الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( كتاب النكاح ) .

                                                                                        ذكره بعد العبادات ; لأنه أقرب إليها حتى كان الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات ، وقدم على الجهاد لاشتماله على المصالح الدينية والدنيوية ، وأمر المناسبة سهل واختلف في معناه لغة على أربعة أقوال فقيل مشترك بين الوطء والعقد ، وهو ظاهر ما في الصحاح فإنه قال : النكاح الوطء ، وقد يكون العقد تقول نكحتها ونكحت هي أي تزوجت ، وهي ناكح في بني فلان أي ذات زوج والمراد بالمشترك اللفظي ، وقيل حقيقة في العقد مجاز في الوطء ونسبه الأصوليون إلى الشافعي في بحث متى أمكن العمل بالحقيقة سقط المجاز ، وقيل بالعكس ، وعليه مشايخنا صرحوا به كما في فتح القدير وجزم به في المغرب وذكر الأصوليون أن ثمرة الاختلاف بيننا وبين الشافعي تظهر في حرمة موطوءة الأب من الزنا أخذا من قوله تعالى { ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء } فلما كان حقيقة في العقد عنده لم تحرم موطوءته من الزنا ، ولما كان حقيقة في الوطء عندنا الشامل للوطء الحلال والحرام حرمت عندنا وحرمت معقودة الأب بغير وطء بالإجماع .

                                                                                        وتفرع على أصلنا ما لو قال : لامرأته إن نكحتك فأنت طالق فإنه للوطء فلو أبانها ثم تزوجها لم يحنث ، ولا يرد علينا ما لو قال : لأجنبية ذلك فإنه للعقد لتعذر الوطء شرعا فكانت حقيقة مهجورة كما في الكشف ولذا لو قال : ذلك لمن لا تحل له أبدا بأن قال : إن نكحتك فعبدي حر انصرف إلى النكاح الفاسد كما في المحيط ، وقيل حقيقة في الضم صرح به مشايخنا أيضا لكن قال : في فتح القدير أنه لا منافاة بين كلامهم ; لأن الوطء من أفراد الضم والموضوع للأعم حقيقة في كل من أفراده كإنسان في زيد فهو من قبيل المشترك المعنوي إلى آخر ما ذكره ، وهو مردود فإن الوطء مغاير للضم ولذا قال : في المغرب ، وقولهم النكاح الضم مجاز كإطلاقه على العقد إلا أن إطلاقه على الضم من باب تسمية المسبب باسم السبب ، وإطلاقه على العقد بالعكس ، ومما يدل على مغايرة القولين أن صاحب المحيط ذكر أنه حقيقة في الضم الشامل للوطء والعقد باعتبار ضم الإيجاب إلى القبول فهو حقيقة في العقد أيضا ، وعلى القول الثالث مجاز فيه وصحح في المجتبى ما في المغرب كما في التبيين ورجح في غاية البيان الأول بأن الأصل في الكلام الحقيقة والمشترك مستعمل في الموضوع الأصلي دون المجاز . ا هـ .

                                                                                        وهو غفلة عما في الأصول فإن الأصح أنه إذا دار لفظ بين الاشتراك والمجاز فالمجاز أولى ; لأنه أبلغ ، وأغلب والاشتراك يخل بالتفاهم ويحتاج إلى قرينتين كما ذكره النسفي في شرح المنار ، وقال : في البدائع إنه الحق والمتحقق الاستعمال في كل من هذه المعاني الثلاثة لكن الشأن في تعيين [ ص: 83 ] المعنى الحقيقي له .

                                                                                        وأما معناه شرعا في فتح القدير حيث أطلق في الكتاب والسنة مجردا عن القرائن فهو للوطء فقد تساوى المعنى اللغوي والشرعي ولذا قال قاضي خان إنه في اللغة والشرع حقيقة في الوطء مجاز في العقد ، وأما ما ذكره المصنف وغيره من أنه اسم للعقد الخاص فهو معناه في اصطلاح الفقهاء ولذا قال : في المجتبى إنه في عرف الفقهاء العقد فقول من قال : إنه في الشرع اسم للعقد الخاص كما في التبيين محمول على أن المراد أنه في عرف الفقهاء ، وهم أهل الشرع فلا مخالفة وسبب مشروعيته مع أن الأصل في النكاح الحظر ، وإباحته للضرورة كما في الكشف تعلق بقاء العالم به المقدر في العلم الأزلي على الوجه الأكمل ، وإلا فيمكن بقاء النوع بالوطء على غير الوجه المشروع لكنه مستلزم للتظالم والسفك وضياع الأنساب بخلافه على الوجه المشروع وشرطه نوعان عام في تنفيذ كل تصرف دائر بين النفع والضرر وخاص فالأول الأهلية بالعقل والبلوغ قال : في فتح القدير وينبغي أن يزاد في الولي لا في الزوج والزوجة ، ولا في متولي العقد فإن تزويج الصغير والصغيرة جائز وتوكيل الصبي الذي يعقد العقد ويقصده جائز في البيع عندنا فصحته هنا أولى ; لأنه محض سفير ، وأما الحرية فشرط النفاذ بلا إذن أحد . ا هـ .

                                                                                        وضم الزيلعي الحرية إلى العقل وبالبلوغ في الشرط العام والتحقيق أن التمييز شرط في متولي العقد للانعقاد أصيلا كان أو لم يكن فلم ينعقد النكاح بمباشرة المجنون والصبي الذي لا يعقل ، وأما البلوغ والحرية فشرط النفاذ في متولي العقد لنفسه لا لغيره فتوقف عقد الصبي العاقل والعبد على إجازة الولي والمولى ، وأما المحلية فقال : في فتح القدير إنها من الشروط العامة وتختلف بحسب الأشياء والأحكام كمحلية المبيع للبيع والأنثى للنكاح . ا هـ .

                                                                                        والأولى أن يقال : إن محلية الأنثى المحققة من بنات آدم ليست من المحرمات ، وفي العناية محله امرأة لم يمنع من نكاحها مانع شرعي فخرج الذكر للذكر والخنثى مطلقا والجنية للإنسي ، وما كان من النساء محرما على التأييد كالمحارم ولذا قال : في التبيين من كتاب الخنثى لو زوجه أبوه أو مولاه امرأة أو رجلا لا يحكم بصحته حتى يتبين حاله أنه رجل أو امرأة فإذا ظهر أنه خلاف ما زوج به تبين أن العقد كان صحيحا ، وإلا فباطل لعدم مصادفة المحل ، وكذا إذا زوج الخنثى من خنثى آخر لا يحكم بصحة النكاح حتى يظهر أن أحدهما ذكر والآخر أنثى . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية لا يجوز التزويج بجنية ، وأجازه الحسن البصري بشهود وذكر أهل الأصول أن النهي عن نكاح المحارم مجاز عن النفي فكان نسخا لعدم محله وصرح كثير من الفقهاء بعدم محلية المحارم للنكاح وجزم به في غاية البيان لكن يشكل عليه إسقاط أبي حنيفة الحد عمن وطئ محرمة بعد العقد عليها فإنها إذا لم تكن محلا لم تبق شبهة بالعقد والجواب أنها لم تخرج عن المحلية للنكاح أصلا بدليل حل تزوجها لمن لم يكن محرما لها فأبو حنيفة نظر إلى هذا ، وهما نظرا إلى خروجها عن المحلية بالنسبة إلى الواطئ ، وهو الظاهر فلذا قال : في الخلاصة إن الفتوى على قولهما وسيأتي تمامه في محله إن شاء الله تعالى والثاني أعني الشرط الخاص للانعقاد سماع اثنين بوصف خاص للإيجاب والقبول زاد في المحيط ، وكون المرأة من المحللات ، وقد علمت ما فيه وركنه الإيجاب والقبول حقيقة أو حكما كاللفظ القائم مقامهما من متولي الطرفين شرعا وحكمة حل استمتاع كل منهما بالآخر على الوجه المأذون فيه شرعا وحرمة المصاهرة ، وملك كل واحد منهما بعض الأشياء على الآخر مما سيرد عليك كذا في فتح القدير .

                                                                                        وقد ذكر أحكامه في البدائع في فصل على حدة فقال : منها حل الوطء لا في الحيض والنفاس والإحرام ، وفي الظهار قبل التكفير ووجوبه قضاء مرة واحدة وديانة فيما زاد عليها ، وقيل يجب قضاء أيضا ، ومنها حل النظر والمس من رأسها إلى قدمها إلا لمانع [ ص: 84 ] ومنها ملك المنفعة ، وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا ، ومنها ملك الحبس والقيد ، وهو صيرورتها ممنوعة عن الخروج والبروز ، ومنها وجوب المهر عليه ، ومنها وجوب النفقة والكسوة ، ومنها حرمة المصاهرة ، ومنها الإرث من الجانبين ، ومنها وجوب العدل بين النساء في حقوقهن ، ومنها وجوب طاعته عليها إذا دعاها إلى الفراش ، ومنها ولاية تأديبها إذا لم تطعه بأن نشزت ، ومنها استحباب معاشرتها بالمعروف ، وعليه حمل الأمر في قوله تعالى ، { وعاشروهن بالمعروف } ، وهو مستحب لها أيضا والمعاشرة بالمعروف الإحسان قولا ، وفعلا وخلقا إلى آخر ما في البدائع ، ومن أحكامه أن لا يصح تعليقه بالشرط لكن قال : في التتمة تزوج امرأة إن شاءت أو قال : إن شاء زيد فأبطل صاحب المشيئة مشيئته في المجلس فالنكاح جائز ; لأن المشيئة إذا بطلت في المجلس صار نكاحا بغير مشيئة كما قالوا في السلم إذا أبطل الخيار في المجلس جاز السلم .

                                                                                        ولو بدأ الزوج فقال : تزوجتك إن شئت ثم قبلت المرأة من غير شروط تم النكاح ، ولا يحتاج إلى إبطال المشيئة بعد ذلك ، ولو قال : تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم فإن كان فلان حاضرا فقال : قد رضيت جاز النكاح استحسانا ، وإن كان غير حاضر لم يجز ، وليس هذا كقوله قد تزوجتك ولفلان الرضا ; لأن هذا قول قد وجب وشرط خيار والأول لم يوجب وجعل الإيجاب مخاطرة ، ولو قال : تزوجتك اليوم على أن لك المشيئة اليوم إلى الليل فالنكاح جائز والشرط باطل كشرط الخيار ا هـ

                                                                                        هكذا في البزازية لكن قال : قبله لو قالت زوجت نفسي منك إن رضي أبي لا يصح ; لأنه علقه بالخطر . ا هـ .

                                                                                        وقياس ما تقدم أن الأب إن كان حاضرا في المجلس ورضي الجواز ثم رأيته في الظهيرية ، وفي البزازية خطب بنت رجل لابنه فقال : أبوها زوجتها قبلك من فلان فكذبه أبو الابن فقال : إن لم أكن زوجتها من فلان فقد زوجتها من ابنك ، وقبل أبو الابن ثم علم كذبه انعقد ; لأن التعليق بالوجود تحقيق . ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى زوجت نفسي منك بعد انقضاء عدتي فقبل لا يصح كالتعليق ، وإضافته إلى وقت لا يصح وصفته فرض وواجب وسنة وحرام ، ومكروه ، ومباح أما الأول فبأن يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه إلا به ; لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا .

                                                                                        وأما الثاني فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة إذ ليس الخوف مطلقا مستلزما بلوغه إلى عدم التمكن وبه يحصل التوفيق بين قول من عبر بالافتراض وبين من عبر بالوجوب وكل من هذين القسمين مشروط بشرطين . الأول : ملك المهر والنفقة فليس من خافه إذا كان عاجزا عنهما آثما بتركه كما في البدائع . الثاني : عدم خوف الجور فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني فلا افتراض بل مكروه كما أفاده في فتح القدير ، ولعله ; لأن الجور معصية متعلقة بالعباد والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى ، وأما الثالث فعند الاعتدال وسيأتي بيانه ، وأما الرابع فبأن يخاف الجور بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه ; لأنه إنما شرع لمصلحة من تحصين النفس وتحصيل الثواب وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد ، وأما الخامس فبأن يخافه لا بالحيثية المذكورة ، وهي كراهة تحريم ، ومن أطلق الكراهة عند خوف الجور فمراده القسم الثاني من القسمين .

                                                                                        وأما السادس [ ص: 85 ] فبأن يخاف العجز عن الإيفاء بمواجبه كذا في المجتبى يعني في المستقبل ، وأما محاسنه فكثيرة ودلائله شهيرة ( قوله : هو عقد يرد على ملك المتعة قصدا ) أي النكاح عند الفقهاء والمراد بالعقد مطلقا نكاحا كان أو غيره مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر سواء كان باللفظين المشهورين من زوجت وتزوجت أو غيرهما مما سيذكر أو كلام الواحد القائم مقامهما أعني متولي الطرفين ، وقول الورشكي إنه معنى يحل المحل فيتغير به حال المحل وزوجت وتزوجت آلة انعقاده إطلاق له على حكمه فإن المعنى الذي يتغير به حال المحل من الحل والحرمة هو حكم العقد ، وقد صرح بإخراج اللفظين عن مسماه ، وهو اصطلاح آخر غير مشهور كذا في فتح القدير ، وملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطء كما في الكشف ، ومعنى وروده عليه إفادته له شرعا فلو قال : يفيد ملك المتعة أو يثبت به ملك المتعة قصدا لكان أظهر والمراد أنه عقد يفيد حكمه بحسب وضع الشرع .

                                                                                        والمراد بالملك الحل لا الملك الشرعي ; لأن المنكوحة لو وطئت بشبهة فمهرها لها ، ولو ملك الانتفاع ببضعها حقيقة لكان بدله له وذكر في البدائع أن من أحكامه ملك المتعة ، وهو اختصاص الزوج بمنافع بضعها وسائر أعضائها استمتاعا أو ملك الذات والنفس في حق التمتع على اختلاف مشايخنا في ذلك واحترز بقوله قصدا عما يفيد الحل ضمنا كما إذا ثبت في ضمن ملك الرقبة كشراء الجارية للتسري فإنه موضوع شرعا لملك الرقبة ، وملك المتعة ثابت ضمنا ، وإن قصده المشتري ، وإنما لم يكن ملك المتعة مقصودا لملك الرقبة في الشراء أو نحوه لتخلفه عنه في شراء محرمه نسبا ورضاعا والأمة المجوسية ( قوله : وهو سنة ، وعند التوقان واجب ) بيان لصفته أما الأول فالمراد به السنة المؤكدة على الأصح ، وهو محمل من أطلق [ ص: 86 ] الاستحباب ، وكثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة كذا في فتح القدير وصرح في المحيط أيضا بأنها مؤكدة ، ومقتضاه الإثم لو لم يتزوج ; لأن الصحيح أن ترك المؤكدة مؤثم كما علم في الصلاة .

                                                                                        وأفاد بذكر وجوبه حالة التوقان أن محل الأول حالة الاعتدال كما في المجمع والمراد بها حالة القدرة على الوطء والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك الفرائض والسنن فلو لم يقدر على واحد من الثلاثة أو خاف واحدا من الثلاثة فليس معتدلا فلا يكون سنة في حقه كما أفاده في البدائع ودليل السنية حالة الاعتدال الاقتداء بحاله صلى الله عليه وسلم في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة كما في الصحيحين ردا بليغا بقوله { فمن رغب عن سنتي فليس مني } كما أوضحه في فتح القدير والتوقان مصدر تاقت نفسه إلى كذا إذا اشتاقت من باب طلب كذا في المغرب والمراد به أن يخاف منه الوقوع في الزنا لو لم يتزوج إذ لا يلزم من الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور ، وأراد بالواجب اللازم فيشمل الفرض والواجب الاصطلاحي فإنا قدمنا أنه فرض وواجب ، ولم يذكر أنه حرام أو مكروه كما في المجمع ; لأن الجور حرام بالنسبة إلى كل شخص ، وليس هو مختصا بالنكاح حتى يجعل من أحكامه وصفته والجور الظلم يقال جار أي ظلم ، وأفاد بالسنية أن الاشتغال به أفضل من التخلي لنوافل العبادات ولذا قال : في المجمع ونفضله على التخلي للنوافل واستدل له في البدائع بوجوه : الأول أن السنن مقدمة على النوافل بالإجماع .

                                                                                        الثاني أنه أوعد على ترك السنة ، ولا وعيد على ترك النوافل . الثالث أنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وواظب عليه وثبت عليه بحيث لم يخل عنه بل كان يزيد عليه ، ولو كان التخلي للنوافل أفضل لفعله ، وإذا ثبت أفضليته في حقه ثبتت في حق أمته ; لأن الأصل في الشرائع هو العموم والخصوص بدليل . والرابع أنه سبب موصل إلى ما هو مفضل على النوافل ; لأنه سبب لصيانة النفس عن الفاحشة ولصيانة نفسها عن الهلاك بالنفقة والسكنى واللباس ولحصول الولد الموحد ، وأما مدحه تعالى يحيى عليه السلام بكونه سيدا وحصورا ، وهو من لا يأتي النساء مع القدرة فهو في شريعتهم لا في شريعتنا . ا هـ .

                                                                                        وأشار المصنف بكونه سنة أو واجبا إلى استحباب مباشرة عقد النكاح في المسجد لكونه عبادة وصرحوا باستحبابه يوم الجمعة واختلفوا في كراهية الزفاف والمختار أنه لا يكره إلا إذا اشتمل على مفسدة دينية وروى الترمذي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف } كذا في فتح القدير ، وفي الذخيرة ضرب الدف في العرس مختلف فيه ، ومحله ما لا جلاجل له أما ما له جلاجل فمكروه ، وكذا اختلفوا في الغناء في العرس والوليمة فمنهم من قال : بعدم كراهته كضرب الدف . ا هـ .

                                                                                        وفي فتاوى العلامي من أراد أن يتزوج ندب له أن يستدين له فإن الله تعالى ضامن له الأداء فلا يخاف الفقر إذا كان من نيته التحصين والتعفف ويتزوج امرأة صالحة معروفة النسب والحسب والديانة فإن العرق نزاع ويجتنب المرأة الحسناء في منبت السوء ، ولا يتزوج امرأة لحسبها ، وعزها ، ومالها وجمالها فإن تزوجها لذلك لا يزاد به إلا ذلا ، وفقرا ودناءة ويتزوج من هي فوقه في الخلق والأدب والورع والجمال ودونه في العز والحرفة والحسب والمال والسن والقامة فإن ذلك أيسر من الحقارة والفتنة ، ويختار أيسر النساء خطبة ، ومؤنة ونكاح البكر أحسن للحديث { عليكم بالأبكار فإنهن أعذب أفواها ، وأنقى أرحاما ، وأرضى باليسير } ، ولا يتزوج طويلة مهزولة ، ولا قصيرة ذميمة ، ولا مكثرة ، ولا سيئة الخلق ، ولا ذات الولد ، ولا مسنة للحديث { سوداء ولود خير من حسناء عقيم } ، ولا يتزوج الأمة مع طول الحرة ، ولا حرة بغير إذن وليها لعدم الجواز عند البعض ، ولا زانية .

                                                                                        والمرأة تختار الزوج الدين الحسن الخلق الجواد الموسر ، ولا تتزوج [ ص: 87 ] فاسقا ، ولا يزوج ابنته الشابة شيخا كبيرا ، ولا رجلا دميما ويزوجها كفؤا فإذا خطبها الكفؤ لا يؤخرها ، وهو كل مسلم تقي وتحلية البنات بالحلي والحلل ليرغب فيهن الرجال سنة ونظره إلى مخطوبته قبل النكاح سنة فإنه داعية للألفة ، ولا يخطب مخطوبة غيره ; لأنه جفاء وخيانة وتمامه في الفصل الخامس والثلاثين منها ، وفي المجتبى يستحب أن يكون النكاح ظاهرا ، وأن يكون قبله خطبة ، وأن يكون عقده في يوم الجمعة ، وأن يتولى عقده ولي رشيد ، وأن يكون بشهود عدول منها .

                                                                                        [ ص: 82 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 82 ] كتاب النكاح ) .

                                                                                        ( قوله : حتى كان الاشتغال به أفضل إلخ ) أي الاشتغال بالنكاح ، وما يشتمل عليه من القيام بالمصالح ، وإعفاف الحرام عن نفسه وتربية الولد ونحو ذلك قاله في النهر وسيأتي الاستدلال على أفضليته بوجوه أربعة وحققه في الفتح بما لا مزيد عليه ( قوله : وهو مردود ) قال : في النهر قد يمنع بأن الوطء نفسه ضم ، وقد جعل في المحيط الضم أعم من ضم الجسم إلى الجسم والقول إلى القول فيكون مشتركا معنويا أيضا غير أن المتبادر من لفظ الضم تعلقه بالأجسام لا الأقوال ; لأنها أعراض يتلاشى الأول منها قبل وجود الثاني فلا يصادف الثاني منها ما ينضم إليه إلا أن قولهم الحقيقة والمجاز أولى من الاشتراك يرجح ما في المغرب ، وأن إطلاقه يعم المعنوي أيضا . ا هـ .

                                                                                        أي إطلاق قولهم المجاز أولى من الاشتراك يعم المشترك المعنوي .

                                                                                        ( قوله : من باب تسمية المسبب باسم السبب ) أي إطلاق النكاح الذي هو حقيقة في الوطء على الضم مجاز علاقته السببية والمسببية فإن الوطء سبب للضم فصح إطلاق النكاح عليه لكونه مسببا عنه ، وإطلاقه على العقد مجاز أيضا فإنه سبب للوطء ( قوله : وعلى القول الثالث ) أي القول بأن النكاح حقيقة في الوطء يكون مجازا في العقد ( قوله : ورجح في غاية البيان الأول ) أي إنه مشترك بين الوطء والعقد ; لأن المشترك حقيقة في معنييه ، وهي الأصل بخلاف ما إذا كان حقيقة في أحدهما [ ص: 83 ] مجازا في الآخر ( قوله : من أنه اسم للعقد الخاص ) أي ما يأتي في قول المصنف هو عقد يرد على ملك المتعة ( قوله : في عرف الفقهاء ، وهم أهل الشرع ) الذي في غير هذه النسخة في عرف أهل الشرع ، وهم الفقهاء ( قوله : فإن تزويج الصغير والصغيرة ) مفرع على قوله لا في الزوج والزوجة ، وقوله وتوكيل الصبي إلخ مفرع على قوله ، ولا في متولي العقد وكل من تزويج وتوكيل مصدر مضاف لمفعوله .

                                                                                        ( قوله : والأولى أن يقال : إن محلية الأنثى ) كذا فيما رأيته من النسخ بالإضافة والظاهر أنها محرفة والأصل محليته أو محله بالضمير مع التاء أو بدونها فالأنثى خبر إن [ ص: 84 ] ( قوله : لأن هذا قول قد وجب وشرط خيار والأول لم يوجب إلخ ) الذي رأيته في نسختين من البزازية هكذا ; لأن هذا قول قد وجب وشرط الخيار لغيره والأول مخاطرة . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : كشرط الخيار ) أي فيما لو قال : تزوجتك على أني بالخيار يجوز النكاح ، ولا يصح الخيار ; لأنه ما علق النكاح بالشرط بل باشر النكاح وشرط الخيار فيبطل شرط الخيار كذا في الخانية ( قوله : وقياس ما تقدم ) أي من قوله ، ولو قال : تزوجتك بألف درهم إن رضي فلان اليوم إلخ ، وقياس مبتدأ والجواز خبره ، وقوله بعده ثم رأيته في الظهيرية ساقط من بعض النسخ ، وعبارة الظهيرية هكذا امرأة قالت لرجل بمحضر من الشاهدين تزوجتك على كذا إن أجاز أبي أو رضي فقال : قبلت لا يصح ، ولو كان الأب في المجلس فقال : رضيت أو أجزت جاز . ا هـ .

                                                                                        وذكر في الخانية ما ذكره في البزازية ونقله في النهر قبيل كتاب الصرف ، وقال : إنه الحق ، وإن ما في الظهيرية مشكل أي لما مر من حكمه لكن لا يخفى أن مسألة التتمة تؤيد تفصيل الظهيرية ( قوله : لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا ) قال : في النهر فيه نظر إذ الترك قد يكون بغير النكاح ، وهو التسري وحينئذ فلا يلزم وجوبه إلا لو فرضنا المسألة بأنه ليس قادرا عليه . ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى عدم ورود النظر من أصله ; لأن قول المؤلف بحيث لا يمكنه الاحتراز عنه إلا به ظاهر في عدم القدرة على التسري ( قوله : فمراده القسم الثاني من القسمين ) أي قسمي الجور ، وهو القسم الذي ذكره في الخامس [ ص: 85 ] قول المصنف هو عقد ) قال : في الشرنبلالية المراد بالعقد الحاصل بالمصدر احترازا عن المعنى المصدري الذي هو فعل المتكلم كذا أفاده المصنف يعني صاحب الدرر في مناهيه ( قوله : وقول الورشكي ) بالواو والراء والشين المعجمة هو عمر بن عبد الكريم العلامة بدر الدين البخاري تفقه عليه شمس الأئمة الكردري ببجات مات ببلخ سنة 594 تفقه على أبي الفضل الكرماني كما في الجواهر المضيئة شيخ إسماعيل ، وفي بعض النسخ الزركشي ، وهو تحريف .

                                                                                        ( قوله : وملك المتعة عبارة عن ملك الانتفاع والوطء ) قال : في الدرر المتعة حل استمتاع الرجل من المرأة ، وهو يشير إلى أن الحق في التمتع للرجل لا للمرأة ويتفرع عليه ما ذكره الأبياري شارح الكنز في شرحه للجامع الصغير في شرح قوله عليه السلام { احفظ عورتك إلا من زوجتك ، وما ملكت يمينك } من أن للزوج أن ينظر إلى فرج زوجته وحلقة دبرها بخلافها حيث لا تنظر إليه إذا منعها من النظر كذا في حواشي مسكين ، وعبارة البدائع الآتية أظهر في إفادة ذلك تأمل .

                                                                                        ( قوله : فلو قال : يفيد ملك المتعة إلخ ) قال : في النهر الأقرب أن يكون يرد بمعنى يأتي قال : الجوهري الورود خلاف الصدور . ا هـ .

                                                                                        أي الرجوع ، وعلى تعليلية أي يأتي وضعا لكذا . ا هـ .

                                                                                        أي مثلها في { ولتكبروا الله على ما هداكم } أي لهدايته إياكم تأمل ( قوله : والمراد بالملك الحل إلخ ) قال : في النهر ، وفي سراج الدبوسي اختلفوا في أن هذا الملك في حكم ملك العين أو المتعة قال : أصحابنا بالأول والشافعي بالثاني ، وأجمعوا على أن جميع أجزائها ، ومنافعها له واستدل أصحابنا بجواز نكاح المرضعة أي الصغيرة ، ولا متعة وطء فيها ، ولا يرد ما لو وطئت بشبهة فإن البدل لها ، ولو ملك العين لكان له ; لأن هذا الملك ليس حقيقيا بل في حكمه في حق تحليل الوطء دون ما سواه من الأحكام التي لا تتصل بحق الزوجية . ا هـ .

                                                                                        والظاهر أن الخلاف لفظي ، وإذا عرف هذا فما في البحر من أن المراد بالملك الحل لا الملك الشرعي ; لأن المنكوحة إلخ فيه نظر بل يملك الانتفاع حقيقة ، ولا يلزمه ذلك لما مر . ا هـ .

                                                                                        وفيه نظر ; لأن مدار كلام الدبوسي على أن هذا الملك ليس حقيقيا ، وأن المراد منه حكمه ، وهو حل الوطء ونحوه ، وهو معنى كلام البحر على أن كلام الدبوسي مخالف لقول المتن يرد على ملك المتعة فإن مقتضاه أنه لا خلاف بيننا وبين الشافعي في ذلك نعم كلام البدائع الآتي صريح في الخلاف عندنا لكن قول المؤلف هنا ، ولو ملك الانتفاع ببعضها حقيقة لكان بدله له فيه نظر ; لأن ملكه للبدل إنما يترتب على ملكه لذات البضع لا على ملكه لمنفعته فيملك عقر أمته لملكه لذات بضعها ، ولا يملك عقر زوجته لعدم ملك الذات بل هو مالك لمنفعته ، وملك كل شيء بحسبه ولذا فسر في البدائع الملك هنا بالاختصاص .

                                                                                        ( قوله : أما الأول فالمراد به السنة المؤكدة على الأصح ) قال في النهر : وقال بعض مشايخنا : إنه فرض كفاية ، وقيل بل واجب على الكفاية ، وقيل على التعيين وينبغي ترجيحه لثبوت المواظبة عليه والإنكار على من رغب عنه . ا هـ .

                                                                                        وهو وجيه ، ولا يبعد أن يكون المراد بالسنية لما مر في باب الإمامة من تصريح صاحب البدائع وغيره في الجمع بين القول بوجوب الجماعة وسنيتها بأنه اختلاف في العبارة ; لأن السنة المؤكدة والواجب سواء . ا هـ . تأمل .

                                                                                        ولا ينافي ذلك كون الوجوب عند التوقان ; لأن الواجب يختلف فإذا خاف الوقوع في الحرام وتركه [ ص: 86 ] يكون إثمه أشد من تركه عند عدم التوقان . ( قوله : والمراد به أن يخاف منه الوقوع في الزنا ) أي الخوف بمعنييه السابقين لحمله الواجب على ما يشمل الفرض .




                                                                                        الخدمات العلمية