى ذلك ويأتي تمام بيانه هناك . ( قوله وإلا ) أي وإن لم يخبر ذو خبرة أنها وقعت بغبن فاحش ففيه تفصيل ، وهذا في المعنى مقابل لقوله فإن الإجارة فاسدة ; لأنها حينئذ صحيحة ، فقد استوفى الكلام على القسمين [ ص: 23 ] قوله إضرارا وتعنتا ) فسر ذلك ابن نجيم في فتاواه بالزيادة التي لا يقبلها إلا واحد أو اثنان ا هـ .

وفي الينابيع : زاد بعض الناس في أجرتها لم يلتفت إليه لعله متعنت ا هـ ط . ( قوله وإن كانت الزيادة أجر المثل ) عبارة الأشباه لزيادة باللام وهي كذلك في بعض النسخ ، والمراد أن تزيد الأجرة في نفسها لغلو سعرها عند الكل .

أما إذا زادت أجرة المثل لكثرة رغبة الناس في استئجاره فلا كما في شرح المجمع للعيني حموي ، ومثله في شرح ابن مالك .

أقول : وهو غير معقول ، إذ لو كانت الأجرة حنطة مثلا وزادت قيمتها أثناء المدة كما مثل به ابن ملك فما وجه نقض الإجارة بل المراد أن تزيد أجرة المثل بزيادة الرغبات كما وقع في عبارات مشايخ المذهب .

وفي حاشية الأشباه لأبي السعود عن العلامة البيري ما حاصله أنه لا تعتبر زيادة السعر في نفس الأجرة فإنه لا فائدة ولا مصلحة في النقض للوقف ولا للمستحقين كما أفاده العلامة الطرابلسي في فتاواه ورد به ما في شرح المجمع ، وجعله من المواضع المنتقدة عليه ا هـ .



مطلب في بيان المراد بالزيادة على أجر المثل بقي شيء يجب التنبيه عليه ، وهو ما المراد بزيادة أجر المثل فنقول : وقعت الزيادة في أغلب كلامهم مطلقة فقالوا إذا زادت بزيادة الرغبات .

ووقع في عبارة الحاوي القدسي أنها تنقض عند الزيادة الفاحشة .

قال في وقف البحر : وتقييده بالفاحشة يدل على عدم نقضها باليسير ، ولعل المراد بالفاحشة ما لا يتغابن الناس فيها كما في طرف النقصان فإنه جائز عن أجر المثل إن كان يسيرا والواحد في العشرة يتغابن الناس فيه كما ذكروه في كتاب الوكالة ، وهذا قيد حسن يجب حفظه ، فإذا كانت أجرة دار عشرة مثلا وزاد أجر مثلها واحدا فإنها لا تنقض كما لو آجرها المتولي بتسعة فلأنها لا تنقض بخلاف الدرهمين في الطرفين ا هـ .

أقول : لكن صرح في الحاوي الحصيري كما نقله عنه البيري وغيره أن الزيادة الفاحشة مقدارها نصف الذي أجر به أولا ا هـ ونقله العلامة قنلي زادة .

ثم قال : ولم نره لغيره .

والحق أن ما لا يتغابن فيه فهو زيادة فاحشة نصفا كانت أو ربعا .

وقال في موضع آخر : وهل هما روايتان أو مراد العامة أيضا ما ذكره الحصيري ؟ لم يحرره أحد قبلنا .

أقول : وكلامه الثاني أقبل ، فإن الحكم عليه بالبطلان لا بد له من برهان على أن الأصل عدم تعدد الرواية فيحمل كلام العامة عليه ما لم يوجد نقل بخلافه صريحا فيضطر إلى جعلهما روايتين ، وقد أقر العلامة البيري وغيره ما ذكره الإمام الحصيري وتبعه في الحامدية فاحفظ هذه الفائدة السنية ( قوله فيفسخها المتولي إلخ ) قال العلامة قنلي زادة : وهل المراد أنه يفسخها القاضي أو المتولي ويحكم به القاضي ، لم يحرره المتقدمون وإنما تعرض له صاحب أنفع الوسائل وجزم بالثاني ، وإنما يفسخ القاضي إذا امتنع الناظر عنه ا هـ .

أقول : والقول بالفسخ هو إحدى الروايتين ، وسيأتي أنه المفتى به .

ثم اعلم أن الشارح قد أطلق الفسخ هنا مع أنه قد فصل بعده . [ ص: 24 ] وحاصل التفصيل أن ما وقعت عليه الإجارة لا يخلو ، إما أن يكون أرضا فارغة وقت الزيادة عن ملك المستأجر كالدار والحانوت والأرض السليخة ، أو مشغولة به كما لو زرعها أو بنى فيها أو غرس .

ففي الوجه الأول يفسخها المتولي ويؤجرها لغيره إن لم يقبل الزيادة العارضة بعد ثبوتها .

وفي الثاني إن كان زرعها في المدة لا تؤجر لغيره وإن فرغت المدة ما لم يستحصد الزرع بل تضم عليه الزيادة من وقتها إلى أن يستحصد ; لأن شغلها بملكه مانع من صحة إيجارها لغيره كما يأتي ، وإن كان بنى فيها أو غرس ، فإن فرغت المدة كما لو استأجرها مشاهرة وفرغ الشهر فسخها وآجرها لغيره إن لم يقبل الزيادة ، وإن كانت المدة باقية لم تؤجر لغيره ما قلنا من أن شغلها بملكه مانع بل تضم عليه الزيادة كما مر في المزروعة ، لكن هنا تبقى إلى انتهاء العقد فقط إذ لا نهاية معلومة للبناء والغرس بخلاف الزرع هذا خلاصة ما ذكره الشارح تبعا للأشباه ، وهو مأخوذ من أنفع الوسائل عن البدائع وغيرها صريحا ودلالة .

ثم لا يخفى أن ضم الزيادة عليه إنما هو حيث رضي به وإلا يؤمر بالقلع إن لم يضر بالوقف وتؤجر لغيره صيانة للوقف ، وهذا كله إذا زادت أجرة الأرض في نفسها لا بسبب بنائه مثلا وإلا فلا تضم عليه الزيادة أصلا ; لأن الزيادة حصلت من ملكه كما هو ظاهر . ( قوله ثم يؤجرها ممن زاد ) الأولى حذفه ليتأتى التفصيل المذكور بعده كما فعل صاحب البحر في الوقف وإن عبر في الأشباه كما هنا . ( قوله عرضها على المستأجر ) ولا يعرض في الفاسدة ، وقيل يعرض فيها أيضا ط ( قوله فقط ) أي لا من أول المدة أشباه ، بل الواجب من أولها إلى وقت الفسخ الأجر المسمى . ( قوله عليه ) أي على المنكر لتثبت الزيادة ; لأن القول قوله والبينة على المدعي ، والأصل بقاء ما كان على ما كان حموي .

والظاهر أن هذا على قول محمد ، لما مر أن الواحد يكفي عندهما تأمل . ( قوله لم تصح إجارتها لغير صاحب الزرع ) أي إن كان مزروعا بحق ، فلو لم يكن بحق كالغاصب والمستأجر إجارة فاسدة لا يمنع صحة الإجارة كما في الظهيرية والسراجية لكونه لا يمنع التسليم بحر ، وسيذكره الشارح ويأتي متنا بعد ورقة ( قوله من وقتها ) أي وقت الزيادة ، ووجب لما مضى قبلها من المسمى بحسابه كما في البحر . ( قوله فإن كان استأجرها مشاهرة ) في هذا التعبير مسامحة ; لأن هذا مقابل قوله الآتي وإن كانت المدة باقية إلخ ، فكان المناسب أن يقول : فإن كانت المدة قد فرغت فإنها تؤجر لغيره إن لم يقبلها : أي الزيادة ، لكن لما كان الشهر مدة قليلة صار كأن المدة قد فرغت ، فإنه إذا استأجرها مشاهرة كل شهر بكذا صح في واحد وفسد في الباقي على ما يأتي بيانه في الباب الآتي . ( قوله والبناء يتملكه الناظر بقيمته ) أي جبرا على المستأجر إن ضر قلعه بالأرض كما يأتي بيانه قريبا ( قوله مستحق القلع ) سيأتي بيانه في الباب الآتي . ( قوله للوقف ) متعلق بقوله يتملكه ( قوله أو يصبر إلخ ) يعني إذا رضي الناظر بذلك إن كان القلع يضر ; لأن الخيار للناظر حينئذ بين تملكه جبرا على المستأجر وبين أن يتركه إلى أن يتخلص بناء المستأجر من الأرض ، كلما سقط شيء دفعه إليه بناء على ما يأتي عن الشروح ، [ ص: 25 ] نعم لو لم يضر فالخيار للمستأجر كما يأتي بيانه




الخدمات العلمية