الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2310 15 - حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثنا الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب : أن سالما أخبره أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ، ولا يسلمه ، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، ورجاله قد ذكروا غير مرة ، وعقيل بضم العين ابن خالد وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري ، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، والحديث أخرجه البخاري أيضا في الإكراه عن يحيى ، وأخرجه مسلم وأبو داود جميعا ، والترمذي في الحدود ، وأخرجه النسائي في الرجم ، وفي الباب عن أبي هريرة أخرجه الترمذي : من حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر على مسلم في الدنيا ستر الله عليه في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه ، وعن عقبة بن عامر أخرجه أبو داود والنسائي من رواية أبي الهيثم عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة . زاد الحاكم في المستدرك : من قبرها . وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وعن ابن عباس أخرجه ابن ماجه من حديث عكرمة عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ، وعن كعب بن عجرة أخرجه الطبراني من حديث محمد بن كعب القرظي ، عن كعب بن عجرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة يوم القيامة ، ومن ستر على مؤمن عورة ستر الله عليه عورته يوم القيامة ، ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربته . وعن مسلمة بن مخلد أخرجه أحمد في مسنده من حديث أبي أيوب عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة . . . الحديث ، وإسناده صحيح ، وعن أبي سعيد أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا يرى مؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا أدخله الله الجنة . وعن جابر بن عبد الله أخرجه الطبراني أيضا في الأوسط من حديث محمد بن المنكدر عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من ستر على أخيه عورة فكأنما أحيا موءودة ، وضعفه ابن عدي ، وعن نبيط بن شريط أخرجه الطبراني في الصغير عن أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه نبيط قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من ستر عورة حرمة مؤمنة ستره الله من النار . وعن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب من رواية محمد بن إسحاق العكاشي ، عن عمرو بن وثاب ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : من ستر مؤمنا فكأنما يستر الله عز وجل ، والعكاشي ضعيف .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 289 ] (ذكر معناه) قوله : " المسلم أخو المسلم " يعني أخوه في الإسلام ، وكل شيئين يكون بينهما اتفاق تطلق عليهما اسم الأخوة ، وقوله : " المسلم " يتناول الحر والعبد والبالغ والمميز ، قوله : " لا يظلمه " نفي بمعنى الأمر ، وهو من باب التأكيد; لأن ظلم المسلم للمسلم حرام ، قوله : " ولا يسلمه " قد فسرناه الآن ، وزاد الطبراني في روايته عن سالم ولا يسلمه في مصيبة ، وقال ابن التين : لا يظلمه فرض ، ولا يسلمه مستحب ، وظاهر كلام الداودي أنه كظلمه قال : وفيه تفصيل الوجوب إذا فجئه عدو وشبه ذلك ، والاستحباب فيما كان من إعانة في شيء من الدنيا . وقال ابن بطال : نصر المظلوم فرض كفاية وتتعين فرضيته على السلطان ، قلت : الوجوب والاستحباب بحسب اختلاف الأحوال ، والستر على المسلم لا يمنع الإنكار عليه خفية ، وهذا في غير المجاهر ، وأما المجاهر فخارج عن هذا ولا غيبة له لقوله صلى الله عليه وسلم : " أترعون عن ذكر الفاجر متى يعرفه الناس ، اذكروه بما فيه يحذره الناس " رواه صاحب التلويح بإسناده عن بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده ، وقال صاحب التوضيح : هو ضعيف ، وجد بهز هو معاوية بن حيدة بن معاوية القشيري ، وعن يحيى بن معين بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده إسناده صحيح إذا كان دونه ثقة ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : بهز شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال النسائي : ثقة ، وقال أبو داود : هو حجة عندي ، استشهد به البخاري في الصحيح ، وروى له في الأدب ، وروى له الأربعة ، قوله : " كربة " بضم الكاف ، وهو الغم الذي يأخذ النفس ، وكذلك الكرب على وزن الضرب تقول منه : كربه الغم إذا اشتد عليه ، قوله : " من كربات " جمع كربة ، ويروى من كرب بضم الكاف وفتح الراء ، وابن التين اقتصر على الأول ، وقال : ضبط بضم الراء ويجوز فتحها وإسكانها ، قوله : " ومن ستر مسلما " أي رآه على قبيح فلم يظهره للناس ، وليس في هذا ما يقتضي ترك الإنكار عليه خفية .

                                                                                                                                                                                  وفي الحديث حض على التعاون وحسن المعاشرة والألفة والستر على المؤمن ، وترك التسمع به والإشهار لذنوبه ، وفيه أن المجازاة قد تكون في الآخرة من جنس الطاعة في الدنيا ، وهذا الحديث يحتوي على كثير من آداب المسلمين ، وقال الكرماني : الستر إنما هو في معصية وقعت وانقضت ، أما فيما تلبس الشخص بها فيجب المبادرة بإنكارها ومنعه منها ، وأما ما يتعلق بجرح الرواة والشهود ، فلا يحل الستر عليهم ، وليس هذا من الغيبة المحرمة ، بل من النصيحة الواجبة .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية